الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد تحاصص المناصب هل يتحاصصون الجغرافية؟

مالوم ابو رغيف

2014 / 7 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يمكن افتراض كل الحالات التي يمكن ان يؤول العراق اليها الا حالة واحدة لا يتصورها الا المتفائل الغر الذي يتعدى تفائله حدود السذاجة الى البلاهة، هي حالة بقاء العراق موحدا ارضا وشعبا دون صراع ودون ارهاب ولا خراب.
واقع العراق المتحارب والمتقاتل هو الواقع الحقيقي دون رتوش التجميل ودون شعارات المناسبات البلهاء ولا اغاني الاناشيد الوطنية، انه النتاج النهائي لسياسات القمع الديني والقومي التي اتبعتها الحكومات العراقية السابقة منذ عهد الملكية المنصبة على حكم العراق بارادة اجنبية لافتعال وحدة شكلية مفروضة بقبضة السلطات الهمجية ومحروسة بغلاظة قوانينها التعسفية الى يومنا الحاضر.
مثلما كان هناك قومية سائدة هي القومية العربية، وقومية مقموعة هي القومية الكوردية، كذلك كان ايضا دين سائدا هو الدين السني، واخر مقموعا هو الدين الشيعي.
عندما نتحدث عن القمع الديني والقمع القومي لا نعني بذلك قمع مرجعيات الدين وممثلي القوميات ولا شخصياتهم البارزة، انما نعني بذلك حالة الاهمال العمد لاسباب قومية او طائفية التي يعيش فيها المنتسبون للقومية وللدين غير السائد(تان)، فالشخصيات الدينية او القومية قد تمنح مراكزا ومناصبا حكومية مرموقة ضمن سياسة التضليل والايهام بالمشاركة.
هنا لا بد لنا ان نشير الى حالة اخرى، هي حالة الاضطهاد المزدوج، حيث يكون المواطن كوردي القومية لكن شيعي الديانة، وهو الاضطهاد الذي تعرض له الكورد الفيليين حيث بلغ القمع والقسوة عليهم ذروتهما، فقد طردوا من العراق، وتم سجن وقتل اكثر من 10,000 شاب منهم وصودرت ونهبت ثرواتهم وممتلكاتهم وسحب منهم كل ما يشير لانتمائهم للعراق.
ولعل ابسط مظاهر الدين السائد هي تلك الحالة الشاذة التي يعرفها العراقيون جيدا، حالة تميز القبائل والعشائر التي تعتنق دين الدولة ( الجميلي في زمن الاخوين عارف والتكريتي في زمن البعث) اذ ان الالقاب اعطت امتيازا اجتماعيا مصحوبا بجو من الخشية والخوف والسيادة، وهو الامر الذي انتبهت اليه سلطة البعث قبل صدام فاصدرت قانونا يحرم استخدام ادراج الانتساب القبلي او العشائري.
ان حالة القمع خلقت حالة من التضامن الوجداني بين الشيعة وبين الكورد، وان اعرب الشعب الكوردي خلال ثوراته المسلحة عن رغبته في الانعتاق، فان الشيعة، انصاعوا وذعنوا وانساقوا الى نوع من التحديات السلبية، تلك التي تميزت بتعظيم المواكب الحسينية والاستمرار على مسيرات المشي الطويل في مواسم المقاتل والبكائيات، وهي الحالة التي استمرت لحد الان رغم انتفاء مسبباتها، ذلك لأن المذهب الاثنى عشري هو مذهب اتكالي غير ثوري، يوعد معتنقيه ويثقفهم بأمل كاذب يقول بظهور المهدي الذي سينتقم لهم وينصرهم على اعدائهم ويقيم دولتهم وما عليهم الا الانتظار السلبي فقط، ومع ان الخميني احدث ثورة للتخلص من سلبية المذهب الاثنى عشري، فقد قال ان الانتظار يجب ان يكون ايجابيا فاعلا وليس سلبيا خاملا وافتى بضرورة تأسيس الدولة الشيعية، الا ان مرجعية النجف استمرت على نهجها ولم تغيره فالانتظار هو من اساسيات المذهب الاثنى عشري، ان ذلك يعني ان جميع الاحزاب الشيعية العراقية التي تدعى وصلا بالمرجعية، تخالفها في حقيقتها التي تقول بعدم جواز تأسيس الدولة الدينية حتى ظهور المهدي.
الدين مثلما هو ايفون الشعوب هو ايضا زفرة الانسان المضطهد، ففي مراحل القمع والاضطهاد، وعندما تُمنع او تغيب الاحزاب السياسية، او حينما تتخلى عن ثوريتها او تتبع سياسة المهادنة وتجنب التصادم، فان المضطهد لا يجد ملجأ اخر يؤي اليه سوى ملجأ الدين، فيودع فيه شكاويه ولوعاته ولواعجه ويسأله الخلاص من محنته التي لا يعرف لها حلا.
ذلك، وفي فترات القمع والاضطهاد السياسي او الجزع المادي والنفسي، تتقوى سلطة رجال الدين ويزداد اقبال الجماهير عليهم وتتضاعف سلطتهم السياسية والدينية وسيطرتهم على الناس، كما حصل في العراق، وهذا الامر صحيحا بالنسبة للشيعة كما هو صحيحا بالنسبة للسنة.
عندما حصل التغيير في العراق، ساد الدين الشيعي واصبح هو دين الدولة الرسمي رغم ان الدستور لم يشر الى ذلك في اي فقرة من بنوده، وتم استبعاد الدين السني عن ان يكون مرجعية الدولة ومرشدها الموجه، فاحدث ذلك صدمة كبيرا على شعور السنة العراقيين، خاصة وقد انتشر بينهم التيار الوهابي بينهم خلال الحملة الايمانية التي قادها صدام حسين في التسعينات، وكما هو معروف فان الوهابية تعد الشيعة من المشركين ومن اهل البدعة المنحرفين الذين لا يجب الخضوع لهم مهما كانت الظروف.
في نفس الوقت اتبعت الحكومة العراقية خطا سياسيا غير حصيف فقد عززت وغذت كل المظاهر الطائفية الطقوسية، حتى بدى وكان كل العراق يلطم في ايام عاشوراء ويبكي وينوح يوم وفاة الزهراء، لقد زاد ذلك في التجافي والعزلة وصراعات التناحر.
كما ان الحكومة العراقية اهملت الشعب العراقي بسنته وشيعته واشاعت مظاهر الفساد المالي والاداري والمحسوبية والمنسوبية وانعدمت الخدمات وتراجع المستوى الثقافي والتعليمي لعامة الشعب الى الصفر، ان ذلك جعل الناس تعزو جميع حالات التدهور والفساد والخراب الى اسباب طائفية.
واذا كانت المرجعية الشيعية تستطيع كبح جماح غضب الشيعة على الحكومة، فانها لا تملك اي تأثير على السنة!
واذا استطاعت الحكومة ان تغرٍ الاحزاب السنية بالمناصب والرواتب الضخمة والامتيازات الهائلة فانها لم ولا تستطع ان توفر كل ذلك لكل العراقيين السنة كي تكسب رضاهم او تعرقل التحاقهم بالفصائل المسلحة. ان البطالة والفقر كانت ولا زالت من اهم روافد الارهاب، حتى بلغ سعر قتل انسان في بعض الحالات لا يتعدى حدود 30 دولار فقط.
وعلى عكس المرجعية الشيعية كانت المرجعيات السنية، وهي خليط من رجال الدين وشيوخ العشائر وكوادر حزب البعث، كانت تسكب الزيت على النار ليشتد ويقوى الغضب الشعبي باصدار فتاوى تحرض على القتال وتدعوا الى اسقاط العملية السياسية برمتها، لان استمرارها يعني بقاء سيطرة الشيعة على السلطة بحكم اغلبيتهم العددية.
القيادة الكوردية، رغم المكاسب الكبيرة التي حصلت عليها، الا ان عدم حل مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها وتنصل الحكومة من تطبيق مادة 140 الدستورية، احدث فجوة بينهم وبين الشيعة ادت بهم الى اتباع تكتيك سياسي ادى الى نشوء تآلف غير رسمي بينهم وبين السنة لا يختلف في فحواه عن ذلك القائم بينهم وبين الشيعة ايام النضال ضد صدام حسين للحد من تسلط المركز.
لكن هذا التحالف بين الاحزاب والمرجعيات السنية والقيادة الكوردية هو تحالف تكتيكي مؤقت بحكم اختلاف الايدلوجية الدينية عن الايدلوجية القومية.
القيادة الكوردية قد اعلنت مرارا وتكرارا عن رغبتها في تأسيس دولتها الكوردستانية المستقلة، بينما يسعى السنة العرب الى تشكيل اقليمهم الخاص بهم، يزيل عنهم شعور التبعية لحكومة شيعية، وهو شعور بالغبن والاحباط والدونية لا يمكن ان يزول الا بالتخلي عن اي شكل من اشكال الحكم الديني.
لكن تداخل الاراض الكوردستانية مع الاراض التي تعود تبعيتها الى السنة العرب، ومشتركات الاستيطان في بعض النواحي والمدن سيؤدي اجلا ام عاجلا الى تصادم تناحري، خاصة وان السنة العرب لا يخلون من العناصر الصدامية والاصولية المتطرفة او تلك التي لا تكن ودا للشعب الكوردي.
ثلاث تيارات تختلف فيما بينها وتتاقطع اهدافها ومصالحها وتحظى بتعاطف واسع في مناطقها..
الشيعة عبر عنهم المالكي بقوله : ما ننطيها
السنة: لا لحكم الشيعة ورفض التبعية كما يحب لهم ان يسمونها
الكورد: يسعون الى تأسيس دولتهم القومية المستقلة.
ان التحالفات بين اي طرفين من هذه الاطراف الثلاثة ياتي دائما لاضعاف الطرف الثالث، اذ لا تجود مشاريع مشتركة ولا احساس وطني عراقي موحد، بل شعور انفصالي يزداد عمقا يوما بعد اخر. هذه الاطراف الثلاثة قد تحاصصت العملية السياسية وتحاصصت الجغرافية ايضا ولم يبقى الا كيسا فارغا من كل كنوزه اسمه العراق. هناك مثلا عراقيا يقول.. شنو الذة من هل فگر( اي لذة لنا في هذا البؤس)
ذلك يعني وللاسف، ان بقاء العراق ضمن هذه الشراكة المفتعلة هو بقاء ضار لجميع مكوناته، وهدر غير مبرر لثرواته وعاملا مدمرا في موت ابناءه وبناته.
نقول ان البلدان المتنوعة الانتماءات الدينية والعرقية ما كان لها ان تستمر وتقضي على تناقضاتها وتبقى متوحدة الا عبر العمل على خلق ثقافة وطنية جامعة تفرض التوحد وتقضي على الاغتراب الديني او القومي او الاجتماعي من خلال صناعة المشتركات الانسانية، بينما من خصاص الدين الاساسية هي وضع فواصل الحدود بين المؤمنين وبين غير المؤمنين، بين المشركين وبين الموحدين، بين الذكر وبين الانثى، بين الراعي وبين الرعية، بين الفقير وبين الغني، بين الحلال وبين الحرام... ان من يريد عراقا موحدا عليه ان يرفض الحكم بسم الله، ويدعو للحكم باسم الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ مالوم أبو رغيف المحترم
ليندا كبرييل ( 2014 / 7 / 28 - 16:16 )
للأسف أستاذنا، العالم يتجه نحو التكتل فتكبر حجم عضلته الاقتصادية والاجتماعية، في حين أننا في بلادنا نتجه نحو المزيد من الذوبان

الحال ليس في العراق فحسب، انظر إلى سوريا، لبنان، وكل بلد عربي آخر فيه انتماءات عرقية ترى العراك لا يتوقف
وسنصل إلى أن يكون لكل طائفة حارة. والحارة هي الوطن

الفقرة الأخيرة أتمنى تحقيقها، لكن ليس هذا وجه بلادنا العربية ، وإذا كان بعد كل سقوط قفزة فأنا أرجو أن تكون القفزة لأحفادنا موفقة تعمل برؤيتك الصائبة

أتمنى أن أقرأ رأيك بأحداث غزة . شكراً أستاذي
وكل عام وأنت والعائلة الكريمة، والعراق الجميل بخير وسلام


2 - الزميلة ليندا كبرييل: الاسلام لا يوحد الاوطان
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 7 / 29 - 20:33 )
الزميلة العزيزة ليندا كبرييل
تحياتي لك واحترامي
الدين الاسلامي قد انتشر بحد السيف واستقر باستخدام القمع والارهاب منذ انتقال النبي محمد الى المدينة ليومنا هذا، كذلك هي المذاهب الاسلامية، واالى يومنا ان واتتها الفرصة وتربعت على عرش السلطة سوف تتبنى القمع كاسلوب رئيس في الحكم، اذا ان الدين الاسلامي لا يمكن له ان يقنع انسانا حرا.ـ
اعتقد لم يفتك ملاحظة ان الشعوب العربية اخذت تعرف نفسها وفق انتمائتها الدينية المذهبية، وهي مذاهب متصارعة متخاصمة كلها يدعوا الى هجران العقل والسير على خطى السلف، ان ذلك يعني ان بقاء هذه الشعوب التي لازالت تعيش في غابر التاريخ في وحدة الوطن، سيحول الوطن نفسه الى مسلخ، ولك انت ترى احداث العراق.
في العراق الآن لا يتم الصراع بين المذاهب ، بل حتى داخل المذهب نفسه، ذلك لان المذاهب الاسلامية ليس لها عمق فكري، فيجد اتباعها في السياسة ما يسد سطحية الدين، لكن السياسة من طبعها الصراع، وهم قد اعتادوا الطفو على السطح وتجنب الاعماق، سةف لن يكون لهذا الصراع تطورا ايجابي ، سيبقى سطحيا بليدا لا يقود الى اي تطور فكري او عقلي او علمي
اكرر التحية لشخصك النبيل

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة