الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوكرانيا : صراع التاريخ والجغرافيا والاقتصاد

خالد ممدوح العزي

2014 / 8 / 1
السياسة والعلاقات الدولية



اشارت وكالات الاعلام في 8 ديسمبر 2013 الى ان متظاهرين ينتسبون الى حزب الحرية القومي الاوكراني يكنون العداء لروسيا وزعميها الحالي فلاديمير بوتين قاموا بتحطيم تمثال مؤسس الدول السوفياتية فلاديمير لينين في ساحة التظاهر في العاصمة الاوكرانية كييف كرد ة فعل من قبلهم على عدم توقيع الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.
يعود تاريخ الازمة الحالية في اوكرانيا الى فترة ما بين عامي 1991-1998، ،والى فقدان سيطرة روسيا علىال سكان من ذي اثنية روسية. ففي حالة بلاد البلطيق والقوقاز واسيا الوسطى، والتي تعتبر مناطق اكثرية سكانها من غير الروس ، ويمكن اعتبار الانحسار الروسي كتراجع امبريالي او انهاء لحالة الاستعمار .وفي حالة روسيا البيضاء وأوكرانيا والنصف الشمالي لكازاخستان ،فقدت روسيا جزءا من منطقة سيطرتها التقليدية .ولم يكن لروسيا البيضاء قط كيان الدولة المستقلة وكذلك الامر بالنسبة الى شمال كازاخستان ،وفي هاتين الحالتين يمكن اعتبار السيطرة الروسية كنتيجة غربية لفوضى تحتدم حدودا صنعها الاتحاد السوفياتي.
فالغرب الذي توقع لأوكرانيا ان انفصالا نهائيا لم يكن واقعا ،فالمفكر الايمركي صموئيل هانتغتون في كتابه الصادر عام 1999 تحت عنوان "صراع الحضارات" كان اكثر قرابة من الحقيقة عندما يؤكد بان اوكرانيا سوف تعود مستقبلا الى الفلك الروسي وعلى ذلك لا نقبل منه النتائج والثوابت الدينية المرتكز اليها في تحليله لأوكرانيا كثوابت تاريخية كثيفة بعكس الكاتب والمفكر الاميركي الخبير بالشؤون الدولية زبيغنيو بريجينسكي في كتابه الصادر عام 1999 تحت عنوان" رقعة الشطرنج الكبرى" الذي يؤكد بان اوكرانيا انتزعت من روسيا نهائيا بفضل التغييرات الاقتصادية والجيو- سياسية .
ولكن من وجهة نظر اوكرانيا ،بان التجديد دائما من روسيا ،ونحن هنا امام ثابت تاريخي ،فالثورة البولشفية ولدت في روسيا ،وتحديدا في قسمها المسيطر تاريخيا فضاء واسع يحيط بمحور موسكو- بطربسبورغ .هنالك ولدت الدولة الروسية وهناك انطلقت الموجات التحديثية من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين،وهناك ايضا تم الاختراق الليبرالي في التسعينيات .وبدء في موسكو تقويض الشيوعية والموجة والاصلاحية المستمرة حتى يومنا هذا ،وانتشار بواسطة اللغة الروسية ،بينما لا تستطيع اوكرانيا لمفصولة عن روسيا ان تمضي ببطء في طريق الاصلاح مهما كان الهيجان الايديولوجي واللفظي لصندوق النقد الدولي .
فالحالة التي تعيشها اوكرانيا وعايشتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وابتعادها عن روسيا طوال السنوات الماضية على الرغم من وصول البرتقاليين الى السلطة لكن الاقتصاد الاوكراني مازال يعاني من عجز كبير جدا في الموازنة، وبظل ابتعاد الغرب عنها وعدم مساعدتها الفعلية من قبل صندوق النقد الدولي مما ادى الى الانهيار المتسرع لاقتصادها ووضع كييف في موقف حرج وصعب في قمة "فيلنوس الليتوانية" في 27- 28 نوفمبر الماضي، ابان توقيع الشراكة المشرقية التي رفضتها كييف بالرغم من كونها كانت مطلبا شعبيا وقوميا ورضخت لابتزاز موسكو المنطقية التي لا يمكنها الانفصال عن هذه المطالب . اختارت كييف مجددا العودة على خط روسيا لعدم الاستطاعة الفعلية الخروج عن هذا الخط الاصلاحي الذي يساعد اوكرانيا لاحقا على تحسين وضعها الاقتصادي الذي يساهم فعليا باستقرار سياسي واقتصادي .
يشير المحلل والباحث الاميركي ايمانويل تود في كتابه الصادر في 2003 تحت عنوان ما بعد الامبراطورية دراسة تفكك النظام الاميركي الى ان :" اوكرانيا ،تاريخيا واجتماعيا ، ليست سوى منطقة ذات بنية غير سوية ،وغير واضحة المعالم ،ولم تبرز الى العلن ظاهرة تحديث هامة ،لأنها جوهريا من اطراف روسيا وخاضعة لتحريض المركز ، ومتميزة في جميع العهود بطبعها المحافظ :"ضد البولشفية ،وضد السامية عامي 1917و1918،ثم اكثر تعلقا بالستالينية من روسيا منذ عام 1990 ".
وهذا التحليل الذي يعتمده الكاتب مرتبط بالأصل بنقطتين اساسيتين حسب الاطلاع على التاريخ السوفياتي:
1- بان قادة الحزب الشيوعي اغلبهم من اوكرانيا مما ادى الى وصول امينين عامين للحزب الشيوعي السوفياتي من اوكرانيا "ليونيد بريجنيف" وميخائيل غورباتشوف "اضافة الى العديد من الساسة والإعلاميين في روسيا هم من اصول اوكرانية.
2- الشيوعية وأحزابها في اوكرانيا لاتزال اوسع الانتشار من روسيا. فالحزب الشيوعي الاوكراني يمثل في البرلمان الاوكراني الدراجة الثالثة لجهة التمثيل الشعبي وعدد المقاعد عكس حال الحزب الشيوعي الروسي الحالي .اضافة لوجود عدة احزاب شيوعية وثورية راديكالية تتبنى التوجه الماركسي مقارنة مع روسيا التي بدأت هذه الاحزاب تختفي من الحياة السياسية .
لم يفهم الغربيون المخدوعين بقرب اوكرانيا الجغرافي من الغرب وبوجود اقلية دينية كبيرة من الاثنيات قريبة من الكاثوليكية ،ان اوكرانيا بإعلانها الاستقلال عن روسيا كانت بذلك تفصل نفسها عن الثورة الديموقراطية في موسكو وبطرسبورغ،و لو انها اتخذت وضعا تستهدف من ورائه الحصول على قروض من الغرب .ومع ذلك ،علينا إلا نبالغ في وصف الطابع المحافظ لأوكرانيا ،فالصعوبات التي تعاني منها للخروج من نظام الرئاسة السلطوية لا تقارن بتلك التي تعاني منها كازاخستان او اوزبكستان .
فالأحوال تغيرت مع نمو الاقتصاد الروسي العائد الى الساحة الروسية ودبلوماسية نشطة مرتكزة على قدرات عسكرية وتكنولوجية كبيرة مهمتهم اعادة دور روسيا للحلبة الدولية كلاعب قوي وخاصة في حديقتها الخلفية فإذا كانت روسيا تتحلل في عام 1991 لكن اليوم في العام 2013 تقرر وتفرض شروطها بواسطة امكانياتها المالية الهائلة التي تنافس الجميع وخاصة بظل الازمة المالية والاقتصادية التي تفرض نفسها على اوروبا والغرب وأميركا .
ربما الساسة والقادة الاوكران فهموا ولو متأخرا هذا التحول في السياسة العالمية، ما دفعهم الى اختبار الغرب في امكانية انقاذهم ، لكن الغرب كان بعيدا وغير مبال باأوكرانيا وهمومها، مما دفعها العودة الى احضان روسيا ، وبحسب جريدة "لوبوان الفرنسية"، الصادرة في6 ديسمبر الماضي اشارت الى ان الرئيسين الروسي والأوكراني في خلال اجتماعهما الذي حصل انذاك لم يوقعوا على اتفاق حول الغاز او الانضمام الى الاتحاد الجمركي الاقتصادي الاوراسي. من هنا جاء اللقاء السريع الذي جمع بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس فكتور يانوكوفيتش في قمة سريعة في مدينة سوتشي بتاريخ 7 ديسمبر الماضي ، بعد ان اخفق الغرب في توقيع اوكرانيا على قمة الشراكة ،والتي حاولت كييف فيه التوصل الى حلول سريعة مع موسكو بشان سعر الغاز والحصول على مساعدات مالية سريعة.
ومع ذلك فان السيناريو الذي يطرحه برجينسكي ليس غبيا ومناسبا الان في هذه الظروف التي تعيشها اوكرانيا .فهناك ما يلزم من تباينات ثقافية من اجل ان تأخذ اوكرانيا لنفسها وضعا خاصا . ولكن ، بما انها ليس ديناميتها الخاصة بها ،فلا تستطيع ان تنجو من روسيا إلا اذا انتقلت الى فلك قوة اخرى ،ومن هنا كان التردد الغربي في توقيع الشركة مع اوكرانيا لعدم استعداد الغرب في دخول بصراع مع روسيا على حسابه وحساب مصالحه الخاصة وبالتالي اوروبا تعي جيدا بان اوروبا بعيدة جدا ومفهوم مجرد غير ذي مضمون مادي ملموس ،فلا يمكن ان تصلح لان تكون اوكرانيا قوة موازية لروسيا وتوطيد دور اميركا على حساب اوروبا .كونها قوة اقتصادية حقيقية قلبها المانيا ،ولا تمثل قطبا عسكريا ولا سياسيا ،ولكن ولو شاءت اوروبا ان تصبح كذلك ،فانه لا مصلحة لها في ان تجعل من اوكرانيا تابعة لها ،لأنه بحاجة الى قطب يوازن روسيا لتحرر نفسها من الوصاية الاميركية.
يكتب المحلل السياسي الاميركي كريستيان كاريل في«فورين بوليسي» الأميركيّة،بتاريخ 22/11/2013 تحت عنوان "مستقبل اوكرانيا أوروبي"، بان كل الحكومات الاوكرانية عملت على توطيد العلاقات مع اوروبا فان عدم توقيع الشراكة كانت قد خيبت امل الشعب الاوكراني الذي كان يرى بلده اقرب الى اوروبا. وكون حجم التجارة
الاوروبية مع اوكرانيا لا يقل اهمية عن حجم التجارة مع روسيا .
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث اعلامي مختص بالشؤون الروسية ودول اوروبية الشرقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة