الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستقبل مضارعا

السيد نصر الدين السيد

2014 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


"الحاضر ليس هدفنا ... بل الماضي والحاضر هما وسيلتنا... أما هدفنا فهو المستقبل ..."
باسكال، التأملات

"لا توجد تنمية حقيقية دون رؤية كلية"
السيد نصر الدين السيد

ممارسات حياتية وتداعيات سياسية
عندما تزداد وطأة الحياة يحتاج الانسان الي فترة يروح فيها عن نفسه وينقلها من حال بائسة الى حال واعدة. وفي اغلب الاحيان يفضل الانسان المتعب، الذي أرهقته تحديات الحياة، الذهاب الي مكان جديد يستعيد فيه قواه المستنفدة. وإذا كان الترويح عن النفوس المنهكة يقتضي رحلة في المكان من موقع الى موقع آخر فان قيادة الأمم "المنهكة" تتطلب هي الأخرى رحلة مماثلة. ولكنها رحلة في الزمان تأخذ الامة من وضع حالي، بالقطع غير مواتي، الى وضع جديد تنصلح فيه أحوالها. والوضع الجديد هو بالضرورة وضع تخيلي يُرجى بلوغه في المستقبل، ومكانه هو مخيلة اصحابه سواء كانوا كائنات سياسية، من قبيل الزعماء أو القادة، أو كيانات سياسية، كالأحزاب أو منظمات المجتمع المدني. وبالطبع لا تقتصر صياغة تصور الوضع المأمول على أهل السياسة فمجالها متاح للجميع من الحالمين من أهل الفنون والآداب وغيرهم. الا ان ما يجب ان يميز صياغة اهل السياسة للوضع الجديد عن صياغة الآخرين ينحصر في امران. الامر الأول هو ضرورة ارتكاز صياغة اهل السياسة على نتائج علوم المستقبليات التي تبحث عن عما ستؤول عليه احوال الواقعين الطبيعي والاجتماعي في المستقبل قريبا كان او بعيدا. أما الامر الثاني فهو وجود تصور واضح لكيفية الوصول الى الوضع المأمول. فقط عندما يتوفر هذين الشرطين في وصف الوضع المأمول يمكن ان نطلق عليه اسم "رؤية" Vision. وقد علمنا كل من الحاضر والتاريخ ان تقدم المجتمعات مرهون بوجود رؤية تحدد بوضوح الهدف المراد تحقيقه من عملية التنمية. ونظرة سريعة لتجربة النمور الاسيوية، مثل تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية، تؤكد صحة هذا المبدأ "لا توجد تنمية حقيقية دون رؤية كلية".

المستقبل الحاضر (تشكيل الرؤي)
لقد اعفانا تخلفنا، متعدد الابعاد، من بذل الجهد اللازم لرسم صورة صادقة للمستقبل المأمول، ولم نعد في حاجة ل "وشوشة الدكر" و"ضرب الودع" للتعرف على ملامحه. فالمستقبل الذي نرجوه هو بالفعل متحقق ويعتبر "حاضر" الكثير من المجتمعات المعاصرة. وهو الحاضر الذي يشكل آخر مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية. فدراسة تاريخ تطور المجتمعات يكشف لنا عن مسار عام تتبعه هذه المجتمعات في مسيرة تطورها، التي امتدت لأكثر من 60,000 سنة، وبغض النظر عن بعض الاختلافات الطفيفة. وهو المسار الذي يتكون من أربعة مراحل رئيسية (حتى الآن) هي مرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة"، (من 60,000 الى 12,000 تقريبا)، ثم مرحلة مجتمع "حضارة الزراعة"، (من 12,000 الى منتصف القرن الثامن عشر تقريبا)، ثم مرحلة مجتمع "حضارة الصناعة"، " (من منتصف القرن الثامن عشر الى منتصف القرن العشرين تقريبا)، وأخيرا مرحلة مجتمع "حضارة ما بعد الصناعة" أو "حضارة مجتمع المعرفة"، (من منتصف القرن العشرين حتى الان). وأولي هذه الخصائص هو طبيعة "الموارد المتاحة" التي يستخدمها المجتمع. فعلى سبيل المثال شكلت النباتات والحيوانات غير المستأنسة الموارد الرئيسية لمرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" بينما شكلت الأرض المزروعة وما تنتجه والحيوانات المستأنسة الموارد الرئيسية لمرحلة مجتمع "حضارة الزراعة". أما موارد مجتمع "حضارة الصناعة" فهي المواد الخام بكافة أشكالها التي يستخرجها الإنسان ليقوم بعد ذلك بتحويلها إلى منتجات مصنعة. واليوم تشكل "المعرفة" المورد الرئيسي لمجتمع "حضارة ما بعد الصناعة". اما الخاصية الثانية فهي "الأداة الرئيسية" التي يستخدمها افراد المجتمع في تحويل "الموارد المتاحة" الى "منتج" رئيسي يشبع احتياجاتهم. فقوى الإنسان العضلية كانت الأداة الرئيسية للمرحلة الأولى، مرحلة "مجتمع حضارة ما قبل الزراعة" التي كان يستخدمها في جمع الثمار او في اصطياد الحيوانات. وفي ثاني مراحل تطور المجتمع البشري، "مجتمع حضارة ما قبل الزراعة"، حلت قوى الحيوان العضلية محل القوى العضلية للإنسان الذي استخدمها في فلاحة "الأرض (المورد الرئيسي)" وفي جني "المزروعات (المنتج الرئيسي)". وتأتي المرحلة الثالثة، "مجتمع حضارة الصناعة"، بالآلة لتصبح "الأداة الرئيسية" التي يستخدمها المجتمع في تحويل "الموارد الطبيعية" الى سلع مصنعة. اما الاداة الرئيسية لأحدث مراحل تطور المجتمعات، مرحلة "حضارة مجتمع المعرفة"، فهي "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" التي يستخدمها المجتمع في التعامل مع مورده الرئيسي "المعرفة".

وعلى طريق التطور، بمراحله الأربعة، تسير المجتمعات ولكن بسرعات مختلفة. وتتوقف سرعة انتقال المجتمع من مرحلة لأخرى على العديد من العوامل الداخلية والخارجية. ومن أبرز العوامل الداخلية الثقافة السائدة في المجتمع وما إذا كانت ثقافة داعمة للتغيير او ممانعة له. وباختلاف سرعة الانتقال تتباين مواقع المجتمعات على مسار التطور الا اننا يمكن تمييز ثلاث فئات. الفئة الأولى تشمل المجتمعات التي وصلت الى نهاية الطريق فأصبحت "مجتمعات معرفية" تقوم كافة أنشطتها الرسمية وغير الرسمية على المعرفة العلمية والتكنولوجية، وتتوقف مكانة الفرد فيها على قدر ما يحوزه من معرفة. وعلى الرغم من وعي قوم هذه المجتمعات بقيمة ما حققوه الا ان هذا الوعي لم يجعلهم راضون بل بات يدفعهم دفعا لاكتشاف مستقبلات جديدة بل والعمل الجاد على تحقيقها. او بعبارة أخرى انهمك هؤلاء بخلق مستقبلهم وذلك بما طوروه من أدوات ذهنية، وعلى راسها العلم، وبما ابتدعوه من تكنولوجيات، وعلى راسها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. واليوم بتنا نشهد بداية تشكل مرحلة جديدة من مراحل تطور المجتمعات التي أطلق عليها اسم "مجتمع المعرفة والقيمة" Knowledge-Value Society وهو المجتمع الذي مصدر ثروته الرئيسي هو العمل الإبداعي بشتى صوره.

أما ثاني الفئات فتشمل المجتمعات التي تقع في اول الطريق فظلت مسترخية في مراحله الاولى حتى وان ظهرت فيها بعضا من ملامح المراحل اللاحقة. وهو الامر الذي عبر عنه الشاعر، نزار قباني، ابلغ تعبير عندما قال "القضية توجز في عبارة ... قد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية". ولعل اهم ما يميز هذه المجتمعات هو تسيد "ثقافة النص" التي تقدم "النص الثابت" على "الواقع المتجدد" فتقع في فخ التجمد. ومما يزيد من تفاقم أزمة هذه المجتمعات هو عجزها عن فهم مغزى ما حققته مجتمعات الفئة الاولى ونظرتها اليه بريبة قاتلة وشك مدمر. ومن غرائب الامور ان تكون بعض مجتمعات الشرق الاوسط (مصر والعراق) هي اول من دخل مرحلة "حضارة الزراعة" قبل ان تقع في مصيدة الجمود.

وما بين مجتمعات الفئة الأولى، "المستقبل المتجسد"، ومجتمعات الفئة الثانية، "الماضي المتجمد"، تأتي مجتمعات الفئة الثالثة. وهي المجتمعات التي وعت سوء احوالها فلم تكابر، وشخصت أسباب قصورها الحقيقية فلم تناور، ووعت مغزى ما حققته مجتمعات الفئة الأولى فصاغت رؤاها انطلاقا من هذا الوعي وحققت المعجزة. وما النمور الاسيوية الا امثلة لأعضاء هذه الفئة التي نتمنى ان يكون المجتمع المصري من أعضاءها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن في حاجة الي شجاعة من نوع جديد
محمد البدري ( 2014 / 7 / 29 - 10:08 )
خيبتنا ثلاثية الابعاد فنحن الاوائل في تاريخ البشر من انتج المعرفة وتلكأنا في تطوير انفسنا لصالح المعرفة الزائفة واقصد بها الدين الي حد استيراد الدين من خارج الوطن في مرحلة كانت الفلسفة قد استقرت عندنا لاكثر من ثلاثة قرون وكاننا نكاية في المعرفة نستقدم الدين. ولاننا تفوقنا علي انفسنا في الولوغ في تزييف روح الانسان فقد جاي الينا بالغزو البدوي من يقول لنا سوف تكونون حيث وليتم وجوهكم. الكارثة الافدح ان الدين بشقيه المسيحي والاسلامي هذا هو من نسج اله بني اسرائيل العدو جسب آخر ابداعات العقل العروبي بينما بنو اسرائيل انفسهم اصبحوا في مقدمة القطارات المعرفية وانتاج التكنولوجيا. نحن لسنا في حاجة الي ثورة وفقط نحن علينا ان نبتر اجزاءا من نظامنا الفكري والثقافي والتاريخي الذي اصبح في مجملهعدوا للوطن وللانسانية في وقت واحد

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية