الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرر الفكري للإنسان العربي والأمازيغي

أيوب أمغار

2014 / 7 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مقدمة
من الصعوبة حقاًّ الحديث عن التمثلات التي تتضارب في ذهن المواطن العربي والأمازيغي تجاه القضايا الفاصلة في وضع مجتمعٍ ما في كفة التقليد أو التحديث. ولا شك أن التطورات التي شهدتها مجتمعات المشرق والمغرب في الميادين العلمية والأكاديمية، ومازالت تشهدها في الجوانب الاجتماعية والسياسية؛ قد عقدت مسألة رصد تلك التمثلات الفردية. إن كل هذه التحولات كان لها عميق الأثر في المسار المعيشي للأفراد، ومما لاشكّ فيه أن ضعف المسألة الفكرية وما يحيط بها من أمور زاد من تعميق أزمة العقل العربي الأمازيغي بصفة عامة؛ كما أدى إلى اضطرابات نفسية تباينت مظاهرها في ذات الفرد نفسه بصفة خاصة. هنا نتساءل: ما علاقة تطور العلوم الاجتماعية بظهور الإنسان الليبرالي في الوطن العربي؟ وإلى أي حدٍّ شكلت الانتفاضات الشعبية أرضية مناسبة لرفع مستوى التحرر الذي كان قد أرسى قواعده من الناحية الفكرية؟
تطور العلوم الاجتماعية وبروز الفكر الليبرالي
من الضروري في البداية أن نشير إلى أن مصطلح الليبرالية يدلّ على المذهب الذي ينادي بالحرية الكاملة في ميادين الحياة المختلفة، والتي لا تقيدها لا أحكام الدين ولا أحكام الثقافة والعرف. والليبرالية كغيرها من المذاهب السياسية والاجتماعية والفكرية؛ تعدّ نمطاً فكرياً وأيديولوجياً عاماً، بل ومنظومة متشابكة من المعتقدات والقيم والمعايير الاجتماعية والتربوية، تشكلت عبر قرون عدة، منذ القرن السابع عشر على يد مفكري عصر الأنوار. أما الحديث عن الليبرالية في المجتمعات الأمازيغية والعربية، فهو حديث قديم وفي نفس الوقت جديد، ويرجع إلى الصلات التي ربطتها مصر مثلاً بأوروبا في عهد "محمد علي"، إذ اعتمد في تجربته الرائدة في بناء دولة مصرية حديثة على عدد من الخبراء الأجانب من الإيطاليين والفرنسيين، كما اعتمد سياسة إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، فكانت هذه البعثات من العوامل الهامة في الانفتاح على الغرب وثقافته. وهنا بالذات حصل الفارق مع عودة البعثات الطلابية إلى مصر، حيث عملوا في ميادين التعليم والتربية والتكوين والجيش والترجمة، وكان دورهم واضحاً في تشكيل البيئة المناسبة لغرس أفكار التحديث والعصرنة الأوروبية في عقول الناشئة، وهي السيرورة الممهدة لبروز الفكر الليبرالي ووصوله إلى الفرد العادي. وينطبق هذا على مجمل دول المشرق والمغرب.
ومع مرور الوقت بدأت الجامعات ليس في مصر فقط، بل في عموم ربوع الأوطان الناطقة بالعربية والأمازيغية، تفرز أفرداً بعقليات جديدة بل وغريبة عن محيطها الاجتماعي والثقافي والديني في نظر العامة، ويتعلق الأمر بالخصوص بهؤلاء المنتسبين لشعب العلوم الإنسانية والاجتماعية، والذين استفادوا كثيراً من الحركة الواسعة للترجمة لترسيخ دعائم تكوينهم الأكاديمي. فترجمت كتب لـــ "جوستاف لوبون" و "جون جاك روسو" ومؤلفات أخرى تدخل غالبيتها في دائرة العلوم الاجتماعية. وقد تواصلت حركة الترجمة لتشكل نافذة يطل منها العالم النامي على الغرب وثقافته وتياراته الفكرية على تنوعها، واتخذت مكانة هامة في نظر دعاة الليبرالية كمرحلة لابد منها لخلق بيئة ثقافية وفكرية مناسبة تمهد لولوج مرحلة التأليف تالياً. وعلى نفس المنوال استمر الوضع، فتطورت العلوم الاجتماعية وتطور معها الزخم الليبرالي في الوطن العربي.
الانتفاضات الشعبية ورفع مستوى التحرر
إن رياح تونس التي مازالت تروح وتجول بأشكال متنوعة في البلدان العربية والأمازيغية، لم يكن غليانها مقتصراً على الشارع والاحتجاج وكل ما هو عفوي حركي فقط؛ إنما كانت هناك حركة فكرية مواكبة وموازية لهذا الحراك. وتتمثل أساساً في ذاك الوعي الذي ترسخ في عقلية المواطن الثائر في وجه حاكمه بوجود قدر معين من الحرية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي هذا الوعي بشكل آلي إلى ما يمكن أن نطلق عليه بـالرغبة في محاكاة البلدان الديمقراطية، وهنا نستحضر الخصوصية "العربمازيغية" تجاه مفهوم الديمقراطية نفسه وصعوبة تحقيق مبادئ هذا المفهوم على أرض الواقع ككيان وكمؤسسات وكبنيات لها من القدرة ما يمكنها من ضبط المجتمع والتحكم فيه بشكل عقلاني ومعقلن، يتجاوز النظرة الصراعية المتطرفة، والمنظور الوظيفي القاصر. إن فرص تحقق المسار الديمقراطي يصطدم بمسار "بدوقراطي" مترسخ ومتجسد في سلوك المواطن العربمازيغي، بحكم الطبيعة القبلية التي تتحكم في وصفات القرار لديه؛ وكثيراً ما أشار علماء الاجتماع السياسيون المحليّون إلى هذه النقطة بالذات، تعبيراً عن رفضهم لأطروحات المستشرقين الأجانب، التي كثيراً ما تخطئ في حقِّ ديانات الشعوب التي تدرسها.
ولكي لا ننزاح عن إطار موضوعنا، كنا قد أكدنا بأن مسألة اليقضة العربية كمفهوم إسلامولوجي، كانت مرهونة بالرغبة في تأمل الذات لدى الإنسان العربي؛ ومن ثمة محاولة رصد مكامن خللها في مجال علاقتها مع مؤسسات الدولة أو بالأحرى النظام الحاكم كطرف في الصراع الثنائي. هذه الوقفة مع الذات لمحاسبتها تدفع الفرد إلى تغييب كل البنيات الأخرى المكونة لمحيطه، وهنا لا نقصد الطرف الدولتي؛ إنما نقصد ذاك المقدس، الذي يفقد حمولته الرمزية الشمولية، ليصبح مجرد سلوك تعبيري احتجاجي؛ كثيرا ما نلمسه في الشعارات وبعض الطقوس التعبدية اليومية من قبيل عبارات التكبير في ساحات النظال والحروب. وانطلاقا من هذا التنقيص غير المقصود من قيمة المقدس، سواءً في استمرارية الحدث الاحتجاجي أو في مجرد التخطيط لــه، هنا بالذات تقف دافعية الفرد فوق كل شيء؛ إذ يترسخ لديه اعتقاد بضرورة تجسيد سيرورة تمثلاته الذهنية، والتي ترمي إلى هدف واحد وهو: الوصول إلى أكبر درجة من الإشباع العقلي بتحقيق المستحيل؛ مثلاً الاحتجاج في بلاد "آل سعود" كمكتسب لم يكن ممكناً حتى الماضي القريب. هذا الإشباع العقلي هو ما يمثل في نظرنا قمة التحرر، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الإكراهات الثقافية التي تتمظهر في العادات والمقدسات.
خاتمة
ومنتهى القول أن الفكر الليبرالي الذي جاء مع تطور العلوم الاجتماعية، وما ميّزهُ من امتداد جغرافي واجتماعي وسمته مقولة التحرر والديمقراطية؛ كان على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة مع تنامي الانحطاط والتخلف في المشرق والمغرب العربمازيغي، لولا الحراك الاجتماعي الذي شهدته البلدان العربية، ودوره في ضخِّ دماء جديدة في مسلسل التحرر الذي يقوده الإنسان هذه المرّة كذات، قبل أن يكون عضواً في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا