الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على الجميع أن ينتظر كلام غزة

خضر محجز

2014 / 7 / 26
القضية الفلسطينية


وماذا بعد؟
غزة صامته صمت الهول، لا تفكر إلا في حريتها، وما دامت حرتها لم تتحقق بعد، فهي تواصل الصمت، وعلى الجميع أن ينتظر كلامها.
في غزة، كثيرون يموتون، ولا أحد من أهلهم يسأل: ماذا بعد؟
في غزة، البيوت تتهدم ثم لا أحد يسأل: ماذا بعد؟
في غزة، لا أحد يسأل هذ السؤال، لأنهم لا يتنظرون هذا المابعد. إنهم لا ينتظرون سوى دحر العدوان.
عجيبةٌ غزة هذه، وغريبةٌ إلى حد الجنون!. مدينةٌ تقاتل أعتى جيش في المنطقة وحيدة، واثقة من الانتصار، كما لو كانت ذاهبةً إلى حرب صغيرة، مع حارة صغيرة. والغريب أنها، رغم كل هذا الموت، لا تزال مؤمنة بأن انتصارها مسألة وقت، يحتاج فقط إلى القليل من الصبر!
الباقون في غزة، من بعد القصف، مقتنعون بأنهم سينتصرون. هم فقط يخشون أن يموتوا قبل أن تحين اللحظة. لذا تراهم يكمنون بين الزواريب، وعيونهم تلمع شوقاً، كأنهم يخشون أن يهرب منهم نصرهم، كما هربت الشعوب العربية من مساندتهم.
النسوة، اللاتي أودعن أبناءهن في القبور قبل لحظات، يبتسمن ويشددن الأحزمة على سراويلهن الطويلة من تحت الجلباب، قبل أن يباركن باقي الأبناء، ويدفعنهم لمواصلة القتال..
الشيوخ، الذين نسيت الحروبُ السابقة أن تقتلهم، يشتمون الحظ الذي أبقاهم إلى الآن، ويطالبون بالبنادق، زاعمين بأنهم يستطيعون فعل شيء، ليتواصل القتال..
الشوارع الحجرية، الشوارع الترابية، الزواريب المنتنة، أعمدة الكهرباء المائلة، مصرات على مواصلة القتال.
البئر المردوم، الشجر المخلوع، الحجر المقلوع، السيارة المقصوفة، كل ذلك مصر على مواصلة القتال..
المجاري الطافحة، القمامة المنثورة، المستشفى المقصوفة، السوق الخاوية، كل ذلك يطفح بالإصرار على مواصلة القتال.
ليس لدينا في غزة اليوم من يقترح وقف القتال، سوى هؤلاء الأعداء، الذين يقفون منا مرأى العين وننتظرهم. هم وحدهم من يقترحون ذلك، لكن غزة لا تقبل بهذا الاقتراح.
ثمة هنا قتالٌ في كل مكان: في العيون، في الأنفاس، في صرخات الأطفال، في همهمة الليل، في تجمعات المهجرين، في عيون الفتيان والفتيات، في زواريب ما تبقى من الشوارع... في كل شيء هنا ترى الرغبة في القتال، رغم أنه اليوم السابع عشر للعدوان.
على أبواب المدينة المهدمة، يحدق العدو مذهولا، ثم لا يجرؤ على التقدم شبرا واحدا. المرات القليلة التي تقدم فيها جنوده أشباراً، تحركت فيها الحجارة من تحتهم، وخرج منها فتيان، أذابوهم كما يذوب الخل في الماء. ولأنهم عرفوا أن من دخل هنا لا يعود، فقد أطلق الجنود النار على أقدامهم، ليحملوهم إلى المستشفيات، فيحظون بعمر إضافي، بعيدا عن عين ملك الموت.
كلما اشتدت الحرب، سكرت غزة بنيرانها، وطالبت بالمزيد. كلما ازداد التدمير، ازداد غضب غزة أكثر، فأغلقت قنوات الحوار. الحوار الوحيد الذي تعرفه غزة اليوم هو القتال.
ورغم كل هذا الموت، فلا يزال في غزة، متسع للفرح: الأعلام ترفرف فوق الخرائب، أعلام جديدة زاهية، كأن غزة اليوم في عيد!.
الفتيان في غزة، يقترعون متسابقين إلى الحرب، كأنهم في لعبة تعودوها سابقا، ثم مُنعوا منها دهراً.. يخرجون ويبتسمون، يخرجون ويقاتلون، يخرجون والغريب أن أكثرهم يعودون، ليقبلوا أيادي أمهاتهم، مطالبين ببركات أكثر. والأمهات لا يبخلن بمنح البركات.
محمد حويلة كان واحدا من هؤلاء، فتى لا يتجاوز العشرين إلا قليلا، كان يأكل شرائح البطاطس ويضحك، حين وقعت عليه القرعة. ذهب محمد حويلة وترك شرائح البطاطس وراءه. كانت البطاطس في انتظاره. حين انتهى محمد حويلة من أداء المهمة، وراء خطوط العدو، وعاد. عند بوابة النفق، قبيل الدخول في طريق العودة، شعر محمد حويلة بالرغبة في قليل من الراحة، فاضطجع. وظلت رقائق البطاطس في الانتظار.
الفتى الذي لم أعرف اسمه، حدق بالأمس في الدبابة، عند محور التماس، قريبا من السلك، وقدر المسافة الفاصلة بين بطنها والأرض. حين قدر الفتى الذي لم أعرف اسمه، أن المسافة أضيق من اللازم، ضغط الحزام حول وسطه أكثر، ووزع المتبقي من المتفجرات حول صدره، ثم انسل بهدوء تحت الدبابة. حرفة تعلمها مبكرا، أيام التدريبات الشاقة.
في غزة، تدك الطائرات كل شيء، حتى تتصور أنه لم يعد هناك شيء. لكن الصواريخ تنطلق.
على حدود غزة، يقف أقوى الجيوش مذهولا، يغوص تحت قدميه من الخوف، ثم لا يحسن أن يتقدم شبرا واحدا. ورغم ذلك تنبت الأجساد من ورائه، مثل فطر تكاثر في ليلة رعد، فتطوقه وتقتله قبل أن تعود إلى غزة.
في الحسابات العادية، يمكن لك أن تتصور بأن سلاح غزة من الممكن له أن ينفد، اليوم أو غدا، على أكثر تقدير. لكن اليوم والغد يمضيان، والسلاح يزداد ظهوراً، كأن هناك مصانع شيطانية تنتجه تحت الأرض، فيما الصواريخ تواصل الانطلاق.
الحسابات في غزة، هي غير الحسابات في الكمبيوتر. والرجال في غزة، هم غير الرجال في مدن العروبة. الأسلحة هنا لا تكاد تصنع، حتى تعمل بكل طاقتها. لا جرم، فالمقاتلون في غزة، هم غير المقاتلين في الجيوش العربية التي صدأت أسلحتها.
الحسابات في غزة، لا يعرفها إلا من عاش في غزة، واستمع إلى كلامها.
العدو الآن يحاول أن يسمع كلام غزة، ولكن غزة الآن لا تتكلم، لسبب بسيط، هو أنها لا وقت لديها للكلام.
على الجميع أن ينتظر كلام غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط