الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الأبوى : موت العقل العربى

هشام الطوخى

2005 / 8 / 7
حقوق الانسان


نظريات نهاية العلوم ونهاية الحضارة ونهاية التاريخ لم تثبت مثاليتها ، فرغم توقف بعض المجتمعات عن انتاج الحضارة لا زالت مناطق جغرافية أخرى تخرج ابداعها الانسانى فى العلوم والصناعة والاقتصاد والفنون والرياضة وغيرها من المنتجات الحضارية ، وتثبت أنه مادام الكائن البشرى يوجد ويتناسل فلن توجد لحظة زمنية تصل فيها الحضارة الانسانية الى الكمال والمثالية المطلقة
وحين يعلن مجتمع ما وصوله الى تلك اللحظة فانه يعلن عزلته وموته . والتجمعات البشرية فى المنطقة العربية - مصر على سبيل المثال - أعلنت لحظات كمالها ومثاليتها بتواريخ محددة اعتمادا على أيدولوجياتها وعقائدها . هذه اللحظات المعلن عنها تتناثر فى التاريخ ويمكننا بسهولة تحديدها بالألفية الثانية قبل الميلاد (عصر الأسرات الحديثة ) و القرن الرابع الميلادى (قبول قسطنطين للتعميد واعلان المسيحية ديناً رسمياً للدولة الرومانية) و النصف الثانى من القرن السابع الميلادى (ظهور الاسلام ) و بداية الألفية الثانية (ازدهار الحركات الصوفية ) و القرن التاسع عشر (بداية عصر النهضة العربية ) و خمسينات القرن العشرين (التجربة الناصرية ) و سبعيناته ( عصر الحرب والسلام ) و ربع القرن الأخير ( يسمى فى اعلام مبارك بأزهى العصور فى كل شيئ )
كل التجمعات التى تتخذ من هذه التوقيتات الموضوية تاريخاً لكمالها ومثاليتها أعلنت - واعية او غير واعية - أن كل ما تحتاجه للمستقبل معد وجاهز فى كتب ومناهج الماضى ، وأنه لم تعد هناك حاجة للعقل الا لاعادة قراءته وتطبيقه ، وان الأمر لا يستلزم أكثر من الحصول على القوة والسلطة اللازمة للتمكين له ، وأنه مادام المستقبل هو الماضى فان أية محاولة للخروج عن الالتزام به باستخدام أى منظومة عقلية قد تبدع أو تنتج أفكاراً أو مناهج تتناقض أو تخالف مناهجه هو شيئ هدام وباطل . لذا فالمطلوب تحديداً لحماية المستقبل - رغم كل الشعارات الدعائية والتجميلية - هو موت العقل أو ايقافه
المنظومة العقلية تتكون من مدخلات و عملية و مخرجات
المدخلات هى المعلومات والأفكار و يمكن التحكم بها عن طريقين : الأول هو منعها من الوصول الى العقل الذى يجب حمايته عن طريق مصادرتها و منع تداولها بوسائل التداول المختلفة ، والطريق الثانى هو معالجة المعلومات والأفكار قبل وصولها الى العقل المطلوب حمايته وذلك بوسائل مختلفة كتشويه المعلومات والأفكار والتشكيك فيها واجتزائها من سياقها وتحريف نصوصها وتغيير معالمها لتغيير رسالتها وتدمير تأثيرها ، و هكذا يتم فرز وتنقية و توجيه معلومات وأفكار محددة الى العقل ولا يتم السماح بمرورغيرها
أما فيما يخص العملية نفسها - ولأنه لا توجد قدرة ما على منعها تمامًا فى وجود المخ البشرى - فان البديل المتاح هو بث الاختلال اليها عن طريق تدريب الناس منذ طفولتهم وحتى شيخوختهم على تقبل النتائج غير ذات الصلة بمقدماتها ، وبالتحليلات العشوائية ، والحوارات غير المترابطة ، والنصوص المفككة ، وبكل ما يمكن أن يفرغها من قواعد المنطق
أما المخرجات الغير مرغوبة فيتم كبتها فى عقول أصحابها ومنعهم من اعلانها عن طريق تخويفهم أو التضييق على حرياتهم الشخصية والاجتماعية أو ايلامهم جسديا أو تشويههم معنوياً أمام مجتمعاتهم أواعتقالهم وحبسهم أونفيهم أو اعدامهم ، وأما المخرجات المتسربة والتى لم يمكن منعها فيتم التعامل معها باعتبارها مدخلات جديدة باتباع الآليات السابقة

((نحن أبناء أبينا وأحباؤه ... بلهاء ورعاة جهلة ...لكن أبونا رجل يفهم ... هو شيخ المرعى ومعلمنا وكاهن أسرار المعبد ومؤسسه باسم الرب

المنظومة العقلية العربية اذا لم يمكن اعتبارها غير موجودة فهى مختلة الوجود ومريضة
واذا استمر هذا الوضع فلا مجال للحديث عن أى نمو أو تطور ، ولن يصبح لكل دعوات الذين نزلوا الى ساحة الشارع العربى فى مصر ليجربوا متعة الصراخ ضد الديكتاتورية والفساد وينادوا بالتغيير السياسى وتداول السلطة أى انجاز حضارى لأنهم - اذا تحققت مطالبهم - سوف يساهمون فى نقل مجتمعاتنا من أيدى سلطة موضوية مستبدة الى سلطة ستستبد لأنها موضوية
ما دام العقل العربى ميتاً ولم ينل فرصة لاحيائه فلن يوجد حديث عن مستقبل يوجد فى المستقبل وسيظل الحديث عن المستقبل الموجود فى الماضى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد اعتقال سنية الدهماني، محامو تونس في إضراب


.. جدل في بلجيكا بعد الاستعانة بعناصر فرونتكس لمطاردة المهاجرين




.. أين سيكون ملاذ الأعداد الكبيرة من اللاجئين في رفح؟


.. معتقل سري لتعذيب الفلسطينيين والعملية برفح تهدد بكارثة إنسان




.. نتنياهو يذهب إلى رفح رغم تصاعد المظاهرات المطالبة بصفقة الأس