الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلب انطوان حنا

طوني سماحة

2014 / 7 / 27
الارهاب, الحرب والسلام


وقعت الصورة تحت نظري صدفة و انا أقرأ الاخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رجل مصلوب يبدوعليه أنه فقد الحياة. وجهه مطلي بالدم و مائل على كتفه. ليس من السهل تحديد عمره بسبب الدم على وجهه و انحناء رأسه إنما قد يكون في نهاية العشرينات و بداية الثلاثينات من عمره. عرّفت عنه مواقع عدة بأنه "أنطوان حنا" أحد مواطني الشمال السوري و بالتحديد ريف حلب. و بحسب هذه المواقع تم صلب انطوان من قبل إسلاميين لأنه رفض تغيير دينه. طبعا هناك كالعادة من شكك في القصة و الصورة و هناك من أثبت صحتها.
لن أدخل في جدال تقليدي لإثبات الصورة أو عدمها. ليس مهما إن كان أنطوان حنا صاحب الصورة أم لا. لن أناقش بربرية الصالبين و لن أطالب حتى جمعيات حقوق الانسان و الدول الكبرى التي يبدو لا يعنيها أو يهمها من الشرق الاوسط سوى بتروله. لن أدخل في جدال تقليدي حول حرية العقيدة و احترام حياة الانسان. لا يهمني ان كان صاحب الصورة مسلما، مسيحيا، ملحدا أم يهوديا، بل كل ما يهمني أن ثمة رجلا معلقا على الصليب في منظر يشمئز منه أي إنسان لديه مقدار حبة خردل من الشعور فيما يقف حوله مجموعة من الرجال و الاطفال يتأملون المشهد و كأنه أمر طبيعي. و بين الأطفال الخمسة او الستة الذين تجمهروا حول الصليب لفت نظري صبيا ربما لم يتجاوز العشرة أعوام و هو يضحك و كأنه يشاهد عرضا للأطفال.
ترى ماذا يصنع هذا الطفل في هذا الجحيم؟ لماذا تراه يبتسم في مكان تطرق له قلوب الرجال العتاة؟ لماذا زالت عن وجهه الرهبة التي يفرضها الموت على المشاهد؟ أين أبوه و أمه منه؟ كيف سمحا له بالتوجه الى مكان مثل هذا؟ ما هو تأثير هذا المشهد على حياة هذا الصبي حاضرا و مستقبلا؟ ما الذي تعلمه من حضوره في هذا المكان؟ ما هي القيم التي حصل عليها هذا الطفل من خلال هذه الممارسة التي أقل ما يقال فيها أنها شاذة و حيوانية (و الحيوانات بريئة من هكذا عمل) ؟ هل نحن نرى في وجه هذا الطفل الذي يفترض أن يكون بريئا صورة مصغرة لابن لادن مستقبلي؟
قارات العالم الستة تشدد على ان مكان الطفل الطبيعي هو المدرسة و ان مستقبله يبنى على صفحات الكتب و ان ابداعه يبدأ بتعلمه اساليب الحوار و النقاش و النقد و المقارنة و التمييز و اتخاذ القرار الصائب... إلا في بلدي. ففي بلدي مكان الطفل الطبيعي هو ساحة المعركة و مستقبله يبنى على اصوات الدماء و بين اصوات المتفجرات و ابداعه يبدأ في تعلمه كيفية قتل الآخر و التفنن في طرق تعذيبه.
معظم سكان الارض يبدأون نهارهم مع أولادهم بإفطار صحي يليه أوتوبيس ينقلهم الى مقاعد الدراسة حيث يمضون ما لا يقل عن ست ساعات يوميا في مناقشات و مذاكرات و مشاهدة برامج و ثائقية و فكرية... إلا في بلدي. ففي بلدي يتتلمذ الطفل على أيدي أبي الجماجم و أبي الموت حيث النقاش و الحوار ينحصر في تكفير الآخر و رفضه و قطع رأسه أو صلبه.
في الكثير من بلاد العالم يتعلم الطفل احترام حق الآخر في الحياة أكان هذا الآخر رجلا أم امرأة، أسمر اللون أم أبيض، مؤمنا أم ملحدا، غنيا أم فقيرا... إلا في بلدي. ففي بلدي يتعلم الطفل أنه أفضل من الآخر أولا لأنه صبي، و ثانيا لأنه ينتمي لدين أفضل من سائر الأديان، و ثالثا لأنه ينتمي الى عرق أسمى من سائر العروق حتى يصل به الغرور و الجهل الى انفصام في شخصيته حتى يظن نفسه ظل الله على الأرض و مطبقا لشريعته.
معظم أطفال العالم يبدأون يومهم على مقاعد الدراسة و يتدرجون ليتخرجوا من مدارسهم أساتذة و أطباء وعمالا وتجارا... إلا في بلدي. ففي بلدي يبدأ الطفل يومه على أصوات التحريض الديني و الإثني و العرقي ليتخرج متعصبا يحمل في قلبه نارا من الحقد و رغبة في القتل و الانتقام.
يؤسفني يا أطفال بلادي أن تكونوا ضحية الاجرام و الحقد و اللامبالاة و الاهمال، لكنني أخشى في الوقت نفسه أن تكبروا جلادين و صالبين و قاطعي رؤوس و أميين.
طبعا أنا لا أكتب عن كل الاطفال في بلادي، إنما عن أولئك الذين لسبب أجهله تجمهروا ليشاهدوا صلب إنسان و هم ضاحكون. أما لأنطوان حنا ماذا تراني أقول؟ أحيانا يكون الصمت عبارة عن تواطئ في الجريمة، لكنه يكون أحيانا بليغا حتى تعجز الكلمات عن التعبير عنه. ذاك هو صمتهم و هذا هو صمتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم
مروان سعيد ( 2014 / 7 / 27 - 09:29 )
تحية اخي طوني سماحة وتحيتي للجميع
قال الرب بمتى 5
3 طوبى للمساكين بالروح.لان لهم ملكوت السموات. 4 طوبى للحزانى.لانهم يتعزون. 5 طوبى للودعاء.لانهم يرثون الارض. 6 طوبى للجياع والعطاش الى البر.لانهم يشبعون. 7 طوبى للرحماء.لانهم يرحمون. 8 طوبى للانقياء القلب.لانهم يعاينون الله. 9 طوبى لصانعي السلام.لانهم ابناء الله يدعون. 10 طوبى للمطرودين من اجل البر.لان لهم ملكوت السموات. 11 طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. 12 افرحوا وتهللوا.لان اجركم عظيم في السموات.فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم
طوبى لاانطوان حنا وغيره لاانه بحضن الاب وتصور اخي كل هذا القتل والتهجير والمعانات لم يتحول واحد من المسيحيين الى مسلم مع انه بكلمة واحدة ينقذ نفسه
وهذا اثبات بان المسيحية هي من الله والمسيحيين ابناء له وان الاسلام من ابليس عدوا الله والاانسان والمسلمين ابناء له
واتمنى ان يفهم هذا المسلمين ويتبعوا الاه الحقيقي الاه السلام والمحبة
ومودتي لك وللجميع


2 - أما عندنا فالطفل اللبناني عباس نازل ضربا بالسوري
ليندا كبرييل ( 2014 / 7 / 27 - 15:42 )
تحياتي أستاذ طوني سماحة المحترم

لا تعليق على المشهد الذي رأيته، يقطّع القلب
أستاذ طوني،معايشة الطفل العربي لهذه المشاهد يومية، ومن بيته، صدقني من بيته
صديقتي حكت لي عن أبيها الظالم، أنه كان يعلق ابنه الطفل من يديه بالشباك، ( الله يعلّقو بمنكر ونكير)، وينزل ضربا به بالعصاية، ( الله يضربو) ويرفسه بقدمه( يرفسه عزرايين إلهي)

إن العين التي ترى هذه المشاهد في طفولتها ستضحك أمام صلب ( واحد ) كافر ما سمع الكلمة فاستحق ( فركة الأذن)

تحية وسلاماً


3 - انه تبلد الأحساس
فؤاده العراقيه ( 2014 / 7 / 27 - 19:25 )

طالما تستوقفني مناظر مثل هذه بل وتشمئز منها نفسي إلى حد الخجل من ذاتي وهي بين هؤلاء الذين تبلدت احاسيسهم ولم تعد تشعر بفرق بين الظلم وانعدامه وبين الموت والحياة,كأن يبتسم شخص أمام آخر ميت هي قمة ما يصل اليه الإنسان من بشاعة فتنعدم حرمة الموت ورهبتهلمن تتبلد احاسيسه ,فيتعامل البعض ببلادة الحس والشعور أمام قتل وايلام انسان وحتى الحيوان بذنب او بدونه
فعلا تعجر الكلمات عن وصف بشاعة ما يحدث
تحياتي لك عزيزي طوني سماحة وللأخ مروان وللأخت ليندا المحترمين


4 - سيدي العزيز مروان سعيد
طوني سماحة ( 2014 / 7 / 27 - 20:04 )
شكرا لمشاركتك اللطيفة و تحية طيبة
أنا مسيحي ملتزم، و بغض النظر عن صحة ايماني او خطأه ، أريد أن أنظرالى الآخر و أن ينظر اليّ الآخر على أنني إنسان قبل أي شيء. و عندما يتحول الايمان في يدي سيفا أقطع به رأس الآخر أو صليبا أصلب عليه الآخر، أكون قبل كل شيء قد فقدت إنسانيتي. ليس المطلوب أن يتحول التكفيري و الداعشي الى مسيحي، إنما المطلوب أن نعمم ثقافة قبول الآخر و احترام الآخر في شرق و للأسف يفتقد لآداب الحوار و قبول الاختلاف الفكري و العقائدي و الثقافي، و لا عجب ان كنا نرى رؤوسا تتدحرج و أيد و أرجل تعلق على الصليب لا لسبب إلا لأن هذه الرؤوس تحمل فكرا مختلفا أو تنتمي لدين او ثقافة مختلفة
تحياتي للجميع


5 - سيدتي العزيزة ليندا كبرييل
طوني سماحة ( 2014 / 7 / 27 - 20:36 )
تعنيف الطفولة آفة تعاني منها المجتمعات كافة دون استثناء، لكن هذا العنف و في معظم المجتمعات ينظر اليه على انه رذيلة، حتى ان المجتمعات المتقدمة تجرمه. أما الغريب أن هذا النوع من العنف أصبح مألوفا لأطفالنا الذين يرونه في الساحات و على شاشات التلفزة و يختبرونه في البيت و في الشارع و في المدرسة. لو استمرينا في تشجيع ثقافة العنف، فلا بد أننا سوف نحصد ما زرعناه من خلال أطفال يتجرعونه اليوم كالمخدر و سوف يدمنون عليه عندما يبلغون و لا شك عندها ان النتيجة سوف تكون مجتمعات مدمنة العنف

شكرا لإثرائك هذا الحوار و سلام


6 - سيتي العزيزة فؤادة العراقية
طوني سماحة ( 2014 / 7 / 27 - 20:52 )
أشكر مشاركتك اللطيفة و أوافقك الرأي أن أحاسيسنا تبلدت و العنف المتواصل منذ عقود في اوطاننا ليس الا خير دليل على ذلك كما اشاطرك الشعور بالخجل احيانا من ذاتي لأنني إنسان و لان يد الانسان مهما كان لونها او دينها او ثقافتها هي التي ترتكب هذه الجرائم بدم بارد. لكن كلماتنا على قلتها تبقى شهادة صارخة على أفعالهم حتى لو لم تكن سوى صوت صارخ في البرية
سلامي و تحيتي لك

اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن