الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن - الجهاد - الارهابي : زمن الارتداد المشين

خالد السلطاني

2005 / 8 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


" تتسلى " بعض وسائط " الميديا " العربية ، بانباء " الغزوات " التى يشنها " جهاديو " الارهاب المتأسلم ؛ وتنشر حوادثها ، وتتعقب انشطتها في اماكن عديدة ومختلفة من العالم ، بدءا ً من التفجيرات المميته التى شهدتها لندن مؤخرا ً ، والتى راح ضحيتها اناس ابرياء مستخدمي وسائط النقل العام ، مروربعمليات قتل عشوائية لاماكن سياحية بشرم الشيخ في مصر ، لتجد لها مصدرا دائما تستل منه انباءها على وقع الممارسات الارهابية اليومية الجارية في بلاد وادي الرافدين . وهذه التسلية " الاخبارية ، تتجاوز حدود اطر مبادئ مدرسة " علي امين " الصحافية الفضاحية ، الداعية الى تغاضي اخبار حوادث من قبيل : ، وانما الاهتمام بخبر ؛ ليضحى نشاط تلك الميديا المعاصرة نشاطا تضليليا صرفا ، يدخل ضمن دائرة الافعال التحريضية المكشوفة لصالح ارهاب مقيت .
فعندما تعيد تلك الوسائط ، قراءتها الثانية والخاصة لوقائع احداث مفجعة ، مسوغة بها الافعال الاجرامية التى تشنها عصابات الارهاب ، تكون قد نأت بنفسها بعيدا عن " بوصلة " الاتجاه المهني الصحيح ، وأضحت بالتالي نصيرا ومساهما لتلك الاعمال ؛ فمشاهد قناة " الجزيرة " الفضائية ، الحاضنة حصريا للارهاب المتأسلم ، على سبيل المثال ، وقارئ غالبية الصحف العربية التى جعلت هدفها الوحيد الاستماتة في الدفاع عن " منظومة " الحكم الشمولي المترسخة عميقا في جسد "النظام " العربي ، والداعية الى تسويغ مظالمه، سيشعر بالغثيان جراء نوعية التعاطي المخجل في " ممارسات " قلب الحقائق المخزية . وليس ببعيد ، وكمثال على ذلك ، نشر صحف الاردن " الشقيق " خبر فاجعة قتل مجموعة كبيرة من اطفال ابرياء ، في منطقة شعبية بالعاصمة العراقية من قبل ارهابي متأسلم وقاتل محترف ، وتقديم تلك الفاجعة الاليمة كونها عملا من اعمال " المقاومة " البطولية ضد الاحتلال ، واعوان الاحتلال من عراقيين افراد الشرطة والجيش ، من دون الاشارة بتاتا ، وبتقصد فاضح ، عن ذكر بان القتلى ماهم سوى اطفال ابرياء ، تحرم جميع القوانين والمبادئ الانسانية والدينية التعرض لهم بالاساءة في اي حال من الاحوال . ومثال " الجزيرة " ، ومثال صحف الاردن، ليس استثناءا في المشهد الاعلامي العربي ، المتخم بذرائع وهمية عن بواعث ذلك الارهاب المتأسلم . والانكى من ذلك بان تلك الاوساط وكتابها يقدمون تلك الافعال المشينة ، وكأنها اعمال مبررة ، تقع ضمن خانة الردود المشروعة لما اقترفه الغرب "الكافر" بحق الاسلام ؛ الاسلام الذي ُحشر ، من قبل غلاة الارهابين ضيقي الافق ، في زاوية واحدة من القراءة الاحادية المطلقة ، غير قابله للاجتهاد او محاولة التفسير.
يركز الخطاب الاصولي في مسوغاته لاعمال محترفي النزعات الانتحارية ومدمني " منطق الانهزام المفتعل في المعارك المستحيلة الانتصار " ، وفقا لتعبير جبران تويني ، على " فعالية " خلط الاوراق ، والانتقالات السريعة في تحديد المصطلحات ، وتعويم المفاهيم ، حتى تتصادى وقائعها مع رؤى الاجندات الخفية التى يضمرها اولئك القتلة : اعداء الدنيا والدين ! . حتى بتنا الان ، فى وضع يتسم على قدر كبير من فوضى المصطلحات وغزارة وتعدد المرجعيات وفائض تنوع الافتاءات ؛ وكل ذلك يتوخى منه الوصول الى غاية واحدة وحيدة ، مهمتها التمترس في حالة من غياب الوعي والمنطق ، تكون مقترنة بنزعة ضارية لالغاء الاخر ، واسقاط اية محاولة لاشهار تنوع الاراء والافكار، او الاقرار بان الوصول الى الحقيقة ، يمكن ان يكون عبر طرق متنوعة وعديدة !
ولئن توقع المرء مزيدا من الاكاذيب الوقحة ، والتضليل المتعمد الفاضح، وعمليات خلط الاوراق المريبة من قبل القوى الارهابية المتأسلمة ؛ فاننا لا يمكن ان نفهم دوافع اطروحات قوى سياسية ، تدعي بانها تمتلك خطابا ً فكريا يتعارض " نظريا ً " مع توجهات المجاميع الارهابية الاصولية ، ولكنه في واقح الحال يصب في طاحونة الاكاذيب والافتراءات ويزيد من ظلامية رؤى تلك المجاميع القابعة في زواياها الضيقة ، والمتشبثة بمواقعها المنتمية الى خارج الزمن الحالي . اذ تؤسس تلك القوى ، مستعينة بكم هائل من تلفيقات واباطيل وافتراضات مكذوبة ، لاطروحة مخجلة مفادها بان موجة الارهاب الاعمى الذي يضرب في كل مكان سببه تداعيات الحرب في العراق وافغانستان . بمعنى آخر ، يراد لنا ان نصّدق بان "حرب تحرير العراق " – المبرره اخلاقيا وقانونياً ودينيا ، وبكل المقاييس الفاضلة ، والتى ادت الى اسقاط " نظام " دموي واستبدادي وظالم قل نظيره ، كالنظام البعثي الصدامي ؛ هو امر يمكن له ان يبرأ تلك الهجمات ، ويجد لها الذرائع المناسبة . وهم بهذه المحاولة غير العقلانية المليئة بالنفاق والمراوغة ، لا يضعوا العربة امام الحصان ، كما يقال ، بل يلغوا اصلا ، وجود عربة و حصان معا ، ويطلب منا ان نؤمن بان ثمة "حركة " ... جارية ! ؛ فالمنطق السليم والموضوعي يشير الى ان واقعة سقوط النظام الدكتاتوري البائد في العراق ، هي احدى الضربات المميتة الموجهة الى الارهاب ، وليس العكس ؛ والحال نفسه ، ينطبق ايضا على افغانستان ، فانهيار نظام " طالبـان " الاستبـدادي والظـلامي والعنصري ، هو بلا شك ، انتصار بين ّ للقوي الناشدة للديمقراطية والتعددية ، ولا يمكن ، في اي حال من الاحوال ، افتراض زوال ذلك النظام الفجائعي ، وغيره من الانظمة الشمولية الاستبدادية ، كونه مبعثا لتسويغ العمليات الارهابية ، كما يرد في ادبيات بعض القوي السياسية ، التى تتستر على الافعال الشنيعة للجماعات الارهابية المتأسلمة .
من جانب اخر ، تثار من حين لاخر ، وتطفو على سطح المناقشات الصاخبة التى يمور بها المشهد السياسي العربي ، ولاسيما بعد " حرب تحرير العراق " ، وسقوط النظام التوتاليتاري ، والشروع لتأسيس عراق جديد : ديمقراطي وتعددي ، تثار تساؤلات عن اسباب " تخلي " بعض اليساريين العرب عن " نهجهم " الايديولوجي المعروف ، المتمثل بالعداء المطلق للسياسة الامريكية ، والانخراط في مشروعها الليبرالي " المريب " . ورغم ان تلك التساؤلات مبعثها اطراف ما فتئت تقرا الاحداث وفق تصورات مبنية على نتائج مسبقة ؛ فان نوعية صياغة تلك التساؤلات بطرحها الحالي ، المتأسسة على ثنائية المرجعيات : كاليمين واليسار ، لم تعد ، الان ، تغرى احدا ، لسبب بسيط يتمثل في هشاشة مصداقية الفرز الالي ، والركون الى تقسيم الظواهر المركبة والمتداخلة الى الشئ ونقيضه ، والنزوع الساذج في تبسيط تنوع مسببات الفعاليات الحياتية وتعقيد مؤثراتها .
وبالاضافة الى خطل الاحتكام الى معيار مفهوم الثنائيات ، المفهوم الذي يستحضرمدلوله حالة غيبية مثقلة بالاحساس الميتافيزيقي ، والتى يدعوها " ادونيس " بـ " عقلية دينية " ، همها " تقسيم الوجود الى قسمين : خير وشر ، جنة وجحيم ، برئ ومتهم ، " ؛ فان سؤالا معتمدا على تلك الثنائيات ، لم يعد مبررا ( بل ولا حتى ضروريا ) ، ؛ وانما التساؤل المشروع الذي يتعين طرحه هل ان المرء : مع الديمقراطية ؟، مع التعددية ؟، مع احترام الرأي الاخر ، مع حقوق الانسان ؟، مع حرية الاعتقاد الديني ؟، مع الكرامة الانسانية ؟، مع حقوق المرأة ، ومع حقوق الاقليات ؟؛ بغض النظر من هو الذي يدعو الى ذلك ، سواء كان يمينيا او يساريا ، مسلما اوغير مسلم ، عربي ام اجنبي ، اسود ام ابيض ، امرأة ام رجل . هذا هو السؤال الحقيقي ، والاني ، والسليم .
فعندما تصطف عصابات التكفيريين الارهابيين المتأسلمين الغارقة في رجعيتها ، وظلاميتها وبقايا النظام الصدامي البعثي ، المتشبثة بسلطة الاستبداد ، وسلوكية اذلال وقهر الاخرين ؛ مع انصار اليسار – المعبأيين ضد التغييرات الكبرى الحاصلة بالعراق ، وضد المشروع الوطني الديمقراطي التعددي ، والمنادين بلجاجة لارجاع الامور الى سابق عهدها قبل التغيير المجيد ، كما تفعل غالبية الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية ، ناهيك عن الاحزاب القومية ، فان منظومة الفرزالسابق التى تفرق اليمين عن اليسار ، تفقد ايا ً من مسوغاتها لجهة تحديد هوية الانتماء ! . فاية نوعية انتماء مغايرة هذه ، عنما يلحظ المرء تجانس وتطابق المعايير ، والمصطلحات والمفاهيم التى ترد في بلاغات عصابات "الزرقاوي " المتأسلمة ، وتصريحات بقايا الصداميين البعثيين القتلة ، مع بيانات تلك القوى التى تدعي اليسار ؟ ؛ فمصطلحات مثل " حرب بوش الظالمة وغير القانونية " ، و" الاحتلال " و" مقاومة الاحتلال " و" عملاء الاحتلال " ، " وسرقة النفط وخيرات العراق " ، و " الارتماء في احضان الغرب الكافر " ، و " محاربةالرافضة الشيعية " و " تقسيم العراق " ، وغير ذلك من الاوصاف المتشابة والمكررة التى تحضر " ببلاغة " في جميع " ادبيات " تلك القوى المعادية للعراق ونهجه الديمقراطي التعددي المنشود ؛ كفيلة في تلمس تماثل الاجندات والطروحات والاهداف ، لتلك القوى الفاقدة لرشدها والمذعورة جراء بزوغ عراق جديد : ديمقراطي وتعددي ، في المشهد السياسي الاقليمي .
ثمة اكذوبة كبرى اخرى ، اختلقتها قوى الارهاب المتأسلم ، وبقايا عصابات النظام السابق ، ويرددها انصارها من اتباع " الفهم " الاسلاموي الاصولي السلفي ؛ كما ان تلك الاكذوبة تتناقلها ، مع الاسف الشديد ، هيئات اعلامية مختلفة من صحف واذاعات مسموعة ومرئية ، يفترض وقوفها بمسافة عن مسلك الارهابين القتلة . وتكمن خلاصة هذه الاكذوبة الشنيعة في ترحيل و " تجيير " تبعات مآسي القتل العشوائي اليومي بالعراق ، جراء عمليات عصابات التكفيريين وبقايا الصدامين ، و القاء تبعاتها على قوات التحالف وقوات الامن العراقية من شرطة وجيش ، و تأليب الرأي العام ضد تلك القوات بسبب تلك الفواجع الاليمة .
ويظهر ، تبعا لتلك الاكذوبة ، ان من يرسم المشهد الدامي اليومي بالعراق ، ويمارس قتلا مجانيا ً ، ويخرب مؤسساته ، ويغتال موظفي القطاع العام ، ويدمر بنيته التحتية هم جنود قوات التحالف و " عملاءهم " من العراقيين المتعاونين معهم حصرا ، وليس القتلة الارهابيين واعوانهم . ومن ثم ترويج هذا الخداع على نطاق واسع ، وترديده يوميا ، بل ساعة اثر ساعة في وسائط الميديا المتعاونة معهم ، وغير المتعاونة لتشويه السمعة ، وممارسة " لعبة " قلب الحقائق الاثيرة لدى الارهابيين ومناصريهم ؛ حتى بات البعض يشك في جدوى التغيير ، ويرتاب في النوايا المبطنة الخبيثة التى يضمرها الغرب " الكافر " .
وقد اثرت تلك الاكاذيب المضللة ، جراء انتشارها الواسع ، على ذهنية كثيرين ، متواجدين في مناطق مختلفة من العالم ، لم يعرفوا موقع العراق سابقا ًً ، ولم يسمعوا مظالمه الكثيرة ابان الحكم التوتاليتاري البائد ، ولم يعرّفوا بانهم وقفوا بجانبه اثناء محنته تلك ؛ حتى تجاسر احد الارهابين القتلة المشاركين في تفجيرات لندن الاخيرة ، بالقول بان بواعث فعلته الاجرامية هو" ما يجرى " في العراق ، من دون ان يذكر بان " مايجري " في العراق ، هو نتاج " اصحابه " الارهابيين المتأسلمين واعمالهم الفاحشة .
هل بمقدور الارهابيين واعوانهم ، الاستمرار في استئثار الزمن الحاضر " وطبعه " بطابع " جهادهم " الشنيع ؟
- لا اظن ، لان " زمنهم " – هو زمن ارتداد مشين الى الوراء ؛ وحركة الزمن الطبيعية والمشروعة في ... اتجاه مغاير ! □□
د . خالد السلطاني
(اكاديمي عراقي )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-