الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمس سنوات عجاف أخرى

بدر الدين شنن

2005 / 8 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بمبادرة من الإتحاد العام لنقابات العمال ، عقد بدمشق في منتصف السبعينات من القرن الماضي المؤتمر الإنتاجي الأول ، شارك فيه كبار المسؤولين السوريين وعدد من الأكادميين والخبراء الإقتصاديين في سوريا ومن بلدان عربية أخرى . وكان المحور الأساس في أعمال المؤتمر كيف يمكن رفع وتحسين مستوى الإنتاج ، وتحقيق نهوض اقتصادي في البلاد يوفر فرص التقدم واللحاق بالبلدان المتقدمة ، من أجل تحقيق نهوض سياسي يجعل من سوريا ، القوية اقتصادياً والقوية سياسياً ، دولة قادرة على تحرير أراضيها المحتلة ، وعلى أداء دورها القومي والدولي . وقد دوى في فضاء قاعة المؤتمر شعار كان يحلو للنقابي المرحوم محمود سلامة ترديده في مقدمة وختام مداخلاته في المؤتمر " إن من يملك القرار الإقتصادي يملك القرار السياسي " . وكان يعتقد مع بقية النقابيين واليساريين في حينه أن توسيع القاعدة الإقتصادية عامة والقطاع العام خاصة سيؤدي إلى تعاظم دور الطبقة العاملة في حياة البلاد ، وامتلاك قوى " الثورة الاشتراكية " للقرار السياسي ، الأمر الذي سيفضي إلى التغيير الإجتماعي الحاسم لصالح الشعب الشغيل ، وإيجاد القاعدة المادية لبناء الاشتراكية . وقد تم ، بحبور معلن ، تسريب خبر توظيف أربعين مليار ليرة سورية ، أي ما يعادل عشر مليارات دولار في حينه ، عن طريق التضخم النقدي ، في الخطة الخمسية الرابعة . ونام الجميع على وسائد الحلم بامتلاك القرار الإقتصادي غداً .. وامتلاك القرار السياسي بعد غد .. وطال الإنتظار ثلاثين عاماً ولم يأت الحلم

ما الذي جاء .. ما الذي تحقق عملياً خلال الأعوام الثلاثين الماضية نتيجة تفاعل معادلة " اقتصاد / سياسة " حسب المنظور السبعيني ؟ لقد ثبت ، ولاشك أن المرحوم محمود سلامة قد أدرك ذلك قبل وفاته ، أن لبلدان العالم المفوتة لأسباب تاريخية قوانين وآليات مختلفة عن البلدان الصناعية المتطورة المسماة بالعالم الأول أو المركز . فهنا في العالم المفوت ينقلب الميزان ، ويصبح من يملك القرار السياسي يملك القرار الإقتصادي . وأكثر من ذلك إنه يملك القدرة على اللعب في بنية التمايزات الإجتماعية ، ويعيد هيكلة الطبقات . صحيح أن ما يعاد بناؤه بالسياسة يرتد لاحقاً على مالك القرار السياسي بإخضاعه قسرياً لمفاعيل القوى الإجتماعية الجديدة ، إلاّ أنه طالما بقي مالكاً للقرار السياسي تبقى البلاد مرتهنة لحالة من الإهتزازات والإنزياحات الإجتماعية التعسفية المشوهة ، ويبقى الإقتصاد مهما بلغ من التراكمات " الطفيلية " غير قادر على النهوض ومعرض للإنهيار عند الأزمات السياسية ذات البعد الكارثي . وهذا ما آل إليه النهج السياسي - الإقتصادي الذي مورس في سوريا
في العقود الثلاث الماضية ، ونعاني من نتائجه المأساوي على كل الصعد الآن . فلكي يمتلك أولو الأمر الإقتصاد وعوائده كان لابد من امتلاك السياسة .. من امتلاك سلطة تمكنهم من سحق أية معوقات أمام تحقيق مطامعهم الإقتصادية . ولهذا كان قانون الطوارئ والأحكام العرفية .. والإعتقالات .. والإعدامات الظالمة . وبهذه الآليات السياسية والقمعية تحول أهل الحكم من مجرد موظفين إداريين أو معلمين إلى مليونيرية ومليارديرية ، وأصبح الفقر سمة مهينة من سمات مجتمعنا

غير أن المرحلة الأشد بؤساً في تاريخنا المعاصر ، هي وقوفنا الآن مرة أخرى ، في منصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ، أمام نفس المعادلة الخطأ التي وقفناها مغفلين في منتصف السبعينات ، أمام معادلة " إقتصاد / سياسة " التي يبشرنا هذه الأيام بها السيد نائب رئيس الوزراء الدكتور " الدردري " بالخطة الخمسية العاشرة ، التي حسب زعمه ستد شن عهد " اقتصاد السوق الإجتماعي " وستمكن البلاد من معالجة أزماتها الإجتماعية والمعاشية شريطة أن نضع السياسة جانباً .. إذ قال بالحرف " إن حقوق الإنسان تعني قوته واحتياجاته وليس تأسيس أحزاب ومظاهرات " . أي أن على الشعب الإنتظار خمس سنوات ظالمة عجاف أخرى ، حتى تؤتي خطته الخمسية أكلها ، وبعدها يمكن للكماليات السياسية أن تأخذ مساحتها المناسبة للخطة الإقتصادية اللاحقة . وهي وقوفنا مرة أخرى أيضاً أمام مناخ قمعي جديد يتناسب و " ضرورات التراكم الرأسمالي " الجديد ومتطلبات تطبيع المجتمع مع اقتصاد السوق الإجتماعي المؤلمة .. أمام مستقبل مجهول مركب سياسي واقتصادي واجتماعي

إن ا ستمرار إلغاء السياسة ، أي اعتبار " الإصلاح السياسي " مؤجلاً ورفض حضور الأحزاب والتظاهر والصحافة المسقلة ، يدفع إلى الشك المشروع المسبق بمصداقية وجدوى الخطة الخمسية العاشرة جملة وتفصيلاً ، ويدل بوضوح على أن وراء هذه الخطة ما وراءها من تدهور إقتصادي وإفقار وإذلال . إن الخوف من الرقابة والشفافية لايبرهن على النوايا الحسنة وإنما على نقيضها

وعليه يمكننا القول ، خلافاً لزعم أحد ممثلي النظام في لقاء تلفزيوني جرى منذ أيام ، إن هناك غراماً شديداً لدى أهل الحكم با ستمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية والقمع للقوى الشعبية وطلائعها السياسية المعوقة لخطط النهب والإثراء السلطوي للسنوات الخمس القادمة على الأقل ، إن بصيغتها الموروثة الفجة أو بعد تجميلها بتعديلات مكشوفة سلفاً

السياسة .. الفعل السياسي أولاً .. امتلاك القرار السياسي .. هو الذي يفضي إلى امتلاك إقتصاد متوازن علمياً واجتماعياً .. ويخلق ما يوازيه من إزدهار وحرية وعدالة وكرامة









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض