الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقلال عن التسلط وفزاعاته

مصطفى مجدي الجمال

2014 / 7 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من يتصور أن تقع الثورات كما في الكتابات "الكلاسيكية".. واهم جدًا، واستنتاجاته ستنتهي إلى كوارث حتمًا.. كوارث عليه وعلى طبقاته الثورية وربما الأمة كلها في المجمل..

ومن أصعب المواقف التي تواجهها الثورات أن تواجه أكثر من عدو، وأن يوجد في صف المواجهة الثورية (وليس بالضرورة ضمن القوى الثورية) قوى معادية للعدو المباشر لأسباب تخصها، لكنها- أي تلك القوى- قد تكون أخطر منه على المدى المتوسط..

وإذا أخذنا كمثال بعيد، فقد لعبت القوى الصوفية في غرب أفريقيا وغيرها دورًا في مقاومة المستعمر، ولكن على أسس وبرامج يستحيل وصفها بالثورية، بل ولا حتى بالوطنية.. وفي هكذا حالات يكون على القوى الثورية الجذرية الاستفادة من فعاليات المقاومة المتسعة والمتنوعة، ولكن على مستوى التكتيك، وليس على حساب التنازل عن المبادئ أو الأهداف الاستراتيجية المتفق عليها..

ومن أهم القوى التي فهمت هذه الحقيقة مراكز الأبحاث والعقول الاستراتيجية العاملة في خدمة أجهزة الاستخبارات الإمبريالية.. ومن ثم فهي تعمل دائمًا على شق الصفوف الثورية المقاومة بأن تساعد بعض القوى الرجعية كي تثير الشقاق في المعسكر الثوري، وعندئذ فإن الإمبريالية إذا لم تنجح في إلحاق هزيمة مباشرة بالقوى الثورية، فإنها تنجح على الأقل في إشاعة الفوضى والتناحر وسط مناوئيها لسنوات طوال حتى تستطيع الإمبريالية تعديل أوضاعها في المستقبل..

الهدف من هذه البداية شديدة العمومية هو التمهيد لمناقشة أولئك الذين قالوا بأن خطر التنظيمات الدينية/ السياسية مبالغ فيه، أو هي "فزاعة" أو "فقاعة" يلجأ إليها الإعلام الاستعماري، والنظم الرجعية، كي لا نرى مفرًا من تخفيف مواقفنا التي تجرأ بعض الحمقى ووصفها بـ "العنصرية" ضد الجماعات المتسترة بالدين..

وكمثال قريب، وعن تجربة شخصية، حينما أشرت مثلاً إلى خطورة الدور الذي تلعبه الميلشيات الإرهابية في ليبيا ثم سوريا واليمن وقبلها العراق.. كان هناك (وخاصة من بعض المثقفين في مصر والمشرق العربي) من شرع في تلقيني دروسًا بأن هذه التنظيمات لا تشكل خطرًا داهمًا، وأن الثورة الشعبية قادرة على تطهير نفسها (بميكانيكية لم أعرف لها شواهد).. الخ الكلام "الحماسي" غير المدعوم بأية أدلة من الواقع..

وإذا أخذنا الحالة الليبية ففي البداية استطاع بعض المحللين "اليساريين" تغمية أعينهم عن الدور الإجرامي الذي لعبه حلف الأطلنطي في الإطاحة بنظام قمعي نادر المثال، ولكن باستخدام قوى أكثر تخلفًا ووحشية وعسفًا بالمجتمع الليبي.. ووجدوا الكثير من التبريرات لهذا الموقف.. واليوم انظروا إلى ما آلت إليه ليبيا من دمار واحتراب وتقطيع أشلاء.. أما القوى الديمقراطية والثورية هناك فإن دورها ينزوي إن لم يكن قد انقرض لسنوات أو عقود..

وفي العراق كانت الأمور أوضح فقد جاء المستعمر، متدثرًا بشعار إسقاط "جمهورية الخوف"، بتقسيم للمجتمع العراقي وأنهى مؤسسات الدولة النظامية (بغض النظر عن رأينا فيها) لصالح نخب عرقية ومذهبية وقومية متبعثرة تتقاتل فيما بينها، وتتحد معًا في الإجهاز على وجود المجتمع العراقي نفسه، ولا أقول الدولة العراقية فهذا أمر مفروغ منه.. ولم تراعِ بعض القوى اليسارية في العراق ضرورة أن تميز نفسها بموقف واضح عن كل من الإمبريالية والقوى الرجعية المتسترة بانتماءات "أولية" مثل الدين والمذهب والعرقية..

وفي سوريا حين كان الحراك الديمقراطي الثوري في أولى مراحله حدث حوار بيني وبين بعض اليساريين هناك، أشرت فيه إلى خطورة عدم تمييز اليسار لنفسه عن قوى متسترة بالدين والطائفة والعرق، ومدعومة من أعتى النظم الرجعية في المنطقة، بل ومن الإمبريالية نفسها حتى أن بعض الوطنيين السوريين لم يروا عيبًا في الاستعانة بـ "النظام الدولي".. والغريب أنهم لم يروا خطرًا إلا من جانب إيران، بينما أغمضوا أعينهم عن الأدوار الأمريكية والفرنسية والسعودية والتركية..الخ..

وحينما تصاعدت المخاطر الوبيلة وأهوال الفظائع التي ارتكبتها جبهة النصرة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الوحشية، التي تتوارى إلى جانبها فظائع طالبان في أفغانستان وباكستان، ذهب بعض المحللين اليساريين والقوميين في المشرق إلى التقليل من خطر تلك الجماعات.. وبالمقابل بالغوا في قدرة "الحراك الشعبي" في سوريا وتمرد "العشائر" في العراق.. قدرتها على كبح تلك المخاطر حينما يحين الحين..

وإذا عدنا إلى الحالة المصرية فالموضوع يعود إلى أوائل القرن الحالي.. حيث توج الحراك السياسي للنخب "الديمقراطية" بتشكيل حركة "كفاية" التي ضمت تحت جناحيها فرقاء مثل الإخوان والليبراليين والقوميين واليساريين..الخ. وكانت ملاحظتي الأساسية وقتذاك على أن الجانب السلبي في هذه التجربة- في مقابل جوانب إيجابية كثيرة- هو قيام الحركة على أساس الانضمام "الفردي"، أي ليس على أساس جبهوي واضح.. وهو ما عكس بالنسبة ليساريين كثيرين التحول إلى صفوف الليبرالية السياسية (على الأقل)..

وحينما ظهر محمد البرادعي على المسرح، وتبلور معه مشروع "الجمعية الوطنية للتغيير"، فإن القليل من اليساريين والقوميين هم الذين تساءلوا عن مغزى الظهور السياسي على المسرح المحلي لهذا الموظف الدولي، وفي ذلك الوقت بالذات.. بل إن مجموعة من اليساريين شكلوا قبل هذا ما أسموه "يسار مؤيد للبرادعي" (لم أعرف وقتها على أي أساس راسخ قامت هذه الدعوة الغريبة).. المهم أن الجمعية الوطنية للتغيير استمرت على ذات نهج حركة كفاية من حيث الوحدة التنظيمية الهلامية، وليس على أساس جبهوي سليم قائم على الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي لمكوناتها..

نتيجة هذا النهج الرافض "للفزاعات" أقيمت تحالفات غير سليمة مع منظمات هي لا تؤمن بالديمقراطية من الأصل، وإن كانت قد أجادت الترويج لعكس هذا (في إطار التقية والخداع)، حتى أن أحد قادة اليسار صرح في أكثر من منبر بأن دخول الإخوان في العمل السياسي "المشترك" هو من "أهم المكاسب التي حققتها الديمقراطية في مصر بعد ثورة يناير"..

ولعل من واجبي التأكيد هنا على أن من أهم أسباب الفشل في بناء علاقات جبهوية سليمة (على المستويين التكتيكي والاستراتيجي) الفشل المحقق للقوى اليسارية والناصرية في بناء تنظيمات قوية ومستقلة..

وفي ظل هذا التخبط بلغ الأمر بمنظمة يسارية أن أقامت ما تصورت أنه جبهة مع الإخوان المسلمين، رغم التفاوت الهائل بين الطرفين في التوجه والبرنامج والقوة.. وإن اتفقا على جوانب تكتيكية جزئية.. لكن جماعة الإخوان سرعان ما انقلبت بشراسة ضد حليفها "الجبهوي" السابق في فترتي حكم طنطاوي ومرسي.. لكنها تحاول الآن استرجاع ذات الخديعة الجبهوية تحت شعار مقاومة الانقلاب، أو مناصرة غزة..الخ.

وبالطبع فإن المحنة التي تعيشها جماعة الإخوان في مصر الآن تجعلها مستميتة في كسب حلفاء، أي حلفاء وبأي ثمن، حتى تستطيع الدخول في تفاوض مع النظام الجديد.. وبالطبع أيضًا هناك دائمًا في صفوف القوى الثورية نفر ممن يرحبون بهكذا عروض..

وإذا كان من الصعب استعادة فكرة التحالف مع الإخوان في الصراع ضد النظام اليميني المجدد في مصر.. فإن هناك لافتات أخرى يمكن استخدامها مثل حزب مصر القوية، أو تحالفات حول بعض القضايا التي تمس الحريات أو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أو التضامن مع قضايا ثورية في المنطقة..

الخلاصة.. لم يعد من المستساغ تضليلنا بأن الحركات الإسلامية تستخدم كفزاعة وأنها لا تشكل خطرًا على وجود ومستقبل البلاد ناهيك عن ثوراتها، أو القول بأنه من الممكن الاستفادة من قدراتها لمقاومة "التسلط وحكم العسكر"..

وبالمثل يجب أن نرفض بكل شدة محاولات جرنا إلى التهادن أو التسليم لنسخ جديدة من الحكم المباركي أو الساداتي بدعوى الفزع الذي تثيره الجماعات الإرهابية..

قد تضطرنا مواقف تكتيكية مؤقتة إلى اصطفافات "موضوعية" صعبة، لكنها تظل عارضة.. ولا يجوز أبدًا أن نضحي بأسس موضوعية في التحليل، وتقدير سليم لقدراتنا وقدرات الآخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم