الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا وطنية بدون العداء لأمريكا وأتباعها

مصطفى مجدي الجمال

2014 / 8 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ليعذرني الأصدقاء قبل القراء.. أول مرة في حياتي أجد نفسي بحاجة لأن أسب وألعن.. نعم: أسب وألعن.. فقد طفح كيل الواقع الدولي الظالم بكل ما هو قاتل للروح والأمل، وللرغبة في التحليل والتعلم والمساهمة بالكلمة

دأبت طوال حياتي على محاولة الالتزام بالتحليل الموضوعي، أو "برأس باردة" كما يقولون.. أتعامل مع الحقائق فقط، وألتزم بالمنهج التحليلي الجدلي، وأحاول التمسك بمبادئ الأخلاق والإنسانية مع التحلي بقدر معقول من المرونة

النظام (أو اللانظام) الدولي القائم يرتكب الآن كل ما هو متخيل وغير متخيل من جرائم.. بدءًا من القتل، ومرورًا بتبريره، وانتهاء بعقاب الضحية وتوبيخها.. كل القيم الإنسانية تصبح محل شك في ظل هيمنة القوى الهمجية التي تدعي الحضارة والديمقراطية والحرية.. ربما كانوا هكذا فيما بينهم كنخب مالية وعسكرية مهيمنة على العالم.. لكنهم يكشفون عن حقارة نفوسهم وعنصريتهم الأصيلة والناجمة عن عبادة المال والعجل الذهبي والافتتان بالنفس إلى حد نفي الآخرين من الحياة نفسها وحرمانهم من أبسط مفرداتها والطمع فيما بين أيديهم من مقدرات

أخطر ما تفتق عنه ذهن الاستعمار القديم هو "فرق تسد".. فهم يريدون أن نقتل أنفسنا بأنفسنا.. ويسخرون علماء الأنثروبولوجيا والنفس والاجتماع والسياسة كي ينقبوا عن التناقضات بيننا وفي دواخلنا كي تتعمق الكراهية والتناحرات فيما بيننا بدلاً من التركيز على مواجهة "العدو الأول للجنس البشري".. لحضارته وربما وجوده.. أي الرأسمالية العالمية الطفيلية والعدوانية والمستهلكة للإنسان والمدمرة للطبيعة

بعد هذا التعميم.. انظر إلى الجريمة الفاحشة المتكاملة التي تجري على أرض غزة، وامتداداتها في الضفة الغربية.. فالبيت "الأبيض" والغرب عمومًا يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل ضابط صهيوني مفقود، بينما يرى أن هذا الكيان العنصري لديه "كل الحق في الدفاع عن النفس".. المجازر عندهم صارت نوعًا من الدفاع عن النفس.. وهو ما يساوي إبادة متكاملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد لشعب معذب منذ عشرات السنين.. ومئات الأطفال الذين يذبحون في همجية لم يسبق لها مثيل.. ناهيك عن البيوت والمنشآت المدمرة وآلاف ألأسرى الذين يتعرضون للتعذيب والقتل البطيء

حينما جاء أوباما تهلل "الديمقراطيون" في العالم لوصول رجل أسود إلى سدة الحكم في واشنطون.. وامتلأت صحفنا وقنواتنا العربية بالتحليلات المزيفة والساذجة مع الترويج الرخيص لرجل ثبت أنه لا يمكن أن يكون سوى ألعوبة في أيدي الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة والمهيمنة على عالمنا.. بل تورط "يساريون" كثر في الترويج لهذه الأكذوبة، ووجدنا الكثير من المتمولين الذين سبق أن هرولوا وراء مبادرات الإصلاح التي رعاها "الأسودان"- أيضًا- كولين باول (مجرم الحرب) وكوندوليزا رايس (إحدى ربات الشر في العصر الحديث).. وجدناهم يروجون لكلينتون والسفيرة الأمريكية الوقحة في القاهرة

هؤلاء الليبراليون (وبعضهم يساريون وقوميون متقاعدون) روجوا بحماس – وبمقابل- للديمقراطية الأمريكية.. ولم يروا من النموذج الأمريكي والغربي عمومًا سوى دورية الانتخابات وحرية الإعلام (وكلاهما يخضعان لسطوة المال).. وأرادوا لنا أن نتصور أن نظمًا سياسية غربية تمارس الاستعمارين القديم والجديد، وتسرق ثروات شعوب العالم الثالث، وتمارس الكراهية العنصرية تحت نظريات عنصرية عن صراع الحضارات والثقافات، ومؤامرات استخبارية لإنشاء وتنظيم جماعات إجرامية مثل القاعدة وطالبان وداعش (وهي الجماعات التي ربما تفقد الأجهزة التي ربتها السلطة عليها يومًا مثلما فقدت معامل البحرية الأمريكية السيطرة على فيروس الإيدز) لكي تعيث في وسطنا خرابًا وتقتيلاً، فضلاً عن تنصيب ودعم وحماية نظم حكم فاسدة ومستبدة وعميلة تمهد الأرض وتسويها لاستمرار النهب الرأسمالي مع مكاسب "تافهة نسبيًا" لنخب محلية ومحاسيب وعملاء صريحين

الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت سلاح التدمير الشامل هي ذاتها التي تطارد كل نظام يحاول أن يمتلك القوة العسكرية (فيما عدا إسرائيل المحمية من أية مساءلة دولية لأنها في حالة "دفاع مزمن عن النفس، والتي امتلكت السلاح النووي بمعونة فرنسية وأمريكية).. والدولة التي قامت على إزاحة وإبادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية ترعى بكل وقاحة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في إبادته للفلسطينيين، وستواصل تأييدها لتل أبيب حتى يتم ترحيل السكان العرب من فلسطين التاريخية إلى الأردن وسيناء

معروف للكافة أن النظام الرأسمالي العالمي يتعرض لتآكل مكوناته بفعل طبيعته نفسها.. ومن ثم تزداد الشراسة والوقاحة.. خاصة وأن قوى رأسمالية صاعدة أخذت هي الأخرى تنافس الرأسماليات الراسخة، الأمريكية والأوربية واليابانية، التي تمثل ثالوث النهب "المنظم قانونًا وقسرًا" في عالمنا.. وهكذا لا بد أن تزداد العسكرة، وأن يزداد اللجوء إلى حروب الوكالة والمنظمات "الجنوبية" العميلة التي تؤدي أدوارها في التشويش على قضايا الحرية والاستقلال والتقدم والعدالة (على كل المستويات)، وإلى جانب هذا وذاك: هناك الاستخدام المكثف لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وأجهزة الإعلام الجبارة المكلفة بتلويث وتغييب العقول وتدمير كل فكرة جميلة على كوكبنا

إن أكثر ما يسوءني أن أجد بعض القوى الوطنية والمحلية تتناسى كل هذه الحقائق، وتحاول الخروج من مآزقها بالاستعانة بالأمريكان أو أوربا.. وكأنها لا تعلم أن الغرب هو من زرع إسرائيل لأهداف معلومة، وأنه سيحميها حتى لو تطلب الأمر طحن عظامنا

وأتعجب أكثر من قوى تدعي الاشتراك في ثورات ديمقراطية تستنجد بطائرات وصواريخ واستخبارات الناتو وذيوله كي تساعد في إنشاء نظم ديمقراطية متوهمة، وهي الخطيئة التي ألحقت بشعوبنا في ليبيا وسوريا واليمن ومصر أهوالاً فوق أهوال

وأتعجب كل العجب من بلاهة بعض "النشطاء" الذين تدغدهم دعوات الإدارات الأمريكية والأوربية للإفراج عن هذا الناشط السياسي أو الحقوقي بالذات.. لأن هذه إن لم تكن علامة على التبعية، فهي على الأقل علامة على محاولات الاستيعاب.. أما النشطاء الذين يوجهون جل نشاطهم إلى الخارج في أوربا وأمريكا فإنهم واقعون بين خطري الوهم والانزلاق إلى العمالة

خلاصة القول أني أوشك على الاقتناع التام بأن وصف ديمقراطي أو وطني (ناهيل عن: يساري) لا يستحقه أي فرد أو جماعة أو نظام لا يدرك أن البوصلة السليمة لكل نضاله، وفي كل مراحله، لا يجوز أن تنحرف عن العداء الصريح للهيمنة الأمريكية والأوربية.. ناهيك عن أذيالهما.. وبغير هذا نكون كالمستجير من القاتل بالقاتل نفسه

الرأسمالية العالمية هي العدو الأكبر للجنس البشري

وبدون الاعتراف بهذه الحقيقة، والنضال على أساسها، ستكون قضيتك محل شك- على الأقل- في عيوننا، وفي حكم التاريخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|