الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنسان الشرعة الدولية و إنسان ماركس

الحبيب عزيزي

2014 / 8 / 4
حقوق الانسان


إنسان الشرعة الدولية وإنسان ماركس.

"الملكية الخاصة مثل الركح على الخشبة:إنه يحرر ذات الممثل لكنه يستعبد
قاعة المتفرجين كلها".
(الكينونة والعدم) : ج .ب. سارتر.
ـ المادة 17 منه.
ما الذي يمنع القول أن جوهر"إعلان 48"هوالمادة 17 منه؟ربما الشمولية؟لكن أليست هذه المادة التي تشرعن دوليا للملكية المطلقة هي الشمولية ذاتها؟.
كان ماركس قد أسس علاقة من طابع خاص مع "جوزيف برودون" الفرنسي صاحب نظرية اللاسلطوية.خصوصا على خلفية أفكاره في كتاب "ماهي الملكية؟" الذي ألفه وفق مقولته الشهيرة "الملكية هي السرقة".لكن وقبل الجفاء الذي أصاب هذه العلاقة على إثر صدور مؤلف ماركس"بؤس الفلسفة" ردا على مؤلف برودون"فلسفة البؤس"كانت الرسائل المتبادلة قد شملت ليس الملكية فحسب بل فلسفة الحق برمتها.وقد أسس هذا الجدال للكثير من المداخل الراهنة للأفكار المسماة"حرة"، الأخيرة التي أسست بدورها للمنظومة البرجوازية في صيغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وضعت مسودته زوجة روزفلت بعد الحرب الكونية الثانية.
السؤال ليس ما هي هذه الحقوق المخولة بالطبيعة للإنسان، بل من هو هذا الإنسان ذاته
الذي صنعته تعاليم الروزنامة الحقوقية؟ بعبارة أوضح: من هو إنسان الشرعة الدولية؟
الجواب الذي تبطنه المنظومة الدولية في صيغتها الرأسمالية هو الذات مطلقة المفرد وبوصفه كذلك فإنه الإنسان المنظور إليه خارج التاريخ وخارج الإنسانية:الأبيض لذاته و بالنسبة للأسود،الرجل لذاته وبالنسبة للمرأة ،الراشد لذاته و بالنسبة للطفل ..إلخ.المحكوم بالملكية المطلقة(المنصوص عليها في المادة 17 من إعلان 48) أي الحرية الوحيدة التي بررها واقع الحق الإنساني حتى الآن. الإنسان المعزول عن التاريخ والحركة لا يوجد لا طبيعيا ولا رسميا.فمطلق تجريد الإنسان عن الإنسانية ليس سوى نفي للكينونة ذاتها .
لهذا الخواء الفلسفي البرحوازي بالضبط أعجب سارتربمقولة "لابورت" (إننا نجرد عندما نعزل بفكرنا ماهو محكوم عليه ألا يوجد مجردا).ومع ذلك ،وبالرغم من الضجيج الكبير الذي لازم الحق الفردي حتى الآن ، فإنه لا يعدو أن يكون سوى الطريق الأشد غباوة للإنسانية نحو حرية التملك وحرية الإستغلال.فبقدرما لا يوجد نظام وسيط بين الرأسمالية والشيوعية بقدرما لا يتعايش الحق الفردي والملكية في عالم واحد إلا من خلال الإستغلال الذي هو نفي مطلق لمطلق الحق.
ثمة شيء من التغنج السياسي نحو الفكر الفرداني الرأسمالي من طرف دعاة الحقانية المعاصرة.فالملكية ليست سوى كفتين :الملكية واللاملكية أو الملكية المشتركة.أما التصنيفات الأخرى فمجرد أنواع من الملكية الرأسمالية.يقال أن ماركس لو عاش في عصرنا لقال شيئا آخر و هو "يتلمس" تناقضات الواقع الراهن.طبعا ،لكنه حتما لن يقول "بنهاية التاريخ".
أما أصحاب هذه المقولة المتزلفة فأكيد أنهم لم يعيشوا لا عصرهم الراهن كما هو ولا عصر ماركس وهم ينظرون للجمود والعقائدية من وجهة نظرالماركسية نفسها.على أن الأمر لا يتوقف بالضرورة على اختلاف العصور فقط.فقد اكتشف أرسطو الأمر في العصر السحيق من خلال معادلة واضحة:(إن ملكية"ا" لا يمكن فهمها إلا من خلال فقدان"ب" لملكيته الخاصة).
الغريب أيضا الذي يصدر عنه عصر التزلف للرأسمالية اعتبار أن تعاليم الفردانية المؤثثة لخاصية الفرد البرجوازي مسألة مكتملة ونهائية ، في حين أن الإنسان لا يملك أي كينونة خارج الجوهر الممتد للتاريخ والطبقات تحديدا.وبذلك يتم إنزال الحق إلى مستوى العقيدة المقدسة عوض الحقيقة الساطعة كون الحقوق تنتمي لفلسفة الحق، وكونها خلاصة لما أنتجه الإنسان في علاقته بالإنسانية وليس في علاقته بجوهره المنعزل. وفي هذا الباب تدخل الديانات التي أعتبرت من طرف البعض مرجعيات ظهور الحقانية. كما أنه بهذا المعنى الفكري مرة ثانية لا يستحسن فهم حقوق الإنسان إلا من خلال كونها خلاصات لصراع الأنظمة أي خلاصات سياسية، تتمظهر في الطابع الوحيد:طابع حركة التاريخ بما هو صراع حول الملكية : الملكية الفردية والمطلقة وملكية القوة والمشروعية الدولية وملكية العالم .
هذا التزلف لا يعني لدى ماركس وغيره من الماركسيين سوى خاصية واحدة ،خاصية التآخي الحر مع عصر الرأسمالية.أجل فالزائدة الدودية ليست استثناء بيولوجيا فحسب لكنها أيضا خاصية سياسية.
في"المسألة اليهودية" يفكك ماركس مفهوم الحق في التعاليم البرجوازية المسماة دساتير وقوانين الحقوق على النحو التالي"ولكن حق الإنسان،أي الحرية لا ترتكز على علاقات الإنسان بالإنسان،وإنما على الأصح،على انفصال الإنسان عن الإنسان،إنه الحق في هذا الإنفصال ،حق الفرد المحدود في ذاته،إنه التطبيق العملي للحق في الحرية،الذي ليس سوى الحق في الملكية" .هنا ينظر ماركس من خلال قوانين التطور لإستخلاص زيف هوية إنسان الحق الفردي، وزيف النتائج المترتبة عنها .إن اكتشاف أنانية النظام الرأسمالي ليست بالمهمة الشاقة."لنلاحظ بدءا ذي بدء واقع حقوق الإنسان المتميزة عن حقوق المواطن،ليست سوى حقوق عضو المجتمع البرجوازي،يعني الإنسان الأناني،الإنسان المعزول عن الإنسان وعن التاريخ".مقولة ماركس هذه تفضح رومانسية البرجوازية وتطلعها المشبوه نحو الملكية والسيادة في العالم.ليس فقط لأنها أسست للإنسان الأناني ـ فهذه مهمتهاـ ولكن لكونها صنعت بالباطل الملموس إنسانا لم يوجد قط ولم يكن له أن يوجد أبدا.حتى أن الإكتشافات الجغرافية والفضائية أيضا لم تكتشف لحد الآن هذا العيار من الفرد داخل ذاته،العكس هو الصحيح لم يكن الإنسان المكتشف من طرف الرحلات البحرية سوى إنسانا تاريخيا أي فردا داخل نمط إنتاج بعينه عبارة عن حضارة قديمة.

الإغتراب :أو إنسان ماركس .
الميل إلى التبريرالسطحي للظواهر والقضاء فكريا على القضايا الجوهرية العميقة والحاسمة بتعبير جورج لوكاتش (دراسات في الواقعية) هو ما يسميه ماركس ب"التنازل الرجعي" .مقابل "التجاوز الثوري" الذي تتبناه الماركسية كحل لقضايا إنسان عصر الصناعة وما بعدها.أي الإنسان المغترب داخل تناقض الرأسمال والعمل(المأجور أو السخرة) وما نتج عن ذلك من أشكال الإغتراب : الفكري والديني والوجودي...إلخ. وعلى نحو غير مطابق يساق الحق الإنساني في عصر الرأسمال العابر للقارات ليس كنتيجة لبنية طبقية ناتجة عن هذه التناقضات إنما العكس تماما.يساق كماهية لا تاريخية. بحيث لا ينتج عن ذلك سوى "إعادة انتشار" واسعة داخل العلوم الصديقة للإشتراكية وإعلان حالة استثناء في وجه المادية التاريحية والجدلية: إخلاء السوسيولوجيا من البنية الطبقية وعلم التاريخ من الصراع الطبقي والفلسفة من الديالكتيك وهذا ربما تجاوز ما شبهه ماركس بجحيم دانتي وهو يدرس اغتراب الإنسان داخل ورشات العمل المأجور.
اغتراب الإنسان الممتد داخل بنيته الإجتماعية هو ذات وموضوع الحق الفردي الذي لولا التزوير الذكي من طرف البرجوازيين للحقيقة الإجتماعية ـ وهم لا يتقنون سوى هذا ـ لكان من حق الإنسان العمل على اقتلاع النظام المسئول عن انتهاك الحقوق الإنسانية .ثم إخراج البشرية من واقع الإغتراب الطبقي . إن "الحل التلقائي" يكمن في الجواب على القضايا الجوهرية بما هي كذلك . بمعنى حل تناقضات البنية الطبقية وتجاوز أزمة الرأسمالية من خلال نموذج نظام ممكن عوض السقوط في فخ الزيف المثالي لفكر الطبقة البرجوازية.
إذن هل يمكن لإنسان الشرعة الدولية أن يحلم ـ مجرد حلم ـ بالكرامة المتأصلة في البشر إذا كانت كل حقوقه الأخرى مشروطة بتوقيعه دون قيد على الملكية الخاصة . على هذا النحو يبدو الإعلان الدولي بمثابة إعلان عما هو غير ممكن. وعلى هذا النحو أيضا تبدو المرافعات سواء الداخلية أو الدولية أقرب إلى التسول منها إلى الدفاع عن الحق.
الحل التلقائي لقضية التمييز حسب اللون لم تجد حلا لتناقضها سوى في ثورة الزنوج على أنظمة العبودية بما فيها نظام الأبارتايد.كما أن الحل التلقائي لقضية الميز حسب الجنس والتميز حسب الجاندر لا يكمن حلها سوى في النضال ضد نظام الميز أي الرأسمالية، والقياس على هاذين المثالين صحيح.
الإغتراب الذي تعيشه المرأة ليس ناتجا عن ذكورية الرجل . ومن يقف عند هذا الحد من التفكير لن يغوص إلى الجوهر الحقيقي للقضية النسائية. بل هو ناتج عن ذكورية النظام الإقتصادي وما يتجادل معه من السياسي والفكري، والذي كرس ذكورية الملكية الخاصة في مراحل متلاحقة من أزماته.
الإغتراب لدى ماركس يتولد عن التناقض بين الإنسان كجوهر في حد ذاته وموقعه من نمط الإنتاج ، والحل الجذري من أجل الكرامة الإنسانية بإعتبارها مجموع الحقوق ، يكمن في حل هذا النمط من الإنتاج (ومن العلاقة بين العمل المغترب والملكية الخاصة ينتج كذلك أن تحرر المجتمع من الملكية الخاصة إلخ..من العبودية، يجد تعبيره في شكل سياسي هو تحرر العمال، ولا يعني هذا أن المسألة مسألة تحررهم وحدهم،إنما يعني أن تحرر العمال يشمل التحرر الإنساني الشامل ـ وهو يشمله لأن كل العبودية البشرية تتضمنها علاقة العمال بالإنتاج وليست كل علاقة عبودية إلا تحويرا ونتيجة لهذه العلاقة) .
لنلاحظ منذ البداية أن خاصية الإنسان لدى ماركس في هذه الفقرة المأخوذة من "المخطوطات" خاصية تاريخية على خلاف إنسان الشرعة الشرعة الدولية ذو الخاصية الفردية المعزولة .إن هذا الفرق هو نفسه الفرق بين الشيوعية والرأسمالية،بين الإشتراكية والأنانية ،بين الحرية والعبودية.
الملاحظة الثانية أن العبودية التي يوردها ماركس ليست مطابقة لهذه العلاقة التي سادت بين العبد والسيد في مرحلة من التاريخ ،بل العبودية الممتدة إلى كل العلائق الإنسانية داخل النظام الرأسمالي . أي وبالمعنى العصري مجموع "الخصاص" في مطالب حقوق الإنسان الفردية والجماعية .
الملاحظة الثالثة أن الحل السياسي للمطلب الحقوقي هو الحل الجذري والتلقائي والذي يجد تعبيره الصحيح في تحرر البروليتاريا.مع تأكيد ماركس على أن تحرر هذه الطبقة هو تحرر شامل للإنسانية نحو مجتمع الكرامة والحرية .
الحبيب اعزيزي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق