الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلة الوعي السياسي وإخفاقات التغيير السلمي في سوريا

عفيف رحمة
باحث

2014 / 8 / 3
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لقد بات واضحاً حجم الإخفاقات السياسية التي منيت بها المعارضة وعجزها في فرض شروط ‏التغيير السلمي للإنتقال من نظام أوليجارشي استبدادي إلى نظام دستوري يضمن للشعب السوري ‏حقه الديمقراطي في رسم خياراته الإقتصادية والسياسية.‏
هذا العجز رغم مأساويته لا يجب أن يفهم إلا بإطاره التاريخي وأسبابه الموضوعية، ذلك ان الرموز ‏المعارضة خاضت بشرف معركة دونكيشوتية في مواجهة حصار سلطة متمرسة ومتمترسة أمنياً ‏دون أن تجد هذه الرموز لمعركتها أي إرتدادات شعبية بالمعنى الثوري للكلمة.‏
من ناحية لم تنجح قيادات المعارضة في تشكيل حركة سياسية منظمة قادرة على فرض شروط ‏ومسارات التغيير، ومن ناحية أخرى فشلت في إحتضان الحراك الشعبي الثائر وتولي قيادته لتحويله ‏إلى قوة ثورية منظمة تلزم الزمرة الحاكمة التخلي عن خياراتها القمعية والرحيل.‏
بالطبع لا يمكن إلقاء اللائمة على هذه الرموز المعارضة التي تأرجحت مواقفها بين النرجسية ‏النضالية حيث تحركت معتمدة على تاريخها الشخصي متجاهلة واقع مجتمعها المسلوبة حرياته ‏السياسية منذ عقود، وحالة من الثورية الطوباوية التي لم تلقى صدى واستساغة من الشرائح الشعبية ‏الثائرة رغم حاجة هذه الأخيرة للتغيير، واقع أبسط ما يمكن القول به أنه نتاج فراغ سياسي وتنظيمي ‏تجذرت أسبابه عبر أربعة عقود من نظام حكم سعى جاهداً لإنتاج مجتمع منصاع فكرياً واجتماعياً ‏ومناقض لطبيعة تكوينه التاريخي التعددي، نظام قيمه مستعارة من تاريخ الخلفاء والسلاطين أو أقل ‏ما يمكن القول فيه أنه قائم على نمذجة سياسية وفق قوالب جامدة لا يمكن أن ينجح ويستمر إلا ‏بممارسة إستبداد السلطة وعبادة الفرد. ‏
عندما أنجز حافظ الأسد إنقلابه عام 1970 كان عدد سكان سوريا نحو 6.4 مليون مواطن منهم 3.1 ‏مواطن لم يبلغوا حينها سن الخامسة عشر، شريحة يجوز القول فيها أن وعيها السياسي لم يتشكل ‏بعد، و 3.3 مليون مواطن منهم من انخرط في تنظيم سياسي أو كحد أدنى إلتزم برؤية سياسية أو ‏ملك وعياً سياسياً مستقلاً و منهم من كان في طور تشكل هذا الوعي كحال الشريحة العمرية بين 15 ‏و 22 عاماً.‏
حسب الإحصاءات الرسمية حجم هذه الشريحة العمرية (3.3 مليون مواطن فوق سن 15) المسيسة ‏أو شبه المسيسة لم يعد يتجاوز تعدادها اليوم (من عام 2014) 1.3 مليون مواطن تجاوز أصغرهم ‏‏59 عاماً، شريحة من الصعب أو من المستحيل اليوم انخراطها في الحراك السياسي.‏
عام 2014 بلغ عدد السكان المتواجدين على الأراضي السورية نحو 23 مليون نسمة، وإذا ما ‏استثنينا هذه الفئة (فئة 59 عام وما فوق البالغ عددها نحو 1.3 مليون مواطن) وفئة المواطنين الذين ‏لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة (البالغ عددهم 8 مليون مواطن)، فإن 13.7 مليون مواطن في ‏سوريا ولد ونشأ وتكون وعيه السياسي منذ عام 1970 حتى اليوم في حالة من إرهاب الدولة الأمني ‏والسياسي الذي مارسته وما زالت تمارسه الزمرة الحاكمة وأقل ما يمكن القول في انعكاساته: ‏العطالة الفكرية والسياسية للمجتمع السوري.‏
في العمق السياسي يمكن أن نعزي هذه العطالة الفكرية والسياسية التي يعيشها المجتمع السوري ‏للنهج الذي اعتمدته الزمرة الحاكمة، إلا أنه لا يمكن تبرئت الحركات والأحزاب السياسية التي ‏استساغت السلطة واستأنست القمع والإستبداد وتناست قيمها الوطنية ومبادئها السياسية وسارت في ‏ركب نظام حزب السلطة، سلطة الحزب الواحد والحزب القائد الذي إرتكز على القمع لضمان وجوده ‏وتثبيت نهجه في حكم سوريا.‏
مسؤولية لا يعفى منها الناشطون في تلك الأحزاب ولو كان عددهم لا يتجاوز بمجمله آلافاً صغيرة، ‏لكن تبقى المسؤولية المباشرة لقيادات أحزابهم (القائلة باليسارية والتقدمية) من شيوعية وإشتراكية ‏وقومية ووحدوية، حيث فضلت هذه القيادات البائسة حتى ثمالة بؤس الخيانة أن تلتزم بالإنتهازية ‏منهجاً لمداواة عجزها الفكري والسياسي في التعامل مع المتغيرات التاريخية، متخذة من الطروحات ‏القومية من مقاومة وممانعة وصمود وتصدي والقول السطحي النمطي بالعداء للصهيونية ‏والإمبريالية براءة ذمة لسلطة إتخذت من الإستبداد منهجاً.‏
اليوم وبإستثناء بعض طلائع الشباب الذين حملوا على عاتقهم ما يمكن أن ينتجه اندفاعهم الوطني ‏من مخاطر القمع والملاحقات الأمنية، يعيش 13.7 مليون مواطن سوري منقسمين وفق حجم الفائدة ‏أو الضرر الذي لحق بكل فرد منهم من جراء السياسات الإقتصادية الريعية التي اتبعها النظام ‏وتحديداً في عقده الاخير.‏
فئة من هؤلاء السوريين، وهي الأكثر تضرراً إقتصادياً واجتماعياً وجدت في الإنتفاضة بفوضويتها ‏وعبثيتها مآلها للتعبير عن قضيتها الوطنية والطبقية متسلحة بإيديولوجيا الغضب والحقد والتخريب ‏والألم والإنتقام كشكل من اشكال التعبير السياسي عن رفض واقعها الإقتصادي.‏
أما الفئة الثانية حيث يغلب حضورها في المدن والمناطق الحضرية، ورغم الضرر الذي لحق بها ‏قياساً على موقعها الطبقي نجدها قد اختارت تهميش الذات بذريعة الحياد حرصاً منها على الحياة أو ‏العمل، وفئة ثالثة وهي ليست بالصغيرة إختارت ولأسباب انتهازية ومصلحية ضيقة أن تستمر على ‏ما استأنسته وتآلفت معه من منهج انقيادي تبدو مرتسماته الاجتماعية بالخضوع والانصياع الفكري ‏والأخلاقي والسياسي لمؤسسة السلطة الحزبية، الرافعة الإجتماعية للزمرة الحاكمة.‏
أما الفئة الرابعة وإن كنا نجد ظلالها في مختلف الطبقات الإجتماعية إلا أن جلّ أفرادها من الطبقات ‏الفقيرة وأبناء المجتمعات الزراعية حيث وجد أفرادها في الماضوية ثقافتهم ووجدوا في الحقبة السابقة ‏على منابر الجوامع وفي المدارس والحلقات الدينية المغلقة من يخطب بهم وينظمهم بحيث اصبحوا ‏اليوم الأكثر حضوراً على الساحة السياسية، فئة لم ترى السلطة في عقود حكمها الماضية سبيلاً إلا ‏التماشي مع نزعاتها الفكرية والإجتماعية كصيغة شرطية للبقاء المتبادل في الوقت الذي كانت ‏تحارب فيه القوى الوطنية والديمقراطية التي تفتقد سوريا لحضورهم اليوم.‏
إن أخطر ما وصلت إليه الازمة السورية معضلة غياب الوعي السياسي الوطني التحرري الجامع ‏والمنظم، حالة تتجاوزت بخطورتها الفراغ السياسي الذي كشفته الأحداث السياسية وتطوراتها ‏الدامية، حيث ثبت عدم قدرة قيادات المعارضة على تحريك الشارع الشعبي الحضري والريفي، كما ‏ثبت عدم وجود أي رابط عضوي بين مختلف التشكيلات السياسية السلمية المعارضة متواضعة ‏الحجم و الجماعات المحلية المتمردة التي وقعت في فخ السلطة واختارت حمل السلاح والثوران ‏كردة فعل على القمع المسلح الممنهج والمخطط له من السلطة.‏
حلاً أعطى السلطة المبررات السياسية والأمنية لتواجه بدورها السلاح بالسلاح، ولتتطور ساحة ‏الصراع السياسي وتتحول إلى ساحة صراع عسكري بين مؤسسات السلطة وحركات محلية أو وافدة ‏تحمل من العنف المسلح والإرهاب والتطرف الديني والمذهبي والكراهية أكثر من الرؤى السياسية ‏وإن أظهرت في السطح إلتزامها بالإسلام منهجاً للدولة التي تسعى لإقامتها.‏
في ضوء هذا الواقع يمكن أن نفهم كيف تمكنت إدارة الإحتكارات والإقتصاديات الغربية الرأسمالية ‏الإمساك بدفة الأزمة السورية وتحريكها في الإتجاهات التي تحقق مصالحها الحيوية، فمما لا شك فيه ‏أن هذه الدوائر ليست بريئة مما جرى وهي الأقدر بحكم خبرتها على استغلال واستثمار الواقع في ‏صالحها.‏
كما يمكن أن نفهم كيف استطاعت التيارات الإسلامية الأصولية تأطير الأزمة السورية بعد تحريك ‏ذاك الوعي الخامد المترقب الذي تأسست حوامله البشرية على العنف والكراهية لتفرض بحكم قوتها ‏التنظيمية والعقائدية الشكل السياسي والعسكري لمسارات الأزمة الوطنية.‏
اليوم، كما بات واضحاً حجم الإخفاقات السياسية التي منيت بها المعارضة، يبدو واضحاً أهمية ‏تشكيل قوة سياسية تستفيد من تجارب التغيير الديمقراطي في العالم بقدر استفادتها من الإخفاقات ‏الوطنية التي مرت بها المعارضة، حركة قوامها الشباب القادر على خوض معركة التغيير بروح ‏ثورية وأدوات سلمية، والقادر على تحريك تلك الكتلة من السوريين الحالمين بالتغيير لكن المتخوفين ‏من قمع السلطة ومن المجهول البديل، حركة قادرة فكرياً وتنظيمياً على قيادة عملية إنتقال سوريا ‏نحو نظام دستوري جديد، خياراته الأساسية إعادة بناء الدولة وفق أسس حضارية وطنية جامعة ‏ونظام ديمقراطي يعطي للشعب السوري حقه في تحديد الآليات السياسية والإقتصادية لتحقيق نموه ‏الإقتصادية وتطوره الإجتماعي.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق


.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب




.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا