الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجار الصغير

محمد سيد رصاص

2005 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يقال بأن الجنرال ضياء الحق, حاكم باكستان العسكري, قد صلّى شكراً لله عقب سماعه نبأ الغزو السوفياتي لأفغانستان, بعد أن عانى من عزلة دولية خانقة, وأخرى داخلية, طوال سنتين ونصف من انقلابه العسكري, وخاصة في الأشهر الثمانية السابقة للغزو إثر إعدامه لرئيس الوزراء السابق( ذو الفقار علي بوتو) في شهر نيسان عام 1979.
أدى غزو الدبابات السوفيتية لكابول إلى غضّ نظر الغرب, وحلفائه الإقليميين, عن الوضع الداخلي الباكستاني لصالح دور باكستان كقاعدة أمامية لمجابهة السوفييت حيث كانت الممر للمساعدات والإمدادات الذاهبة إلى المجاهدين الأفغان, إضافة إلى كونها مقر القيادة لهم: لم يكن دور إسلام آباد لوجيستياً محضاً تجاه البيئة الأفغانية المقاومة للسوفيات, بل انبنى على التداخل المجتمعي بين البلدين وما أدى إليه الأخير من نفوذ للجار الأكبر على الأصغر, إما عبر البنى القبلية أو القومية أو عبر التأثير الإيديولوجي لمنظمات إسلامية( " الجماعة الإسلامية " الباكستانية التي كانت ذات دور ونفوذ في منظمات المجاهدين الأفغان, وهي المنظمة التي كانت حليفاً للجنرال ضياء الحق منذ انقلابه العسكري ) , إضافة إلى أن وجود ثلاثة ملايين لاجىء أفغاني في الأراضي الباكستانية قد أتاح مجالاً خصباً للقوى الباكستانية لممارسة التأثير والنفوذ على اللاجئين الذين كانوا خزّان منظمات المجاهدين, وهو ما كان جلياً في عام 1994 عندما ظهرت حركة (طالبان), التي ترعرعت في كنف المنظمات السلفية الباكستانية, بخلاف " الجماعة الإسلامية " الأصولية التي أسسها أبو الأعلى المودودي, ليقوم وزير داخلية حكومة( بنازير بوتو) برعايتها ضد (المجاهدين) الذين أصبحوا حاكمين في أفغانستان, وأيضاً ضد رعاتهم في الجيش والمخابرات العسكرية الباكستانية.
أتاحت صراعات الحرب الباردة المجال لبلدان كبيرة من أجل ممارسة التأثير على جيرانها الأصغر, كما في الحالة الأفغانية والتي امتدّ إليها أيضاً النفوذ والتأثير الإيراني ضد السوفييت وكذلك لموازنة التأثير الباكستاني ومن ثمّ ضده في فترة الطالبان,فيما رأينا, في عام 1971, كيف استغلت الهند تناقضات باكستان الغربية والشرقية من أجل تحجيم جارها القوي وتقسيم جناحيه عبر انشاء دولة جديدة منقسمة, آملةً ( وهي المستفيدة من جو دولي أتاح لها ولحليفها السوفياتي توجيه ضربة إلى حليف واشنطن الباكستاني في ظرف غرق الأميركان في وحول فيتنام) ممارسة النفوذ على الدولة الجديدة الصغيرة من خلال التداخل القومي بين البنغال الغربي الهندي ودولة بنغلادش.
لم تكن التجربة السورية في لبنان , منذ عام 1976 , ببعيدة عن التجربة الباكستانية في أفغانستان : انقسام داخلي على ضوء تداخل المشكلات الإقليمية في الأوضاع اللبنانية بحكم وجود المقاومة الفلسطينية هناك , وصل إلى حدودٍ أصبحت فيها القوى اللبنانية , المتحالفة مع الفلسطينيين , قاب قوسين أو أدنى من الحسم العسكري للصراع مع القوى الموجودة في (( الشرقية )) , و هو ما كان سيدمر صيغة لبنان , وما يعنيه هذا من عواقب إقليمية ودولية كبرى , مما دفع واشنطن إلى إعطاء ضوء أخضر للدخول العسكري السوري إلى لبنان , الشيء الذي أخذ لاحقاً غطاءً عربياً , ليأتي العامل الإسرائيلي على الخط منذ عام 1978 , بعد أشهر من زيارة السادات للقدس واتجاه مصر للإنفراد بالتسوية , مؤدّياً إلى اصطفافاتٍ لبنانية ضمن محور المجابهة السورية – الإسرائيلية التي أصبح لبنان ساحتها بشكل مباشرفي عام 1982 , ثم بعد ذلك بأشكال غير مباشرة عبر الدعم السوري لقوى المقاومة اللبنانية, من إسلامية وغيرها, ضد إسرائيل حتى انسحابها من لبنان في عام 2000م .
تجدّد الغطاء الأمريكي للوجود السوري بلبنان في عام 1990 على ضوء اللوحة الإقليمية الناتجة عن الغزو العراقي للكويت , وما أدى إليه ذلك من تحكم وتأثير سوري في مجريات الحياة السياسية اللبنانية , فيما رأينا باكستان تدفع ضرائب تناقص دورها , في فترة ( ما بعد الحرب الباردة ) , عندما أصبحت رعايتها لحكم ( الطالبان ) مصدراً للاحتكاكات مع واشنطن , إلى أن وصلت الأمور إلى حدود التناقض بينهما مع ( 11 أيلول ) , وما أدى إليه الغزو الأمريكي لأفغانستان من تحجيم لباكستان في الحياة السياسية الأفغانية , عبر استبعاد الباشتون الحاكمين التقليديين لكابول لصالح قوى ( تحالف الشمال ) , من طاجيك و أوزبك وهازارا , و هو الذي دخل في تحالفات ضد الطالبان , مع الهند و إيران وروسيا , ثم مع الولايات المتحدة بعد ضرب البرجين لما قررت واشنطن إسقاط ( الطالبان ) الموالين لباكستان.
في كابول 2001 أدى ( الدولي ) إلى تحجيم نفوذ الجار الكبير على الجار الصغير , إذا لم يكن إلى اقترابه من الإنتفاء , اللهم إلا تلك المهمات الحدودية المتعلقة بملاحقة تسلل أفراد ( القاعدة ) إلى باكستان , فيما كانت الحالة الداخلية في لبنان 2005 مؤديةً إلى تحجيم سوريا, بحكم ممارسات الهيمنة السورية على لبنان التي قادت إلى استعداء أغلب اللبنانيين وخاصة في فترة عهد العماد لحود و ما أدى إليه ذلك من فقدان سوريا لتأييد قوى لبنانية أساسية مثل الرئيس رفيق الحريري و الزعيم وليد جنبلاط , الشيء الذي تلاقى , كحالة لبنانية داخلية , مع (العامل الدولي),الذي يتجه, بعد تحوله إلى ( عامل إقليمي ) إثر مجيئه إلى بغداد, إلى إعادة النظر بالأدوار الإقليمية لدول المنطقة على ضوء لوحة (ما بعد 9 نيسان 2003).
تتجه العلاقات الدولية في الفترة الراهنة , إلى تجاوز تلك الحالة الجغرا - سياسية التي كانت قائمة بين الدول الصغيرة وبين جيرانها الأقوياء : إن الأمر لا يقتصر على كابول وبيروت , بل يمتد إلى الكويت وقطر واليمن , و إلى أوُغندا التي غزتها تنزانيا في عام 1979 مطيحةً بعيدي أمين , فيما نرى كمبالا , في التسعينيات , قد لعبت دوراً إقليمياً في أحداث رواندا وزائير والسودان فاق دور الجيران الأكبر جغرافياً للبلدان المذكورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخان كثيف بعد غارة جوية إسرائيلية شرق مدينة غزة


.. اللواء فايز الدويري: مرحلة -ج- تعني مرحلة المداهمات والمقاوم




.. بزشكيان لحسن نصر الله: إيران كانت داعمة للمقاومة ضد الكيان ا


.. -ناسا- تعلن انتهاء أول تجربة طويلة لمحاكاة الحياة على كوكب ا




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | احتفالية تتسبب بأزمة دبلوماسية ومقابل