الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ...إنفراج في الأفق بعد التوافقات على توزيع الغنائم الوطنية

هفال زاخويي

2014 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بعد حسم موضوع هيئة رئاسة مجلس النواب اثر توافقات وصفقات سياسية بدأت الأمور تسير في مجريات أخرى وبشكل أقل احتقاناً وأكثر هدوءاً في التصريحات النارية الملتهبة بين الأخوة الأعداء من شركاء العملية السياسية في العراق (شركاء المصالح) ، فبعد احتدام الحرب الإعلامية بين بغداد واربيل وتحديداً بين دولة القانون والحزب الديمقراطي الكردستاني منذ سقوط الموصل بأيدي (تنظيم داعش)، بدأت هذه التصريحات الساخنة تتراجع وتخفت من قبل طرفي الخلاف (دولة القانون والحزب الديمقراطي الكردستاني وبشكل أضيق "المالكي وبارزاني") ، فبعد كيل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين وتلويح كل طرف باتخاذ جملة اجراءات تسببت في احتقان الشارع بشكل مخيف بخاصة ان الخطاب القومي (العربي والكردي) صار يتصدر المشهد ، ولعب قادة الطرفين بشكل مثير أدى الى اثارة العواطف لدى (الجماهير التي غالباً لا تعي ولا تدرك ما تفعل وتكون هي الضحية) ، ولعبت أجهزة الاعلام دوراً غير مسؤول ،بل ومبتذل وبذيء أدى الى اثارة النزعات والنعرات القومية والطائفية لدى مكونات البلد الواحد الى حد وصل معه الكثير من السذج وغير الواعين الى الانجرار وراء الأبواق الاعلامية لأطراف النزاع فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بسخف هؤلاء بسبب السب والشتم والقذف والطعن المتبادل ، ومع الأسف فقد كان بعض من يدعون المهنية في الاعلام والصحافة قد تورطوا في صفحاتهم في هذه الدوامة ، اضافة الى ان الكثير ممن كانوا يصفون انفسهم بـ(محللون ومتابعون ومدراء مراكز ابحاث واساتذة جامعات) قد نزعوا الأقنعة عن وجوههم وانكشف زيف (موضوعيتهم المدعاة) ، وقد كشفوا عن أنفسهم وعن مموليهم وعن تبعيتهم السياسية بشكل انسيابي من خلال مساهمتهم في تصعيد الشحن والاحتقان الطائفي والعرقي ، ولهذا فان كاتب هذه السطور نأى بنفسه هذه الفترة وآثرعدم الظهور على الفضائيات كون الموضوع في العراق قد خرج من التحليل الموضوعي وتقوقع في الجانب التبويقي المبتذل للمتصارعين من القادة والأحزاب واتباعهم.
لا شك في ان التهدئة الحاصلة بين هذه الأطراف - المتناحرة حيناً والمتحالفة حيناً اخر- جاءت بعد ضغوط (طهران وانقرة ) اقليمياً ، و(واشنطن) دوليا. فدور واشنطن معروف في هذا الصدد وهي لا تريد ان تتكرر التجربة السورية في العراق ، تلك التجربة التي فشلت اميريكا في احتوائها نظراً لتقاطع وتضارب المصالح الدولية والاقليمية ومن ثم تماسك روسيا والصين وايران بوجه اميريكا والغرب ، اما اقليميا فطهران وانقرة تدركان جيداً ان تقاسم النفوذ في العراق بينهما بدأ يدخل مرحلة الخطر وهما دولتان عريقتان في التعامل مع الملف العراقي وفي مجمل المنعطفات التاريخية ، ولا يمكن طبعاً ان يسود الهدوء التام او حتى النسبي في العراق بمعزل عن القرارين التركي والايراني ، والتاريخ القريب شاهد على ما نقول، فالحركة الكردية المسلحة التي بدأت بشكل منظم في ايلول 1961 وانتهت مؤقتاً في آذار 1975 لم تكن ابداً بمعزل عن التأثيرات التركية والايرانية ، كما ان ردود افعال ايران تجاه اتفاقية اذار 1970 للحكم الذاتي ورفضها لاتفاق الراحل مصطفى بارزاني مع صدام حسين وتوقيع الاتفاقية تُرجمت حرفياً عندما تخلت طهران عن دعم الحركة الكردية ومدت يدها لبغداد لتنهي بذلك رحلة 14 سنة من الثورة الكردية المسلحة ، اما في عام 1984دخل جلال طالباني في مفاوضات مع الحكومة العراقية لإقرار قانون الحكم الذاتي غير ان ضغوط الحكومة التركية حالت دون تطبيق الاتفاق ووصل الأمر بتركيا إلى تهديد الحكومة العراقية بقطع أنبوب النفط العراقي الذي يمر بأراضيها ويصدر عبر ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط إذا وافق العراق على مطالب الأكراد خوفا من إثارة الحقوق المكبوتة للأكراد القاطنين في تركيا وبعدها استؤنف القتال مرة أخرى بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات صدام .
هذه المحطات تتكرر دوماً في تاريخ العراق ودوماً تلعب القوى الاقليمية دوراً فعالاً في ايجاد تحالفات حيناً وصراعات حيناً آخر بين الأطراف العراقية بخاصة تلك التي كانت تعارض نظام صدام حسين الديكتاتوري ، فما زلنا نتذكر كيف كانت الاحزاب الكردية متحالفة مع احزاب المعارضة الشيعية (الدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى ) ضد نظام بغداد القمعي في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، في وقت كانت هذه الأحزاب جميعها (كردية وشيعية) تتميز بعلاقات جيدة مع طهران ودمشق ، علماً انه في التوقيتات نفسها كانت هناك خلافات عميقة بين الاحزاب الكردية نفسها، وعلى الصعيد الشيعي كانت هناك خلافات بين الدعوة وبين المجلس الأعلى ، لذا فان اللاعب الإقليمي ذكي ومتمرس في التعامل مع الملف العراقي الى حد ان التبعية السياسية الى الآن ظاهرة وبقوة في الخطاب السياسي العراقي بمجمل مكوناته وتفرعاته واحزابه ، فقد اثبتت المرحلة الحالية ان الخطاب السياسي الكردي متأثر الى حد ما بمواقف انقرة ، وان الخطاب السياسي الشيعي متأثر الى حد ما بمواقف طهران ، اضافة ان الخطاب السياسي العربي السني متأثر الى حد ما بالعربية السعودية وقطر والاردن وتركيا ايضاً.. مع غياب دور دمشق خلال الاربع سنوات الاخيرة بسبب المأزق السوري... لذا ستكون الجماهير(مع عدم ميلي لاستخدام مصطلح الجماهير) مغفلة جداً عندما تصدق بهذه النمطية المعروفة الخطاب السياسي العراقي بشتى تفرعاته ، وتؤمن انذاك بالتطرف الطائفي والعرقي المدمر ، وتقوم بتنفيذ حالات الانتقام مستندة على الخطاب السياسي والاعلامي للقوى المتماهية معها والتي تظن انها تمثلها ببراءة وباخلاص .
طهران وانقرة تدركان تماماً ان الانهيار والتصدع والحرب الداخلية في العراق لا تصب في صالح الأمن القومي للبلدين ، فهاتان الدولتان ليستا مثل العراق فهما تدركان تماماً معنى الأمن القومي وتدركان مصالحهما الاقتصادية وتعملان لحفظ امنهما على عكس قادة العراق الذين يفعلون كل شيء لمصالحهم الشخصية والحزبية ، لذا فالتهدئة في العراق أمر مطلوب وملح دولياً كون ان واشنطن وعواصم غربية أخرى تدرك خطورة الوضع على امنها القومي ومصالحها ، كما هو ملح اقليمياً كون ان انقرة وطهران تدركان ان توسيع رقعة الحرب بالنيابة في المنطقة لا بد ان نيرانها ستدخل ايران وتركيا نظراً لأن قضايا الإقتصاد والجيوبوليتيك ، وقضايا الاثنيات والمذاهب والمعتقدات الأخرى في هاتان الدولتان تشبه تماماً مثيلاتها من القضايا في العراق وسوريا والى حد ما لبنان، ومن هذا المنطلق جاء النصح التركي للجانب الكردي للتهدئة وتخفيف حدة الخطابين السياسي والاعلامي طبعاً بمحاذاة نصح ايراني ايضاً ، كما جاء الضغط الايراني على التحالف الوطني وبخاصة دولة القانون لاعادة النظر في موضوع مرشح رئاسة الحكومة ويبدو ان هناك مرونة ملحوظة لدى الجانبين (الحزب الديمقراطي الكردستاني ومكونات دولة القانون)، فدول الجوار العراقي الآن حريصة على التهدئة، وتبقى المناطق العربية السنية في هذه الفترة مترنحة بين رغبات امراء وشيوخ القبائل المتصارعين بينهم على النفوذ والزعامة والمنقسمين على بعضهم ، وبين هجمة داعش ونفوذها وممارساتها ، فابناء المناطق العربية السنية هم بين فكي كماشة ، داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى من جهة ، وميول ورغبات زعمائهم القبليين من جهة أخرى ، لذا سيكون من الحكمة ان يسير ابناء المناطق العربية السنية باتجاه ممثليهم المدنيين في مجلس النواب والمساهمة في الحد من نفوذ وسطوة وخطر داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى التي حولت مناطق الأنبار ونينوى وصلاح الدين الى جحيم لايطاق .
خلاصة الكلام تكمن في ان الفرقاء السياسيين والأخوة الأعداء من القيادات العراقية بشتى تلاوينها قد وصلوا الى توافق حول الرئاست الثلاث يبدو مهماً لتقاسم الغنائم الوطنية (السلطة والثروة) ، وسيكون من الأهمية بمكان ان يدرك الجمهور العراقي بشتى تلاوينه ان الصراع الحالي والسابق والآتي ليس صراعه، بل هو صراع النسب المالية لكل طرف وصراع الحقائب السيادية والوزارية والادارية وصراع النفوذ السياسي ...أي ان الصراع ليس صراع الشعب ، لذا سيكون معتوهاً ومفغلاً كل من يوجه البندقية لصدر اخيه المختلف عنه في القومية او الدين او المذهب.
استدراك: لا ضير في هكذا توافقات ان كانت جالبة للتهدئة والسلم المدني.
*رئيس تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية العراقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم