الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن الحب عند إيريك فروم

حميد لشهب

2014 / 7 / 31
مقابلات و حوارات


أنجز الحوار: محمد جليد
تغنت كل ثقافات الأرض بالحب و قدسته و وضعت على رأسه تاجا ذهبيا و أحاطته بهالة قدسية و بوأته أحسن مكان على قمة الأحاسيس الإنسانية النبيلة و جعلت منه الداء و الدواء للأرواح العطشى و القلوب الضمئانة. فقد شغل موضوع الحب البشرية منذ وجودها و لا يزال يشغلها و سيشغلها ما دامت موجودة. سهر بسببه الشعراء و أيقض مضجع الأدباء، و أطرب المغنين، و ألهم المخرجين السينمائيين و المنشغلين بالمسرح و الفن التشكيلي، بل تاه في دروبه الفقهاء و القساوسة و الربانيين. لكن لم يخصص له أي فيلسوف أي عمل قائم بذاته، باستثناء بعض الشذرات هنا و هناك، على الرغم من أن الكثير من الفلاسفة عاشوا قصص حب كادت أن تذهب بألبابهم. لكن هناك استثناء من بين الإستثناءات الناذرة جدا، و يتعلق الأمر بالمحلل النفساني الألماني إيريك فروم، الذي أفرد لطيمة الحب مؤلفا قائما بذاته: "فن الحب"، و هو إلى جانب كتابه الآخر: "الإمتلاك أو الوجود" من المؤلفات الأكثر قراءة في العالم بأسره.
نكتشف مع حميد لشهب، الباحث المغربي، المقيم في النمسا، العالم السري لـ "فن الحب"، باعتباره من بين المتخصصين العرب القلائل في فكر فروم، و هو أول باحث عربي حصل على الجائزة العالمية لإريك فروم سنة 2004.

1. بأي معنى يمكن الحديث عن الحب كفَنٍ؟
إن الكلمة الألمانية المستعملة من طرف إيريك فروم "فن الحب Kunst der Liebe" هي كلمة مستعارة و لها دلالات متعددة في اللغة العربية: إِتْقان، إِجَادَة، بَرَاعَة، حِذْق، فَنّ، مَهَارَة. و هي كلها مصطلحات من اللازم فهمها في معناها التحليل النفسي. القاسم المشترك بينها هو أنها تعبر عن حالة نفسية خاصة، عن وضع وجودي، و ليس عن شيئ موضوعي ملموس. من هنا يمكن اعتبار "فن الحب" بمثابة المعاش النفسي العميق لإحساس "غريب" اتجاه شخص، تكون الشحنة النفسية لهذا الحب متجدرة في طاقة نفسية إيجابية في غالبها. و تعبر كلمة "فن" هنا على التركيز على موضوع الحب تركيزا كاملا و بكل القوى الوجدانية و العقلية، تماما كما يركز أي فنان آخر على الموضوع الذي يشتغل عليه، كتركيز التشكيلي على لوحة معينة و كل ما ينتج عن ذلك من توظيف لطاقات نفسية و علمية.
2. ما هي الأسباب التي دفعت بفروم لتخصيص كتاب قائم بذاته لموضوع الحب؟
- لا يمكن فهم هذا الإهتمام إلا في ظل اهتمام فروم بالإنسان و إيمانه العميق بالجانب الخَيِّر في البشر، واضعا الأصبع على العقبات السيكولوجية و الإجتماعية ليتطوروا نحو الأحسن. العارف لفكره لابد أن يستنتج بأنه بعد نشر "الهروب من الحرية" و"الإنسان لنفسه"و"المجتمع السوي" كان من المنطقي أن يهتم بموضوع "الحب"، لأنه يدخل في نطاق إزاحة الغطاء على ما هو لاشعوري، سواء أكان فرديا أو اجتماعيا، في أحد أنبل العواطف الإنسانية.
3. ما هي أهم الخلاصات التي توصل إليها فروم في كتابه هذا؟
- من أهم خلاصاته هو تأكيده على أن هدف الحب المتحرر من كل قيود اللاشعور هي الوصول إلى القوة و الإتحاد: القوة النفسية و الإتحاد الوجودي النبيل في اقتسام، ليس فقط مرارة الحياة، لكن أيضا مُثُلا و أفكارا يسعى الإنسان إليها ما أمكن للتحرر من الكثير من الشوائب التي تعيق تطوره في الوجود. ذلك أنه يؤكد مثلا بأن الإنسان الأناني لا يحب ذاته بشكل مفرط القوة، لكن بضعف مفرط، و هو في لاوعيه كاره لذاته. و هذا ما يقوده إلى الحزن و الكئابة، و لربما إلى اضطرابات نفسية و سلوكية.
كما أنه يؤكد بأن الحب لا يعيش في مناخ صحي إذا كان مؤسسا على المنفعة (مبدأ الإمتلاك)، بل لابد أن يتأسس على وعي ناقد للذات و راغب في فهمها (مبدأ الوجود). و يتمظهر الحب الوجودي عنده في القدرة البناءة، في بذل الجهد، وهو بذلك يفترض الإحترام و الإهتمام و المسؤولية و العناية. و هو ليس حدثا نفسيا طارئا و مباغثا أو شعورًا مفاجئًا - كما يحلو لبعض الأفلام والأغاني تقديمه -، بل يفترض حب الإنسان كإنسان في كليته لا كشيء يمكننا إخضاعه لنا أو مادة نملكها لنتصرف فيها كما نشاء.

4. ما هي أنواع الحب في نظره؟
- بشكل موجز، هناك الحب "الإيروسي"، همه الأساسي هو إشباع الغريزة الحيوانية بكل السبل و مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص، و هو الأكثر انتشارا بين البشر. و هو أدنى درجة من الحب الوجودي. و يعتبر حب الأم لطفلها المثال النموذجي على هذا الأخير. فالأم التي تطعم و تعتني برضيعها، لا تقوم بذلك غريزيا فقط، بل بحب من نوع خاص، لا تنتظر و لا تطلب من رضيعها أي مقابل و لا أي اعتراف و لا تَحْسِبُه دينا عليه اتجاهها.

5. ما هي شروط الحب الوجودي عند فروم؟
لا يكون الحب ممكناً في نظر فروم إلا إذا تواصل شخصان معاً من مركز وجودهما. فالحب تَحَد دائم وتحرك ونمو وعمل مستمر ومشترك. و من بين شروطه الأساسية:
- النظام: هو التنظيم العقلي للأحاسيس و فهم مصدرها و أنواعها و خداعها، كم من شخص أعجب بشخص آخر و توهم أنه يحبه.
- التركيز: هو التحكم الواعي في الأحاسيس لمعرفة مدى قوتها و هل هي عابرة أم متجدرة في النفس، و هل هي غريزية، إيروسية أم وجودية.
- الصبر: ينتج أساسا عندما يجاهد المرء نفسه و هو مركز بوعي تام في التنظيم العقلاني لداخله و ترتيبه، قصد بدأ نقد ذاتي عميق، يقوده إلى فهم ذاته و التخلص من نرجسيته و خداع غرائزه، و بالخصوص الجنسية منها.
- الإهتمام: هو في العمق الإنفتاح على الآخر و التواصل الإيجابي معه و الإستعداد للتطور المستمر وجوديا معا، كيفما كانت المشاكل الوجودية.
- الإستقلال: بشقيه، المادي و المعنوي، و هو من ضمانات نجاح الحب الوجودي، لأن التبعية لا تسمح بأي حال من الأحوال بالتطور في الوجود.

6. هل "فن الحب" ردا على المجتمع الإستهلاكي؟
- بدون مجال للشك، لأن القيم الإستهلاكية وأشكال الحب الممسوخة و المخادعة هي المسيطرة في عالم الرأسمالية، وبالتالي فإن فهم فروم للحب هو قبل كل شيئ موقف وجودي و التزام بالنزعة الإنسانية. هناك إذن تراجع للحب الأسري والأخوي والأمومي وتقدماً لأشكال الحب الزائف والمؤقت و الغريزي، و هذا ما يفتح المجال "للحب الإستهلاكي" ومنه الحب البديلي الذي يعيشه الإنسان كمستهلك لصور الشاشة والمجلات والصور التي تنشر قصص الحب وأغانيه.
7. ما هو السبب الذي قادكم للإهتمام بتصور فروم للحب؟
- في إطار انشغالي ببحث حول "التوجه البيوفيلي في الإسلام"، و الذي قدمت نتائجه الأولية خريف سنة 2013 بمدينة بون الألمانية، خصصت في هذه الدراسة جزء للتصور الإسلامي للحب، و كانت دهشتي عظيمة، عندما اكتشفت بعدا وجوديا عميقا للحب في هذا الدين، بقي في الظل لقرون طوال و طغى التصور الغريزي في التراث السني الرجعي إلى يومنا هذا.

8. ما هو أساس الحب في الإسلام؟
هدف الحب في الإسلام هو التوحد بالله. و تنعكس هذه الوحدة بطرق مختلفة في المخلوقات. و الحب الحقيقي هو اكتشاف الوحدة في تعدد خاصيات الله. و نعثر في القرآن على الوحدة عن طريق الحب في العلاقة بين الرجل و المرأة: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة وَرَحْمَة إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الرحمان، أية 22). و يعتبر الحب في الإسلام الطريق و الهدف في نفس الوقت. إنه الطريق إلى السلم و هدفه هو الإتحاد. و تجربة الإتحاد مع "الزوج أو الزوجة" هي مقدمة للإتحاد مع الله. إذا نجح الرجل و المرأة في حب بعضهما البعض حبا حقيقيا، فإنهما يكونان مستعدان للطريق الذي يقودهما لهدف الحياة الإنسانية في هذا العالم من منظور قرآني، ألا و هو الإتحاد أو الوحدة مع الله.

10. هل يمكن للمرء أن يتحدث في هذا الإطار عن "فن الحب" في الإسلام، كما فهم ذلك إيريك فرم؟
- بما أن الحب هو فعل إرادي، استعداد و قرار للإرتماء في أحضانه، فإنه مرتبط بالصبر و بالتطور المستمر للمرء. ذلك أن الحب العميق يتطلب تطورا إيجابيا باستمرار. إنه تطور يميز بدقة بين الحب و السقوط في الحب. و يكمن عنصر التطور فيه في جعل السقوط في الحب حبا. بمعنى أن المرور من الشعور و الإحساس المتذبذب، لكن الإيجابي، اتجاه شخص ما، إلى قرار حبه هو تطور يتطلبه الحب نفسه، لأن هدف الحب هو الحب من أجل الحب، أي من أجل التوحد بالآخر، و ليس من أجل هدف فيزيقي أو مادي قد يقدمه شخص لشخص آخر. انطلاقا من هذه الإعتبارات، يمكن الحديث عن "فن" الحب في الإسلام.
11. ألا يعتبر كل هذا طوباويا مثاليا؟
- إن الحب في القرآن أكثر من شعور حسي، بل هو حالة نفسية و وجودية. لا ينتظر المحب الحقيقي من موضوع حبه (الشخص الذي يحب) لا مكافئة و لا اعتراف و لا أي مقابل لا مادي و لا معنوي. و قد عبرت رابعة العدوية على ذلك بدقة عندما قالت في إحدى صلاواتها: "يا إلاهي، إن كنت أعبدك خوفا من نارك، فاحرقني بها. و إن كنت أعبدك طمعا في جنتك، فاحرمني منها. لكن إذا كنت أعبدك لإرادتك، فلا تخفي عني جمالك المتجدد دوما".
إن الأمر يتعلق في الإسلام بالحب الخالص، الذي يشترط الطريق الداخلي، طريق النقد الذاتي و العمل على تطوير الروح. ما يُكَون طريق المحب في القرآن هو هذا المشي المستمر على و في الطريق و تجاوز الغرائز و المشاعر السلبية من أجل الإنصهار في الوحدة. و من بين السبل المؤدية إلى ذلك هناك حب الآخرين، و احترام كرامة البشر و مساعدتهم عندما يكونون في حاجة لذلك و المساهمة في تحسين الحياة العامة. و بهذا المعنى أمكن القول بأن حب الله يتضمن حب البشر و العكس بالعكس.

12. كيف يمكن إعادة الإعتبار للحب الوجودي في الإسلام؟
- الطريق السيار لهذا هو إعادة النظر الجدية و الراديكالية في موروثنا الثقافي و وعي كون الحب قد "أُعْدِمَ" في هذه الثقافة، و خير دليل على ذلك قصة حب النبي لزينب بنت جحش، و هو حب ملك عليه نفسه، لكن هذا الحب اصطدم بعقلية القبيلة و غابت إلى الأبد في ثقافتنا قصة رجل و امرأة جمع بينهما الحب، لنصبح كلنا يتامى في الحب الحقيقي و نعوضه بكل أنواع الحب التصعيدية الأخرى دون أن ننشف دمه و نحاول إشفائة. و قد كانت الخطيئة الأولى في الثقافة العربية هي خطيئة قتل الحب و ها نحن نحمل كلنا أثار هذه الخطيئة و لا نحاول حتى إصلاحها، بل نعمق الجرح أكثر و نمشي فرادى و جماعات إلى أتون الحب الزائف و الإستقرار في أدنى مراتبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو