الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع المصالح فوق الجسد الفلسطيني

تميم منصور

2014 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


صراع المصالح فوق الجسد الفلسطيني
تميم منصور



العدوان البربري الاسرائيلي على قطاع غزة يضيف كل يوم تراكمات جديدة ومعالما كانت لا تزال تتستر وراء ظلال الواقع الصعب الذي يغطي سماء الشرق الاوسط ، كما انه كشف وبشكل واضح التحالفات الاقليمية التي عملت امريكا كل جهودها لرسم حدودها السياسية والجغرافية .
اهم ما ظهر حتى الآن بانه على جميع المواطنين العرب داخل الاقطار العربية وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني التسليم بان مصر لن تعود في المستقبل القريب على الاقل لأخذ دورها العربي والاقليمي الطبيعي والشرعي ما دامت سلاسل وقيود اتفاقية كامب تصادر ارادتها ولا تحررها من العزلة والطوق الذي يمنعها من العودة الى ذاتها كدولة مواجهة .
اعتقدنا ان ثورتين شعبيتين متتالتين كافيتان لإزاحة هذه القيود وتحرير مصر من التبعية والعدمية القومية والسياسية ، هاتان الثورتان لم تقدرا على ربط الشرايين التي كانت تضخ الدم الثوري المصري الى العرب ، تم تعيده من العرب الى مصر ، أعادت هذه الاتفاقية مصر الى سنوات الثلاثينات والاربعينات ، وقد صدق احد المفكرين اللبنانيين انطوان الجميل رئيس تحرير الاهرام في سنوات الاربعين عندما قال : نريد ان نكسب مصر لجانب فلسطين ولبنان وسوريا ، انهم يسموننا بالدول الشرقية ، لا فرق عندهم بين موقع القدس وموقع دمشق ولا فرق عندهم بين مشكلة اليهود ومشكلة الاقباط ، الكل عندهم سواء ، وما موقف مصر من المقاومة الباسلة في غزة ، والمقاومة اللبنانية والهجمة الشرسة التي تقوم بها العديد من الشخصيات السياسية المصرية ووسائل الاعلام المغرضة واغلاق معبر رفح سوى صورة من صور موقف مصر الهزيل من قضايا الامة العربية باستثناء الفترة والمرحلة الناصرية .
ان الدماء التي تسير في شرايين غالبية القيادات السياسية المصرية ، منذ عهد السادات حتى اليوم ملوثة بالتواطؤ والخنوع وفقدان الارادة ، لذلك لا يقبلها سوى جسد سلطة ابو مازن ، لأنها تتكرر داخل مختبرات امريكية وسعودية واماراتية واسرائيلية .
لقد كشف هذا العدوان معدن الحكام الجدد في مصر ، واثبت بأن مصر لا زالت كبيرة في حجمها ومقزمة في جوهرها وقدراتها .
لقد افلحت اتفاقية كامب ديفيد بعزل مصر وانطوائها ورجوعها الى الفرعونية اكثر من اقترابها من محور العروبة الثوري والقومي التحريري ، في عهد السادات حاول ايجاد كل المبررات لانحرافه وهروبه في مصر وقذفها داخل معسكر الامبريالية التي نهبت ولا تزال كرامة العرب وثرواتهم ، ابعد مصر عن حليف استراتيجي قدم لها كما اعترف الرئيس الخالد عبد الناصر من الابرة للصاروخ ، والغريب ان غالبية الشعب المصري لم يتحرك ساكنا رغم آلاف المصانع التي اقيمت بفضل وبدعم الدول الاشتراكية في حينه ، وهذا دليل على انه لا يملك اية ثقافة قومية او أي اجماع فكري تقدمي قادر على تنظيم الطبقات الكادحة التي خرجت من رحم ثورة 23 يوليو سنة 1952 .
ففي الوقت الذي تقوم به حكومة اليمين الفاشي في اسرائيل بإحدى اكبر الجرائم بحق البشرية التي وقعت بعد حرب فيتنام ، فان الرئيس المصري لم يتفوه بكلمة واحدة لإدانة العدوان ، ولم يتطرق في أي تصريح عما يحدث على مرمى حجر من معسكرات جيشه في رفح المصرية والعريش وغيرها ، الجميع ادانوا هذه الجرائم من ايران الى تركيا الى ماليزيا والصين وكوريا الديمقراطية وكوبا ، فقط غالبية الملوك والرؤساء العرب وفي مقدمتهم الرئاسة المصرية لم يدينوا هذه الجرائم ، ان تحرير مصر من حركة الاخوان الذين نادوا بالأممية الاسلامية لم يغفر له عزلها ووقوفها هذا الموقف المجرد المتواطىء .
انه يكرر دور السادات عندما وقف يصرخ بأعلى صوته وهو يصافح اسرائيل اثناء عدوانها على لبنان عام 1982 ، قال ارفعوا اياديكم عن لبنان ، وكان يقصد سوريا التي ضحت بالآف الجنود دفاعا عن عروبة لبنان ووحدتها ، اليوم السيسي يكرر السيناريو ذاته ولكن بصمت وحصار وملامة وتصفية حسابات الى درجة التشفي ، جاء مبارك واستمر بالتفريط بمقدرات وقدرات وكرامة مصر ، وحول مصر الى حليف وعمق استراتيجي لأمريكا واسرائيل والغرب عامة ،السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ماذا يقول المصريون قيادة وشعبا واضرابا عندما يتذكرون بان الوقود الذي يحرك آلات القتل والدمار من طائرات وسفن حربية ودبابات هو وقود مصري فرضته اتفاقية كامب ديفيد ، لماذا لم يفرض ثوار مصر وملايين ميدان التحرير على النظام الحالي وقف هذا النزيف الخياني الذي لم يتوقف ؟ لماذا يصرون على المحافظة وتثبيت تركة السادات ومبارك وعمر سليمان واحمد نظيف وغيرهم ، اذا لم يفعلوا ذلك لماذا قامت الثورة اذن.
ان موقف مصر من العدوان الحالي لا يشير الى أي موضوعية ومجردا من كل مقومات التضامن ، بل هو جزء من الحصار الذي تفرضه اسرائيل ويثبت بان دورها العربي والاقليمي لا يتعدى كونها ساعي بريد او حاملة لحقائب وملفات الوساطة بين اسرائيل والدول والمنظمات التي تعتدي عليها ، آخر المهمات البريدية والحقائب التي حملتها مصر ما هي الا امتداد للمهمات التي كانت تقوم بها في عهد مبارك ، اختارت مصر اكثر الواجبات والمهمات سهولة وسرعة ، تمثل هذا بتقديم اقتراح مستعجل وارتجالي بوقف اطلاق النار دون التشاور مع اصحاب الشأن وهي المقاومة في غزة . ان هذا الاقتراح السريع الارتجالي زاد من اتساع شرخ الانقسامات والخلافات بين حركة فتح وحركة حماس ، وكاد ان يعصف بالمصالحة وهذا ما تسعى اليه اسرائيل ، هذا الاقتراح وضع المقاومة في خانات الارتباك والحرج لأن اسرائيل شريكة في هذه اللعبة وسارعت الى الموافقة عليه ، وهذه هي المرة الاولى التي توافق بها اسرائيل على وقف عدوانها قبل ضحيتها المعتدى عليها .
المبادرة المصرية لا تمثل مصر الثورة التي كنست جماعة الاخوان المسلمين ، ولا تمثل مصر التي اطاحت بالسادات ومبارك ، لكن هذا المد الثوري على ما يبدو قد توقف بوصول السيسي الى قصر الاتحادية وقصر القبة وغيرها من القصور الرئاسية ، لأنه ما زال يحبو في مجالات السياسة وعوده لّين ، تلعب به السعودية وامريكا كما يريدان خدمة لإسرائيل او ربما انه لا زال اسيرا للوضع الداخلي ، بسبب حالات التفكك الاجتماعي في مصر وبسبب الفقر المدقع وارهاب الاخوان المدعومين من قطر وتركيا .
اهمية المبادرة المصرية لوقف العدوان كشفت عن خارطة التحالفات القائمة في المنطقة خاصة ، وهذا ما خططت له امريكا في عهد بوش ، شرق اوسط ينزف بشكل دائم ، اقتراح السيسي بعكس تحالف مصر والسعودية والامارات وامريكا وحلفائها وفي مقدمتهم اسرائيل .
كما ان رفض حركة حماس لهذا الاقتراح جاء متسرعا وغير مدروس ، لأن هذا الرفض كان موجهاً أكثر من كونه قراراً مستقلاً ، لأن قيادة حركة حماس برئاسة مشعل قد زجت هذه الحركة المقاومة في تحالفات اقليمية لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني ، ولا تعمل على وحدته .
يجتهد بعض المحللين بأن رفض حركة حماس للاقتراح المصري ما هي الا جزء من موقف تحالفها مع تركيا وقطر المعارض للتحالف السابق الذي ذكرته .
اذن العدوان كشف هوية هذه التحالفات والصراع بينها ، لكن الشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن ، الغريب بان قادة حماس اعترفوا بان ايران وسوريا هما من امدا المقاومة بالأسلحة المتطورة خاصة الصاروخية منها ، وان كل من تركيا وقطر لم يقدما للمقاومة طلقة واحدة خوفاً من اسيادهما في البيت الابيض ، امريكا تمسك برؤوس الحليفين المتخاصمين ، حلف تركيا وقطر وحماس ، والحلف الثاني برئاسة السعودية ومصر .
رحمة بأطفال ونساء وشيوخ جميع ضحايا العدوان الهمجي الاسرائيلي كان اجدر بحركة حماس الموافقة على وقف اطلاق النار في حينه مع الاصرار على ثوابتها اثناء المفاوضات ، الحرب والقوة العسكرية بحاجة الى مرونة وتكتيك لتحريكها ، لو فعلت ذلك لقامت بتعرية مصر اكثر و لأحدثت تصدعاً داخل المجتمع الاسرائيلي .
في رأيي ان هذا الرفض منع سقوط حكومة نتنياهو وانقذه من مطبات سياسية وعرة ، كما ان عدم القبول هذا كان لصالح عصابات اليمين المتعطشة لشرب نخب اجرامهم من دماء اطفال فلسطين في قطاع غزة ، لأن غزة بشعبها ومقاومتها خنجراً في خاصرتهم وسوف تبقى كذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية: اندلاع حريق كبير شمالي #الجولان عقب س


.. هل يمكن تَكرار سيناريو عملية -النصيرات- لاستعادة الرهائن الإ




.. #السودان.. قوات الدعم السريع تكشف التفاصيل الكاملة لأحداث -و


.. طفل فلسطيني من مجزرة مخيم النصيرات: شفنا الموت بأعيننا




.. وقفة تضامنية في جاكرتا استنكارا لاستمرار الحرب الإسرائيلية ع