الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمون وشهوة السلطة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2014 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



لن يتأخر الاخوان المسلمون عن تلبية أية دعوة قد يطلقها النظام السوري لبدء مفاوضات تقود الى تسوية سياسية يتم فيها تقاسم السلطة، وينهي حالة الحراك الثوري السوري، دون أي اعتبار للقيم والتضحيات التي قدمت على مدار اكثر من ثلاث سنوات. تلك الاستجابة ليست غريبة عن هذا التنظيم البراغماتي الذي خبرناه طوال أربعة عقود كانت فيه قوى المجتمع المدني السوري تعزز معارضتها السياسية للنظام، باتجاه التغيير الديمقرطي، واستعادة الحريات، في الوقت الذي كان يخوض فيه "الاخوانيون" صراعاً من أجل الاستيلاء على السلطة.
قفز الإخوان الى واجهة الثورة السورية، وحولوها الى حركة مسلحة، ومن ثم بسطوا سيطرتهم على مفاصل المعارضة، بفضل امتلاكهم لمقومات ثلاث هي التنظيم السياسي، والمال، وشبكة العلاقات الاقليميمة والدولية. استغلت ذلك في المبادرة الى تعزيز وجودها في الشارع السوري، كقوة خفية ناعمة، تدرجت في التوسع والامتداد، استعادت فيه صراع الثمانينيات ومجازر النظام، كإرثٍ " إخواني " قدمته كحركة انتفاض وطني ضد النظام، بينما هو في جوهره صراع على السلطة بين نظام "البعث الأمني" وحركة "الإخوان المسلمين"، أداتيهما الطليعة المقاتلة، والأجهزة الأمنية والعسكرية لسلطة الأسد.
التنظيم العالمي، هو مرجعية الاخوان، وهو مصدر قوته ودعمه. وهدفه بناء الدولة الإسلامية. لسنا بصدد وسم الأهداف والغايات، وقد أضحت مُدركة من قبل المجتمعات العربية، غير ان سياسات الجماعة ومسلكياتها هي ما تعرّف عنها، كتنظم لاولاء وطني له، وبالتالي فإن القضية السورية، تأتي تالياً في فهم تنازع السلطة مع النظام. لذلك كان أداؤها نابعاً من خدمة اهدافها وتوجهاتها تصب في خدمة استراتيجيات العمل اليومن في سياق " الثورة السورية " .
لقد تمكنت من اعادة بناء تنظيمها، عبر بناء مؤسسات " أهلية "، وفقاً لرؤيتها : مجتمع مدني اسلامي. لكنها مرتبطة بهيمنة التنظيم وتعاليمه، وتجيير أنشطة المجتمع لصالح دعاوتها السياسية، وأخضعت المؤسسات التي تتشارك فيها مع القوى السورية الأخرى، لسيطرتها عبر وسائل متعددة، بما فيها العمل العسكري.
لم يكن أداء الإخوان المسلمين حسناً. ليس ثمة اعتقاد بالعمل الجماعي، او المشاركة الحقيقية والفعّالة، وكانت بفعل " قدرة التأثير " قوة تعطيل لقوى الثورة الديمقراطية المدنية، التي لاينقصها الضعف وغياب التنظيم والاستراتيجيات. وكان تدخلها المباشر فجّاً يماثل فعل القهر في فرض سياساتها على الأرض. لكن ذلك لم يمنحها القوة كي تكتسح مشهد المعارضة السورية، بكل ما امتلكته من قدرات المال والسلاح والعمل المؤسسي. لم تستطع حركة الاخوان ان تكتسب ثقة المجتمع السوري، ليس فقط بسبب من إرثها الدموي، أيضاً من الاقصاء والتهميش الذي تتعمد ممارسته بحق التيارات والقوى السياسية الأخرى..يضاف الى ذلك مناوراتها السياسية التي تقترب فيها من النظام وتبتعد عنه، بما ترى انه يحقق لها فاعلية ودوراً اكبر في المستقبل. ويدرك السوريون كم هي محاولات الاخوان التي بذلت من أجل المصالحة مع النظام السوري، على قاعدة المشاركة في الحكم، إن لم نقل "اقتسام السلطة" دون أن يعني ذلك تطوراً في الحياة الديمقراطية. فشلت تلك المحاولات التي تقدمت بها الحركة مباشرة، أو عبر وسطاء من التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، وغيرهم ممن هم مقربون في فترات تاريخية ما من نظام الأسد.
ارتهان الحركة للتنظيم العالمي، يقوّض فرص امكانية الحوار الوطني بين فرقاء المعارضة السورية، على قاعدة العمل المشترك لدولة مدنية. ذلك ماهيأ لها بناء سلطتها داخل المعارضة السورية، وتعزيز وجودها على الأرض، تمهيداً لفرض مكانتها ودورها، في أي تحول أو تسوية قادمة. ليست الحركة معنية - الى حدّ ما - بمجريات الحراك والعمل العسكري مع النظام، بقدر انشغالها بالنتائج، وفي خوض معركة الاستحواذ على اتخاذ القرار. لذلك لم تكن معنية ببناء علاقات ايجابية مع مكونات المجتمع السوري على اسس الندية والشراكة في الإطار الوطني.
قد تبدو سيرة الاخوان المسلمين هي ذاتها السيرة المعطوبة في أماكن انتشارها، ووظيفتها هي ذاتها، طبقاً لعالمية التنظيم، في بلدان " الربيع العربي ". نستطيع بكل وضوح تلمس وقائع وخيوط التحالفات على أساس إخوّة التنظيمن وليس مصالح المجتمعات وثوراتها على الإستبداد.
في جميع الأقاليم، امتطت حركة الاخوان المسلمين موجات الثورات العربية، وحصدت نتائجها، أو انها تسعى الى ذلك، وكان لها دور في التسليح، في مواجهة قوى العمل المدني، القوى الأساس المكونة لحراك الانتفاضات العربية ضد الاستبداد والديكتاتورية، فأسبغتها بالهوية الإسلامية، وهي تعطل كل مشروعات النهوض الوطني، في المراحل الانتقالية، ماقبلها وما بعدها. نلاحظ ذلك في ليبيا اليوم، في الوقت الذي كان ينظر فيه السوريون باهتمام الى تجربة ليبيا الانتقالية، سرعان ما أوجد الاسلام السياسي ظروف الفوضى الدامية مرّة أخرى، من أجل الاستحواذ على السلطة. وهي ذاتها التي تمكنت من الوصول عبر صناديق الاقتراع في مصر، فأضاعت فرصة تاريخية في تجربة حكم الاخوان، لأنها لم تنظر للمجتمع سوى انه تابع لها من منظارها الإخواني. في تونس واليمن يلعب الاخوان دوراً لايخدم أعادة بناء المجتمعات على أسس المدنية والمواطنة. وفي سوريا لم يتمكنوا حتى اليوم من ادخال الطمأنينة الى نفوس السوريين، وحيازة ثقتهم، بأنهم لن يخوضوا صراعات من أجل الاستحواذ على السلطة، بأي ثمن، وبأنهم لن يقودوا البلاد الى مزيد من الفوضى.
ثمة فرصة تاريخية كبيرة أمام حركة الاخوان المسلمين السورية، بأن تقترب من بعدها الحقيقي في الانتماء الوطني، ىأن تكون حركة سورية، في إطار تنظيمها العالمي. أن تعيد بناء تنظيمها وقدراتها على أساس المشاركة الوطنية، التشارك في بناء المستقبل مع كل الأطراف، وان تسخر قدراتها وامكانياتها وعلاقاتها الدولية، لخدمة المصلحة الوطنية السورية، أن تفكر بالوعي الجمعي السوري، بعيداً عن التنازع والمحاصصات والمغانم. الثورة السورية ليست مغنماً، بل وسيلة السوريين من أجل الخلاص واستعادة الحرية، وبناء دولة القانون والمواطنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة