الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعُ الحداثة يتوسع!

عبدالله خليفة

2014 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



معركة التحول تجري بصعوبة وبإثارة قوية ورهيبة في الجزيرة العربية، مجتمعات قفزت من الانغلاق الكامل والانقطاع عن التواصل البشري العالمي العادي إلى أن تنفتح في أشياء كثيرة واسعة، وتتحول شاشاتها وأجهزتها وميادينها إلى انفتاح هائل على كل المنجزات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية!
هناك قوى اجتماعية محنطة لقرون وراءها كتلٌ سكانيةٌ عاشتْ على أن المحافظة الشديدة هي سبيلُ البقاءِ والطهرِ والأخلاق، وغدا البيت المغلق هو الوسيلة الوحيدة لتجنب الشرور، يرفدها تدينٌ قوي مؤسسٌ على العباداتِ بتفاصيلِها الدقيقة، والكائن الذي تنهمر على رؤوسه كلُ قوانين الفضيلة والأوامر الباترة والقوانين المانعة الشاملة الساحقة هي هذا الكائن الرقيق الرهيف المسمى امرأة!
ليس لها سوى البيت، وليس بعيداً عن حياتها تلك الوصية بألا تعرف سوى بيتين، الأول بيت أبيها والثاني بيت زوجها ثم تذهب إلى المقبرة!
وفجأة تتغير أشياء كثيرة، وتندفع الجزيرة العربية في دروب العالم الحديث، الجامعات، الأسفار، الثقافة الحديثة، تغلغل الليبرالية، تفجر أصوات الحريات، جنباً إلى جنب مع رشاشات الإرهاب وتفخيخ البيوت واغتيال الحداثة!
غدت المرأة بدلاً من أن تكون عشباً في مقبرة صارت كاتبة! وحتى صورتها في الجريدة تغدو محل تساؤل واتهام!
تقول إحدى الصحفيات رداً على الهجوم المتواصل لكونها امرأة تحديثية ليبرالية:
(وللأسف كثير مما يتداوله «الفاشلون» في إساءتهم وصل إلى حد الصفاقة والسفاهة والقذارة، ضاربين بكل قيمة أخلاقية حثهم عليها الدين الذي يتحدثون باسمه بكل تطرف أجوف؛ مستغلين جهل البسطاء من الناس وضعف قدرتهم الفكرية؛ وهم «يفبركون» شائعات وشتائم ومقالات تنقصها الحجة والبرهان وحتى الصياغة الكتابية؛ ولا يتورعون فيها أو يستحضرون الخوف من الله تعالى وهم يستشهدون بآيات كريمات وأقوال نبوية شريفة؛ على باطل هواهم وعنصريتهم؛ ثم يروجونها وأذيالهم باعتبارها نوعاً من الجهاد).
ومن جهة ينطلق الآخرون بالهجوم الواسع اليومي عبر كل مناسبة صراعية طائفية: (شن البعض وبمعاونة مكشوفة من الليبراليين والعلمانيين هجوماً شرساً على الشيخ محمد العريفي الداعية الإسلامي المعروف).
صراعٌ يجري في كل مكان، صراع أيديولوجي متوتر عنيف، حول قضايا جوهرية أو حول فقاعات عابرة، تعبيراً عن صدام موجتين كبريين تحديثية هشة وتقليدية راسخة صخورية ذات أنياب.
ومن هنا يغدو نشر التنوير والوعي النهضوي في حد ذاته مسألة خطرة، ويرى المثقف السابق ذكره، وبؤرة حديثنا هنا، إبراهيم البليهي أن التعليم خاطئ والإصلاح خاطئ إذا لم يحدث في المجتمع بدايةً تنوير واسع، وتثقيفٌ كبيرٌ للنخب، وهو أمرٌ لا يمكن خلقه، لأن التنويرَ مترابطٌ مع المعارك الاجتماعية والسياسية، ولا يوجد مجتمعٌ يخصصُ فترةً تمهيدية تنويرية ثم يبدأ بعد ذلك التغيير السياسي!
والتنويريون والحداثيون مضطرون أن يتثقفوا ويثقفوا ويصارعوا، والمجتمع الذي تأخر في التنوير والإصلاحات السياسية والاجتماعية يدفعُ ثمنَ هذا التأخر من دمِ أبنائه وبناته.
إن البليهي وهو يصدرُ من موقعين رسمي وشعبي متداخلين، يعبر عن هذه التأملية السياسية الحكومية التي تريدُ قيادةَ المجتمع بطريقة متدرجة، ولهذا يعرض البليهي خطوطاً إصلاحية ثقافية وتجريدية ويجلب استيراداً غربياً يعتبره نموذجياً.
وهو يعرضُ هذه الأفكارَ على القارئ العربي المحافظ غالباً، ناصحاً إياه بتقليدِ الغرب الحضاري الحداثي الإنساني. ويجري ذلك بشكلٍ أخلاقي، تعميمي، تجريدي، في حين أن القارئَ المحافظ غالباً لديه حساسية شديدة من الغرب!
إن البليهي يقطعُ الغربَ من جذورهِ ومن تناقضاته، فهو شركات غازية، وأساطيل مسيطرة، ومواد مُستنزفة، وهو مؤسسات ديمقراطية كذلك، وثقافة متطورة إنسانية تراكمت على مدى قرون، وهو أخلاقية مهذبة غالباً في الأوساط الحديثة وإجرامية لدى المافيات وفي الشوارع الخلفية وأحياء الأجرام وقوى المخابرات والجيوش المتدخلة!
غالباً ما تقود الدروس والعظات التجريدية والمحبة العشقية للغرب إلى عكس ما هو مرجو لها، فالحفر الموضوعي، وقراءة التضادات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، ورؤية خيوط الإيجابيات والسلبيات، هي السبيل لخلق مثل هذا القارئ الموضوعي المطلوب، لكن مثل هذه الموضوعية تتعثر في كتابات البليهي نظراً إلى منهجية التجريدية المحلقة فوق التضاريس الاجتماعية المتضادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم