الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البروباجندا ظاهرها وباطنها

دينا عسل
(Dina Asal)

2014 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


المعنى الشائع لكلمة بروبوجاندا هو "الدعاية" ويمكن اعتبار هذا المعنى هو المعنى الظاهر، لكن ترجمتها كما جاء في قاموس أوكسفورد: هي المعلومة ذات الطابع المتحيز أو المضلل والتي تستخدم للترويج لقضية سياسية أو وجهة نظر معينة. رغم أن المعنى الأصلي للكلمة لا يحمل أي دلالات مضللة حيث أن أصل الكلمة لاتيني بمعنى (الهيئة المختصة لنشر الإيمان) إلا أن المعنى الحالي للكلمة نشأ منذ القرن العشرين وذلك عندما أصبح المصطلح مرتبطاً بالسياسة، إذن المعنى الباطن هو "خدمة المصالح".

لو تأملنا بعض الكلمات والمصطلحات المتداوله في وقتنا الحالي نلاحظ أنه تم صك مصطلحات المشترك الأساسي فيها أو الاسم الكبير فيها هو "إسلامي" فعلى سبيل المثال وليس الحصر:

الحكم الإسلامي – الدولة الإسلامية – الرئيس الإسلامي – الهوية الإسلامية – الدستور الإسلامي – الحكومة الإسلامية – الاقتصاد الإسلامي – الفكر الإسلامي – المفكر الإسلامي – الحزب الإسلامي - الجماعة الإسلامية – الخلافة الإسلامية ... إلى آخره.

وكأن صار لدينا اسماً كبيرا نسمي به كل شئ بدلاً من البحث عن الاسم أو الوصف المناسب وذلك لعمل بروباجندا من خلال هذا الاسم الكبير تخدم مصالح وقضايا معينة فيبدو المصطلح في ظاهره الرحمة ولكن في باطنه العذاب، فمشروع التقسيم أو الشرق الأوسط الجديد أو الكبير اطلقوا عليه "الدولة الإسلامية" أو "الخلافة الإسلامية" على أمل أن يلقى رواجاً في مجتمعاتنا المسلمة، فهُنا كلمة "إسلامية" تستخدم كبروبوجاندا لإضفاء الشرعية حتى وإن كان هؤلاء الذين يتشدقون بالخلافة ويسمون أنفسهم "إسلاميين" يستحلون سفك الدماء حتى يصل الأمر إلى أن العربي يقتل العربي والمسلم يقتل المسلم.

فحادث «الفرافرة» الذى استهدف نقطة حرس الحدود بالوادى الجديد والذي راح ضحيته استشهاد 22 ضابطاً وجندياً مصرياً في رمضان قبل الإفطار خلف جرحاً جديداً في جسد الوطن الذي لم تلتئم جراحه بعد، فحادث رفح 2012 والذي راح ضحيته هو الآخر استشهاد 16 ضابطاً وجندياً مصرياً، كان أيضا في رمضان قبل الإفطار وكان ذلك في أول رمضان يمر على المصريين بعد انتخاب الدكتور مرسي وها هو أيضا أول رمضان يمر على المصريين بعد انتخاب الفريق السيسي، وبرغم بشاعة ما حدث تتسابق داعش مع تنظيم أنصار بيت المقدس حول إعلان مسئوليتهم عن حادث الفرافرة الإرهابي والغريب في الأمر أن مثل هذه التنظيمات هي التي تتحدث عن إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية.

إن عملية استهداف الضباط والجنود وتلك العمليات الإرهابية تؤثر في الوطن بأكمله، وقد باتت متكررة وممنهجة بعد عزل الدكتور مرسي الرئيس "الإخواني" وأقصدها الإخواني وليس "الإسلامي" لأن خلال عام حُكمه كانت مصر مرتعا حقيقيًّا لجماعة الإخوان وبالرغم من ذلك فإن مصطلح "الرئيس الإسلامي" بات يتردد كثيراُ في الآونة الأخيرة ولم يقتصر استخدامه على العالم العربي فحسب فإلى الآن في الصحف والوكالات الأجنبية يتم استخدام المصطلح "Islamist President" إشارة إلى الرئيس المعزول وذلك بدلاً من استخدام مصطلح الرئيس الإخواني "Ikhwanist president" بحُكم انتماءه لجماعة الإخوان، لكن على ما يبدو أن هناك تعمُّد في عدم تسمية الأشياء بمسمياتها وبناءً عليه تم صك مصطلح "الرئيس الإسلامي Islamist President" وعمل بروباجندا له واستخدامه لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية.

برغم أن الرئيس الذين ادّعوا بأنه إسلامي لم يتخذ أي قرار لصالح الإسلام، وبرغم أنه لا يوجد في تاريخ الإسلام ما يسمى بالإسلام السياسي لكن وصف حُكم مرسي بأنه "الحكم الإسلامي" وأنه هو "الرئيس الإسلامي" هي مجرد محاولات بذلتها ومازالت تبذلها جماعة الإخوان وحلفائها لإظهار ما حدث على أنه حرب على الإسلام وليس حرب على نظام فاشي ومنغلق لا تتحمل طبيعته قبول الآخر.

فالشعب الذي نزل وانتخب مرشح جماعة الإخوان هو نفسه عندما وجد عدم قدرته على الحُكم وميله السريع للأخونة وفرض السيطرة لم ينتظر السنوات الأربع التي حددها الدستور بل تمرد ونزل إلى الميادين كي يُسقط حُكم المرشد، مع العلم أن من نزل ليُسقط هذا النظام ليس بكافر أو ملحد كما ادّعى البعض بل هم مصريون يدركون معنى الوطن وقيمة العَلَم، شعارهم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وهو شعارهم منذ ثورة 25 يناير.

ففي كل مرة كان يتم توجيه نقد أو إعلان رفض لسياسة الإخوان، كان يتم قولبة الأمور بل وقولبة المجتمع المصري بأكمله في "نحن" المسلمين الذين نناصر الرئيس الإسلامي والحُكم الإسلامي، و"هم" الكافرون والمنافقون الذين يرفضون الإسلام والحُكم الإسلامي، وذلك حتى يبدو الخلاف وكأنه بين رئيس إسلامي ومعارضين معادين للإسلام، لذلك كان شيوخهم يقوموا بالدعاء علناً على المعارضين حتى أذكر أنه خلال مؤتمر تأييد سوريا باستاد القاهرة في ، 15 يونيو 2013، وفي حضور الرئيس الموصوف بـ«الإسلامى» قام أحد الشيوخ بالدعاء على متمردي 30 يونيو قائلا: "اسأل الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويجعل يوم 30 يونيو يوم عزة للإسلام والمسلمين، وكسر لشوكة الكافرين والمنافقين ..." فاستجاب الله الدعاء وكان يوم 30 يونيو يوم تحرير الشعب بيد الشعب من نظام الإخوان الذي اختطف الوطن لمدة عام.

إن هذا المؤتمر تحديداً والذي تم عقده لنصرة سوريا أهم ما جاء به فيما يتعلق بالقضية السورية قطع العلاقات مع سوريا، وإغلاق سفارتها بالقاهرة، وسحب القائم بأعمال السفير المصري من دمشق، وإعلان الجهاد في سوريا، على اعتبار أن هذه القرارات التي وُصِفت حينها بأنها غير مدروسة ستخدم القضية السورية من وجهة نظرهم، غاضين الطرف عن أن هذا الجهاد الذين يدعون إليه ليس جهاداً في سبيل الله فكيف يكون كذلك والطرفين مسلمين والإسلام يحرِّم إراقة الدماء والاعتداء على النفس البشرية بغير حق ويجعل من يعتدى عليها كمن قتل الناس جميعا. في الواقع ما يدعون إليه هو جهاد في سبيل الشيطان يعزز حالة الانقسام ويزيد من وتيرة العنف ويحفز الفئات المتناحرة أن تقاتل بعضها البعض مما يخدم مصالح الأعداء، وذلك كان في وقت يعتصر فيه الشعب المصري سياسيا واقتصاديا وتتفاقم فيه مشكلات وانقسامات داخلية، لذلك كان هذا الموقف بمثابة اللغز المحير ولاقي عدة تفسيرات منها أنه يريد تسليم سوريا للجماعات المتطرفة وهو التفسير الأقرب خاصة وبعد مرور الأيام وما نسمعه الآن عن إعلان دولة خلافة البغدادي في العراق والشام "داعش".

بعدما أعلن تنظيم داعش عن سعيه للتمدد في باقي البلدان العربية ونيته في ضم مصر لدولة الخلافة من خلال الخريطة التي نُشرت على عدد من المواقع، فهذا يؤكد على أن لو كان الإخوان مستمرين في الحُكم لكانوا أعانوهم على ذلك خاصة وأن حلم الخلافة على ما يبدو أنه حلماً مشتركاً فقد سبق وأن أشار صفوت حجازي القيادي بجماعة الإخوان في وقت سابق بأن زمن الخلافة الإسلامية قد حان وأعلن أن عاصمتها ستكون القدس، ولكن هذا لم يكن له صدى في بلد يمتلك تاريخ وحضارة مثل مصر لذا حلم الإخوان بالخلافة تم وأده في مصر.

عندما قامت الخلافة الإسلامية كان هناك حضارة إسلامية أبهرت العالم وكان هناك تعاليم سمحة وقدرة على القيادة لكن ما هو رصيد داعش وغيرها من الجماعات التي يراودها حلم الخلافة العلمي والثقافي الذي سيمكنها من أن تجاري حضارة العالم الحديثة وتتبؤ القيادة فيها أم أنها ستقيم دولة الخلافة على ثقافة العنف الدموي والتخريب والانقسام و"البروباجندا"؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس