الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت للساسة و للسياسة

عماد عبد الملك بولس

2014 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الموت الذي أقصده هو موت المهنة التي صارت سيئة السمعة و بالتالي سقوط ثياب الوظيفة و تَعَرٍي المتغطين بها فلا يعودون للاشتغال بها و يتوبون عما امتهنوا و عن المهنة التي صارت حقا يُرادُ به باطل و خيرا لا ينتهي إلا لشر، و كلام حلو لا يحتوي إلا السموم.

فالساسة يبيعون لنا الكلام الذي لا يجيدون غيره، و بثمنه يتسيًدون علينا و يملكون رقابنا و يقذفون بنا في حمأة الفقر أو أتون الحروب أو ما هو أشر: فقدان الهوية الإنسانية أو الوطنية، و يدًعون الفهم و العلم أكثر من المواطن العادي و هم بهلوانات لا تجيد إلا ألعاب المشي علي سلك الكلام بلا نتيجة، يُحَلٍلون المصائب بدلا من مواجهتها، و يتأملون الكوارث بدلا من القضاء عليها، و يملأون المشاهد و يحيطون بالأسماع و ينتشرون في هواء تنفسنا ليستقروا في عقولنا كالوسواس و الهلاوس و المرض العقلي الآسر المدمر، و يفاجئوننا إذا استطعنا النوم منهم في كوابيس و يغتالون أحلامنا و سعادتنا بأوهام يبيعونها لنا كالعقيدة و المقدسات و الآثار النفيسة المُطَهًرة.

يبيعون لنا مباديء معلَبة و محفوظة و مُخَلًقة و دخيلة و غريبة بلا أي فائدة إلا ابتزاز مجهودنا و أعمارنا بل و مستقبل أولادنا بل و خيرات بلادنا لحشو جيوبهم بالمال و تدعيم استقرارهم علي كراسي السلطة، أو في بورصة تجارة الأحلام، و يقلِبون و يُقيمون المعاني و التفسيرات كما يتراءي لأهوائهم و أهدافهم، و يخبروننا بالشيء و عكسه، و يستحلٌون دماءنا ثم يُحَرٍمونها كما شاءوا و كما أشارت لهم المصلحة و المنفعة، التي ليست في الغالب مصلحتنا و منفعتنا. ثم هم لا يفتأون يُصِرٌون أن بضاعتهم هي الأرقي و الأنفع و الأجدي بل و الأقدس (!) و مثلهم كمثل أمراء الأديان، يجتذبون الأتباع كالذباب ثم يهشونهم كالذباب أيضا.

يتدافعون إلي مجلس الأمة أو مجلس الشعب، أو أي سلطة أو نافذة إعلامية أو حتي كرسي أستاذية مقدس (ليمتهنوه) و يشترون الكرسي ليس فقط بالأموال، و لا بالدسائس و لا بالخيانة و لا ببيع المباديء التي يدعونها فقط و لكن ببيعنا نحن أيضا – الذين ننتخبهم – لمن يضمن لهم استمرارهم في اللعبة السياسية بأي شروط، فمن شروط اللعبة التجارة بالبشر، و ليس فقط بعرق و أفكار و أجساد البشر، و لكن بما هو أعلي و أغلي، بأحلامهم، بآمالهم، بحريتهم، و بمستقبلهم و في كل الأحوال بدمائهم.

هي مهنة بلا شروط أو مؤهلات، فمن حق أي مدعٍ بلا أدني مؤهلات، ولا حتي القراءة و الكتابة، أن ينتسب لها، فلا يوم صنع و لا يوم زرع و لا يوم خَدَم أحدا، و للسخرية يظل يرتفع و يترقي حتي يصير نصف إله، أو حتي إلها كاملا يُعبَد و يُسمع كلامه و تسكت لكلامه العقول، و تستكين الهمم بل و تنقاد حتي الضمائر و النفوس و السواعد و المصائر و المآلات... و كل ما يميزه هو القدرة علي اللعب بالكلمات و ليٍ الحقائق و رسم الأوهام الملونة المغلفة بالعسل و المدهونة بالمتناقضات الجذابة و الغموض المثير لخداع قليلي العقول.

صِرنا أمة ملتبسة، حائرة تائهة غارقة في شبر أفكار، لا تُمَيٍز الفكر الصحيح من الخاطيء، لا تفهم الأبجديات، و تتوه عن هويتها، و تتساءل عن ألمها و هو فيها مقيم و زاعق بالوجع، صرنا لا نري الحقائق حتي إن أكلناها و شربناها، صرنا لا نفقه صالحنا و لا نميز ما يؤذينا مما ينفعنا، و حقً علينا قول المتنبي:
و ليس يصِحٌ في الأفهامِ شيءٌ
إذا احتاجَ النـهارُ إلي دلــيــلِ

فإن كانت أفضل نتائج العلم و الحكمة كلاما ملتبسا لا يؤدي إلي فهم و تنوير و إيجابية و تغيير حقيقي، فلا لزوم لهذا العلم و لا لهذه الحكمة، إن كان كل نتاج السياسة تأملا و اطمئنانا إلي الفهم ثم لا شيء فما أتفهها، و ما أتفهنا إن صَدًقناها، و ما أجرمنا إن اتًبَعنا أساطينهم و اتخذناهم أولياء بل وكلاء أبديين علي مستقبلنا و مستقبل أولادنا. فنحن أيضا مجرمون لأننا تُهنا و خُدِعنا و تصورنا أن السياسة و الساسة طوق النجاة، و أنهم بديل عن العمل و الاتحاد و الانتباه إلي اللصوص و الدفاع عن حقوقنا من القريب قبل الغريب.
البديل هو قادة حقيقيون لشعوب فاهمة، متيقظة، مُهَدًفَة، لا تتوه عن هدفها أو مصلحتها، شعوب تُدرِكُ الخدعة و تنأي عنها، و تشتري الصدق و الأمانة، البديل هو قادة فاهمون لشعوب فاهمة يستنير فكرها، شعوب تُقيم العدل و الحق داخلها و بفعلها و ليس بالكلام و الطنطنة و الغناء الفارغين، و هؤلاء القادة يُنتجهم هذا الشعب الفاهم و المتمسك بحقه حتي إن لم يطلبوا سلطة و لم يسعوا لها.

و لا بديل لنا نحن الشعوب العربية عن أن نستفيق و أن نمسك بزمام مصيرنا و نتحري العدل و الحق داخلنا قبل أفواهنا، و أن نتحد فلا نتفرق بالكره القاتل لجميعنا، و لا بالكِبر المدمر، أن ننفجر فهما و تمَسُكا بالحق – حق الكل – فرعب أكبر سوف يجيء كما قال المرحوم صلاح عبد الصبور في "يوميات نبي مهزوم يحمل قلما ينتظر نبيا يحمل سيفا":
"هذا قولي
انفجروا أو موتوا
رعب أكبر من هذا سوف يجئ
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت أو ببطون الغابات"
....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة