الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم غاوية 3

حيدر الكعبي

2014 / 7 / 25
الادب والفن



تبدو أم غاوية كأنها ضُفِرت من الأسلاك، أو من قصب الأهوار الذي تُصنع منه شبّاباتُ الرعاة، حتى كأن وظيفة هيكلها العظمي الوحيدة هي نشر الثوب الذي يغطيها وإعطاؤه شكلاً. والثوب— وهو في الغالب أزرقُ نيليّ مزين بنقوشٍ أو دوائرَ أو بتلاتٍ أو نُقَط— يشِفُّ عن هيكلها العظمي ويظهرها في مظهر مومياء تمشي، وإن تكن كتلتها الضئيلة المتلاشية أقوى مما يوحي به مظهرها. ولم تكن قد بعدت عن الحقيقة كثيراً حين قالت: "الشر مطَّشِّر بخشيمي،" لكن بصرها وسمْعها بدآ يخونانها الآن. وراحت طبقة ملحية تزحف على مقلتيها وتضيّق فتحتيهما. وأخذت المرئيات تتشح بالضباب. وازداد محجراها عمقاً وعَظْما حاجبيها بروزاً. وخلا حاجباها من الشعر أو كادا. وحلَّ محلَّ الشعر قوسان من الوشم. وأخذتِ الأصواتُ تأتيها من مكان ناءٍ يزداد نأياً كل يوم. ولم تكن أسنانها أسعد حظاً، فقد أصبح باطنُ فمها كموقع أثري لمدينة زالت من الوجود. وأسنانها القليلة المتبقية لم تكن سوى نتوءاتٍ عظميةٍ ركيكةٍ غيرِ متقابلة لم تعُدْ لها وظيفةٌ تُذْكر سوى كونِها شاهداً على فمٍ ذهبت أيامُ مجده وطعن في السن والخراب. وقد انخسف لحم الخدين وراح يعترض مضغ الطعام. وكان عليها أن تصغّر اللقمة وتحصرها بين السن المتقلقل واللثة العارية التي نَحَتَها وأبلى نسيجَها طولُ التجارب والعراك مع الخبز، وأن تقنع بتحويل اللقمة من جهة الى جهة في فمها قبل أن تزدردها ازدراداً. أما رأس أم غاوية فلم يكن كبيراً كما تبديه العصابة السميكة. إذ ما إنْ تخلعْها حتى ينكشفَ شيءٌ كجوزة الهند، تكسوه طبقة صوفية جعداء متفاوتة الإرتفاع حالَ فيها أثرُ الحنّاء واختلط بلون الرماد. وبدا أنفها كبيراً على وجهها الصغير المكرمش، مثلما بدا ثوبها فضفاضاً على جسدها الضئيل وعلى القصبات الأربع التي تشكل أطرافها. كانت حين تلف العصابة حول رأسها تلفها بمهل، فتتوارى شعيرات رأسها الشحيحة عن الأنظار شيئاً فشيئاً، وتكتسب مظهراً أكثر رزانة وأقل إثارة للشفقة. كان ثوبها بلا جيوب. كانت العصابةُ جيبَها. وكانت تدس فيها الكيس القماشي الصغير أو (الصرة) التي تخبيء فيها دريهماتها المعدودة. كذلك كانت تُخفي في طيَّات العصابة أشياء أخرى متنوعة كعلبة ثقاب أو لفافةِ ورقٍ مخروطية تحوي حبوبَ دواء تحصل عليها من المستوصف في طريق عودتها الى البيت، وهي تعتقد أن الدواء إنْ لم ينفعْ فهو لا يضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل