الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس النواب والشعب

خليل كلفت

2014 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لا مناص فى واقعنا السياسى الذى تغيب فيه المفاهيم الصحيحة للتعبيرات السياسية مثل مفهوم البرلمان، واستقلاله النسبى، ودوره الحقيقى فى الحياة السياسية، والديمقراطية، من البدء بمناقشة عامة للمفاهيم، قبل أن ننتقل فى مقالات لاحقة إلى مناقشة قضية البرلمان والتشريع وفصل السلطات فى مصر.
وقد أعاد الدستور إلى البرلمان المصرى تسمية مجلس النواب، بعد تسميات عديدة وكانت التسمية الأخيرة هى تسمية مجلس الشعب. وتتضمن كل هذه التسميات فكرة أن البرلمان هو برلمان الشعب. وتندرج العلاقة بين البرلمان والشعب تحت علاقة أشمل بين الشعب والديمقراطية. والديمقراطية كلمة مركبة منحوتة من كلمتين يونانيتين تعنى إحداهما الشعب وتعنى الأخرى القوة أو السلطة أو الحكم أو القيادة أو الصدارة، وتعنى بالتالى حكم الشعب، فهل تعنى الديمقراطية فى الممارسة السياسية الفعلية حكم الشعب؟
والحقيقة أن مفهوم الديمقراطية، رغم بساطته الظاهرة، ينطوى على التباسات وإشكاليات عديدة. ذلك أن البشر لا يمكن أن يتفقوا على معنى واحد لأىّ مفهوم اجتماعى-سياسى مهما بدا بديهيا حيث تناضل كل طبقة من الطبقات الاجتماعية دفاعا عن التفسير الذى يخدم مصالحها. ومن خلال هذا الصراع الفكرى يجرى تعزيز تصورات ودحض تصورات فى سياق تطوُّر علم السياسة مع تطوُّر السياسة ذاتها، أىْ العلاقة بين الطبقات، ومع تطوُّر المجتمع ذاته، والتاريخ كله.
وتحيط التعابير السياسية نفسها بغلاف أسطورى تكشف الممارسة العملية حقيقته. وتزعم الأسطورة السياسية أن الديمقراطية هى حُكْم الشعب، ليس باعتبارها يوتوبيا يحلم البشر بتحقيقها على الأرض، بل باعتبارها وصفًا لواقع تاريخى فى الحكم تحقق فى أثينا القديمة وما حولها فى عصر پيريكليس بعد انتفاضة شعبية قبل ميلاد المسيح بخمسة قرون باعتبارها النقيض المباشر لحكم الأوليجارشية (الأقلية)، وما زال ينطبق على نظم الحكم فى الغرب زاعمة أن شعوبها تحكم نفسها، بنفسها، ولنفسها، حيث يشكل كل شعب فى بلده، عن طريق انتخابات حرة نزيهة، برلمانا يجسِّد سيادة الشعب ويضمن له اتخاذ القرارات التى تؤمِّن له تنظيم حياته الاقتصادية والسياسية وفقا لإرادته الحرة، كما تتجسَّد فى كلٍّ من الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية.
وتُرَوِّج الدول الغربية التى تطلق على نفسها اسم الديمقراطيات لفكرة أنها، فى سياق رسالتها الحضارية عبر العالم، تعمل على تحويل العالم الثالث إلى ديمقراطيات قادرة على السير به على طريق التقدم والنزاهة والشفافية.
ويمكن أن يبدو أن الغرب والشرق عالمان متعارضان من حيث الديمقراطية، على أن ما نراه فى الغرب الرأسمالى إنما هو أن الطبقة الاستغلالية هى التى حكمت الشعب، ولمصلحتها هى، وليس لمصلحة الشعب الذى ظل دائما محكوما تستغله وتضطهده الدولة الطبقية. ورغم أن "الناس اللى فوق" أقلية عددية ضئيلة على حين أن "الناس اللى تحت" أكثرية عددية كاسحة، فإن التشريعات والسياسات والحكومة التى تنفذها كانت دوما لصالح تلك الأقلية الضئيلة، حيث تحكم الأقلية الأغلبية فتستغلها اقتصاديا، وتسيطر على مفاتيح وجودها ومستقبلها وشقائها المسمَّى بالرفاهية.
والواقع أن الممارسة الفعلية لمفهوم الديمقراطية" تترك النتائج لآلياتها التى تتمثل فى وجود ممثلين للشعب هم كيان الديمقراطية المباشرة، لأنهم لا يأتون عن طريق الانتخابات، بل يأتون بصورة آلية وفقا للدستور أو القانون حسب العمر الذى يؤهل قسما من السكان لتمثيل الشعب كناخبين ينتخبون مستوى أعلى من تمثيل الشعب، مستوى نواب الشعب فى البرلمان.
و يكمن ما يمثل حقيقة كلٍّ من الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية فى حلقتىْ الناخب والنائب. ويوضح تحليل الناخبين انتماءاتهم الطبقية والسياسية، وكذلك الأيديولوچيا السائدة فى المجتمع التى توحِّد، إلى حد كبير، بين الطبقات العليا والدنيا، بصورة تبدو فيها المصالح المتناقضة كأنها مصلحة واحدة قد تمثلها بصورة زائفة كلمات مثل الوطن، الأمة، الشعب، القومية، الوحدة الوطنية، المستقبل الواحد، منجزات الزعامة التاريخية.
وتعمل كافة المؤسسات التى تنشر وترسِّخ أيديولوچيا الطبقة العليا فى عقل ووجدان كل أفراد كل طبقات المجتمع على قدم وساق: النظام التعليمى ومؤسساته، المؤسسات الدينية من معاهد تعليمية، ودور عبادة، وإعلام دينى، مؤسسات الإعلام بكل أنواعها، السوق ودعايتها، صناعة الثقافة المتمثلة فى الثقافة الجماهيرية، المثقفون التقليديون الآتون من كل الطبقات لكنهم يرتبطون باستقرار الطبقة الرأسمالية الاستغلالية، وبالطبع كل أجهزة القمع المباشر البوليسى والمخابراتى. على أن نشاط بعض هذه المؤسسات يصل إلى الذروة فى فترات الثورة المضادة ولكنْ أيضا فى فترات الحملات الانتخابية أو مذابح الديمقراطية المباشرة. إننا باختصار إزاء غسيل مخ متواصل من المهد إلى اللحد فلا غرابة فى هذه الهوة العميقة المحفورة بين الانتماء الطبقى الموضوعى والانتماء الفكرى والأيديولوچى لصالح الطبقة المسيطرة فكريا.
وعلى هذا النحو نجد الملايين أو عشرات الملايين من الناخبين من ضحايا الاستغلال والاستبداد والفساد والاضطهاد وغسيل المخ ينتخبون مئات من النواب الذين تنتمى غالبيتهم طبقيا وفكريا إلى الطبقات الحاكمة وليس إلى الطبقات الشعبية، ويمثلون بالتالى مصالحها، ويقومون بالتشريع ومنح الثقة للحكومة والرقابة على تنفيذ السلطة التنفيذية وفقا للمصالح التى يمثلونها.
6 يوليو 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا