الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغالطات

السندباد البصري

2014 / 7 / 28
الطب , والعلوم



أصل الأنواع كتاب من تأليف داروين صدر عام 1859 يعتبر أحد الأعمال المؤثرة في العلم الحديث وإحدى ركائز علم الأحياء التطوري. عموان الكتاب الكامل: "أصل الأنواع/ نشأة الانواع الحيّة عن طريق الانتقاء الطبيعي - أو الاحتفاظ بالاعراق المفضلة في اثناء الكفاح من اجل الحياة" (بالإنجليزية: On the Origin of Species by Means of Natural Selection,´-or-the Preservation of Favoured Races in the Struggle for Life). يقدم فيه داروين نظريته القائلة أن الكائنات تتطور على مر الأجيال. أثار الكتاب جدلا بسبب مناقضته الاعتقادات الدينية التي شكلت أساسا للنظريات البيولوجية حينئذ. شكل كتاب داروين هذا عرضا لنظريته التي اعتمد فيها على البراهين العلمية التي جمعها في رحلته البحرية في ثلاثينات القرن التاسع عشر وبحوثه وتجاربه منذ عودته من الرحلة.

كان الكتاب مثار جدل وأثار نقاشات علمية، فلسفية ودينية. لقد تطورت نظرية النشوء والارتقاء منذ عرضها داروين للمرة الأولى ولكن يبقى مبدأ الانتخاب الطبيعي أوسع النماذج العلمية قبولا لكيفية حصول ارتقاء الأنواع. رغم قبول نظرية النشوء والارتقاء الواسع في الأوساط العلمية إلا أن الجدل حولها لا يزال قائما حتى يومنا هذا.


اعتبرت نظرية داروين، بتلاوينها المختلفة، من احجار الزاوية في العقلانية الاوروبية. لم يتردد توماس كون، في كتابه «بنية الثورات العلمية» (جامعة شيكاغو - 1962) في اعتبار ما فعله داروين أنموذجاً لما تكونه الثورة العلمية، بمعنى انها النظرية العلمية التي لا تبقى مجرد تطور تقني، بل يبلغ من قوتها وجرأتها ان تضع منهجاً جديداً في التفكير، بحيث تغيّر جذرياً من المفاهيم الاساسية، وكذلك طرق التفكير، التي سبقتها. ووضعها على قدم المساواة مع الثورة التي احدثتها نظريات السير اسحاق نيوتن، عند نشره كتاب «المبادئ الاساسية للفلسفة الطبيعية»، والتي وضعت حداً لسيطرة مقولات الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وثنائياتها.

وفي العام 1996، اعتبر عالم الاناسة الاميركي فرانك سولووي ان داروين يفوق اهمية ألبرت اينشتاين, وان نظرية الاول عن علاقة الانسان مع الطبيعة احدثت هزة في عمق نظرة الانسان الى هويته، وطريقة تفكيره في الطبيعة والكون، فيما انحصر الاثر الاساسي لنظرية النسبية، التي وضعها اينشتاين، في المجال العلمي، ولم تغيّر في عمق نظرة الانسان لهويته الكونية. وقارن اثر نظرية داروين وجرأتها، بالاثر الذي احدثته المقولات الجريئة لعالم الفلك كوبرنيكوس (الارض تدور حول الشمس وحول نفسها)، التي اطاحت بصورة نهائية فلسفة ارسطو ونظرياته عن الطبيعة والكون، وتقاطعت مع الانشقاق الذي قاده القس مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية وباباواتها!

لم تنقص داروين الجرأة في القول بعلاقة الانسان مع الطبيعة. ففكرة التطورية، سواء في العلم أو الفلسفة، سبقت داروين. قبله، اقترح هذه الفكرة علماء التاريخ الطبيعي الفرنسيون مثل جورج لويس بوفون (1804) وجان باتيست لامارك (1809). ولعل ابرز من توصل الى نظرية التطورية في البيولوجيا قبل داروين، وأعوزته الجرأة لقول ما اكتشفه، تمثل في عالم البيولوجيا الانكليزي تشارلز لايل. ويظهر ذلك في كتابه الذي يحمل عنوان «تاريخ قديم للانسان» ( 1863).

سبقت اساسيات نظرية التطور، أبحاث داروين بعشرات السنين، إلا أن ما قدمه داروين من خلال كتابه (أصل الانواع) كان أول محاولة علمية جادة لتقديم تفسير منطقي ومبني على البحث العلمي القائم على أسس وقواعد علمية اعتمدت على المشاهدة والاطلاع والمقارنة والتفنيد، كما شكل مفهوم التطور من خلال عملية الانتخاب، أو الانتقاء، الطبيعي وارجاع الأنواع الحياتية إلى أصول واحدة في شجرة الحياة على الارض، أهمية في تغيير نظرة العلماء إلى أصل الحياة بشكل عام.

لن أقوم بتعداد التطور الحاصل في حقائق التطور الدارويني من خلال أصل الانواع، أو الادلة العلمية القائمة عليها بشكل عام فقد سبق لي ذكرها بشكل مختصر ومكثف في تدوينة سابقة، ولكنني سأذكر جزئيتين مهمتين في الجدل الحاصل حول (أصل الأنواع) منذ صدوره قبل مائة وخمسين عاماً.


لعل الصدمة التي شكلتها وضع نظرية علمية شبه متكاملة لأصل الحياة على الارض، على المجتمع المحافظ في بريطانيا أولاً ثم معظم الثقافات الأخرى في العالم سواء تلك القائمة على الاعراف والتقاليد والاساطير، أو على تفاسير دينية غيبية للحياة والعالم والكون، أنها نزعت عن الانسان صفة القداسة التي كان يتمتع بها كونه خلق في شكل استثنائي ومشابه لصورة خالق للحياة، وهو الأمر الذي نزع عن البشر صفة التميز على باقي الكائنات.

كما أن التطور من خلال أصل الانواع أنزل الانسان من مستوى أعلى فوق كافة الكائنات على الارض وجعلت منه كائناً طارئاً وحادثاً ومساوي في القيمة التطورية لكافة أشكال الحياة الأخرى من وحيدات الخلية حتى اكثر الكائنات تعقيداً في عدد الأعضاء والوظائف الحيوية، بمعنى أن تطور أي كائن لا يسعى للوصول إلى أن يكون انساناً، أو أن يكون لديه دماغ له القدرة على النطق والخيال والاختراع والكتابة، بل إن ما يدفع عجلة التطور هو القدرة على البقاء وحفظ النوع وبذلك فإن كافة الكائنات الموجودة الآن على الأرض قد وصلت لأعلى سلم تطورها الخاص بفصيلتها، وإذا طرأ تغيير في الطبيعة أدى لعدم قدرتها على التطور لتحفظ النوع وتستمر فسيؤدي ذلك إلى انقراضها واندثارها، وبمعنى آخر أنه لا يوجد قصدية أو تحديد مسبق predetermination للتطور أو أن الكائنات تسعى للوصول إلى ما يشبه الانسان، وبذلك يصبح البشر مجرد كائنات طارئة في تاريخ الأرض قد تنقرض يوماً ما ولن يذكرها أحد (الديناصورات عاشت لاكثر من 30 مليون سنة على الارض وانقرضت منذ اكثر من مائتي مليون سنة، بينما لا يزيد عمر أقدم شكل انساني عن اربع ملايين سنة، وعمر فصيلتنا البشرية لا يزيد عن مائتي ألف سنة).

حاول معارضو نظرية التطور نسف فرضياتها وحقائقها من خلال عدة وسائل، ليس أهمها رفع الشعارات المنفرة من قبيل أن النظرية تحط من قدر الانسان وتضعه في صف الحيوانات البدائية مثل القردة وغيرها، أو بدحضها من خلال الخلط الغير متساوي مع التفسيرات الدينية للخلق والنصوص المقدسة، ولكن مع تنامي الأدلة العلمية التي تثبت صحة فرضياتها وتحول النظرية إلى أحد المسلمات الطبيعية، جعل المناوئين يلجؤون إلى دحضها من خلال استخدام الفرضيات شبه العلمية لنظريات أخرى تستخدم اللغة العلمية ولكنها في الحقيقة ليست سوى مجموعة من الادعاءات. أحد هذه الادعاءات تفترض أنه في حال أن التطور كان صحيحاً فلماذا لم نرى أي تطور يحدث للكائنات التي حولنا على الأرض؟!، أليس التطور حالة متواصلة ولم تتوقف!، لماذا لا نرى نوعاً جديداً من الحيوانات التي تعيش في الغابة أو في البحار تطورت من فصائل مشابهة؟!، لماذا لم نرى غوريلا تتطور لكي تصبح إنساناً؟!.

هذه أحد المغالطات المنطقية logical fallacy التي تستخدم في محاولة لتفنيد النظرية، وذلك دون محاولة بحث ودراسة ما إذا كان هذا الادعاء صحيحاً منذ البداية. فالسائل لا يرغب في التعرف على فرضيات هذه النظرية أو تلك وليست لديه أي اهتمام بموضوع النظرية أو مظاهرها ولكنه يضع كل طاقته في سبيل تحطيمها والانتصار لمعتقداته، وهو بذلك ليس في حاجة للالمام بالمسألة المطروحة للنقاش ويسعى لاستخدام كافة الوسائل المتاحة لدحضها.

السرعة التي يسير بها التطور لا يمكن قياسها بالايام أو حتى ببضعة سنين، لذا فالدليل على أن التطور يحدث الآن وانه عملية مستمرة تحتاج إلى مراقبة الكائنات على الارض لفترة تزيد عن عشرات بل مئات الالاف من السنين، ولا يكفي عمر الانسان المكتوب على الارض لملاحظتها، إنها عملية تراكمية تنتج على تغيرات تراكمية صغيرة small incremental changesعلى مدى مئات الآلاف من السنين إن لم يكن الملايين، إنها تشبه عملية تراكم ذرة رمال صغيرة في داخل أنبوب طوله عدة أمتار، في كل سنة تسقط ذرة رمال واحدة، بعد عشرات السنين لن تستطيع تبين أن هناك تغيراً قد طرأ على عدد الذرات المتراكمة في الانبوب ولكنك لا تستطيع أن تدعي أن التغير لم يحدث، وأن عمود ذرات الرمال سيصل إلى مرحلة ملحوظة ولكن بعد مرور مائة ألف سنة، وكلما صغر حجم الكائن وكان اقل تعقيداً كلما تسارعت وتيرة التطور، وابلغ دليل على ذلك هو البكتيريا والفيروسات التي تتطور بشكل سريع يفوق قدرتنا على اللحاق بتأثيرها القاتل، من أهمها فيروس الانفلونزا الذي يتغير ويتطور كل عام، والفيروس المسبب لمرض الايدز، والبكتيريا التي تتطور لتصبح لديها مناعة أكبر أمام المضادات الحيوية المختلفة.

التطور هو وسيلة طبيعية لحفظ النوع والتعامل مع كافة أشكال التغيرات الطبيعية على الارض في سبيل تحقيق الهدف الأساسي من الحياة، وهو مواصلتها، ولو اردنا قياس أي الاحياء أكثر نجاحاً فسيكون ذلك النوع الذي يمكنه التطور لحفظ نوعه ونقل الجينات إلى الجيل اللاحق في محاولة للبقاء والاستمرار وتجنب الانقراض.


أصل الأنواع يصل إلى عمر المائة والخمسين، مع تعزيز نظرية التطور بمزيد من الادلة والابحاث العلمية التي تجعلنا أقرب كل يوم لمعرفة المزيد عن أصل الحياة على الارض مما يتيح صورة أوضح عن تكويننا العضوي للوصول إلى استيعاب وسائل للحفاظ على الحياة فوق الارض من الأمراض والتغيرات والكوارث الطبيعية، لربما نستطيع في أحسن الأحوال أن نتجنب أنقراض البشر كنوع احيائي في هذا الكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فشل المفاوضات بين طلاب معهد العلوم السياسية في باريس وإدارة


.. غزة ..صالة أفراح تتحول لمركز إيواء لمرضى السرطان وفشل الكلى




.. بيل غيتس للعربية إنجليزي: السعودية وأميركا ومايكروسوفت أكبر


.. الأقمار الصناعية تكشف ثكنات عسكرية للحوثيين تحت الأرض




.. مقابلة خاصة مع مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس