الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على حسن السعدنى يكتب الآثار الاقتصادية للفساد

على حسن السعدنى

2014 / 8 / 4
الصحافة والاعلام


ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة، مدمرة للمجتمع، وبوصف الفساد يمثل أحد أشكال السرقة العامة للثروة القومية، فإنه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد، وغالباً ما تجد طريقها إلى الخارج، بدلاً من توظيفها داخل البلاد لجلب المنفعة العامة.
والفساد كالجرثومة الخبيثة، تفترس الحكم الجيد، وتدمر الشرعية الاقتصادية، وتغتصب المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة ، بل يُسهم الفساد في تشويه القرار الاقتصادي ، فتكون الخيارات والقرارات خاطئة، فتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة (حراس المصالح).
وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به، تهتز أركان الحكم، وتنقص سيادة القانون، ويتمادى مرتكبو الفساد فيرفعون ثمن فاتورة الفساد، بل يتمادون في البحث عن وسائل جديدة للحصول على المزيد من الأموال، بطرائق غير مشروعة، وعندما يستحكم الفساد بالمجتمع، تدخل البلاد في دوامة (حلقة مفرغة) حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه، وعندها يتعذر السيطرة عليه.
إن الجهود المبذولة على الصعيد الوطني لمحاربة الفساد تبقى قاصرة إن لم تُرفد بإجراءات على المستوى الدولي، فالفساد المعولم يفترض تكامل أنشطة الهيئات الوطنية مع أنشطة المؤسسات الدولية التي تعنى بمكافحة الفساد على الصعيد الدولي، وهنا يمكن للبرلمانات أن تشارك في فعاليات (منظمة الشفافية الدولية) من أجل وضع معايير دقيقة لرصد الفساد ومحاربته من خلال:
1- التوقيع على ميثاق شرف عالمي، رادع لسلوك وتصرفات المسؤولين الحكوميين، ورجال الأعمال في القطاع الخاص.
2- إقامة علاقات توأمة بين البرلمانات تستهدف مكافحة الفساد دولياً.
3- تنسيق الأنظمة والقوانين الرادعة للفساد على المستوى الدولي وتحقيق الانسجام بينها.
4- عقد اتفاقات ومعاهدات إقليمية ودولية لمكافحة الفساد.
5- وضع قوانين تجيز الكشف عن حساب المسؤولين في المصارف الأجنبية بالإضافة إلى وضع قوانين دولية ناظمة ورادعة لعملية غسيل الأموال.
ومن أجل إماطة اللثام عن علاقة الارتباط والسببية بين الفساد والعولمة، يفترض إعداد دراسات وبحوث حول العولمة ومنعكساتها على المجتمع، وتعزيز دور البرلمانات في التصدي لسلبيات العولمة. ووضع خطة شاملة للإفادة من إيجابيات العولمة إن وجدت ناهيك عن الاهتمام بتعزيز الانتماء والتمسك بالهوية الوطنية والقومية في مواجهة الغزو الثقافي للعولمة، وتشكيل شبكة من العلاقات مع المجتمع المدني الدولي والشعب البرلمانية الدولية، فضلاً عن تأسيس منظمة دولية تُعنى بتطبيق ميثاق الشرف البرلماني. وأن تسعى البرلمانات للتنسيق والتعاون مع (منظمة الشفافية الدولية) لوضع معايير ناظمة لمؤشرات الفساد، ومدى تقيد الدول بمحاربة الفساد. بالإضافة إلى التعاون مع الشبكة المصرفية الدولية من أجل الكشف عن الحسابات المملوكة للأشخاص الذين يمارسون الفساد، وفضح الذين يتعاطون الكسب غير المشروع. وإشراك القوى الحية في المجتمع في أنشطة اللجان التي تتولى التحقيق بالفساد. وأن تعتمد البرلمانات لتشكيل (لجنة وطنية لتطهير الفساد) ووضع تعريف محدد له. أضف إلى ذلك تأسيس (لجنة برلمانية دائمة تتولى مكافحة الفساد). ووضع تشريع ناظم لعمل (مُطلق الصفارة) أي الجهة التي تدق ناقوس الخطر الذي يتهدد البلاد.
آلية التعاطي مع المؤسسات المالية الدولية:
تقع على عاتق البرلمانات مسؤولية وطنية في طريقة تعاطي الدولة مع المؤسسات المالية الدولية، من حيث التحقق من سلامة الاتفاقات الدولية قبل توقيع السلطة التنفيذية عليها، وذلك من خلال تمثيل البرلمان بصفة المراقب في المباحثات والمفاوضات الدولية بين الحكومة والمؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى إخضاع كل القروض الخارجية التي تعقدها الدولة لمصادقة السلطة التشريعية، فضلاً عن عقد اجتماعات دورية منتظمة مع الجهاز التنفيذي للتحقق من سلامة العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية والتي يتوجب عليها أن تأخذ في الحسبان الخصائص الوطنية والقومية خلال التفاوض، وأن تتعاون مع اللجان البرلمانية بشفافية عندما تطلب تدقيق ومراقبة مثل هذه الاتفاقيات، وأن تقدم الدعم المادي والأدبي للجان البرلمانية في إجراء الأبحاث والدراسات المتصلة بآليات التعاطي مع (صندوق النقد الدولي) و (البنك الدولي).
التعاون مع الشبكات البرلمانية:
تُسهم الشبكات البرلمانية بوصفها وسيلة مهمة لقمع الفساد في تزويد البرلمانيين بالمعلومات وبالخبرات التي تمكنهم من استخلاص العبر والدروس التي تؤهلهم لتجنيب بلدانهم من الوقوع في مستنقع الفساد الذي وقعت به بعض الدول فلم يعد الفساد مجرد إشكالية وطنية صرفة، بل أصبح الفساد معولماً إلى درجة يتعذر معه مكافحة الصفقات التجارية المشبوهة ومقاومة تجارة المخدرات إلا بالتعاون والتنسيق بين الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي. وبمقدور (منظمة التجارة العالمية) أن تساعد في صياغة السياسات المناهضة للفساد على المستوى الوطني، فضلاً عن مؤسسات أخرى مثل (الاتحاد البرلماني للكومنولث)، (الاتحاد الفرانكوفوني) وتشكل هذه المؤسسات فضاءً رحباً للبرلمانيين حتى يجتمعوا ويتبادلوا المعلومات ويتشاوروا في اتخاذ الوسائل الناجعة لمكافحة الفساد.
وفي العصر الراهن تأسست (الجمعية البرلمانية للمنظمة الأوروبية للأمن والتعاون) وقد بادرت بعض الدول لتأسيس جمعيات على شاكلتها من أجل رصد أنشطة المنظمات الدولية مثل (صندوق النقد الدولي) (البنك الدولي)، (منظمة التجارة العالمية).
إن من السهولة بمكان الدعوة لتأسيس (شبكة برلمانية دولية) ولكن الصعوبة تكمن من الناحية العملية، كيف تكون هذه الشبكة فعالة ومؤثرة؟، وحتى تكون كذلك يفترض ألا تكون دائرة تبادل المعلومات واسعة إلى درجة يتعذر السيطرة عليها، وأن تسعى إلى تزويد البرلمانيين بأفكار محددة تتصل بوقائع الحياة اليومية، وأن تشرف على هذه المؤسسة إدارة قوية، تقوى على حشد مشاركة واسعة للبرلمانات، وأن تسعى إلى قياس الأثر للمعلومات التي تقدمها الشبكة.
أما على المستوى الوطني فيفترض أن يتواصل البرلمانيون مع بعضهم في إطار شبكة، معتمدين على فعاليات اللجان كأساس لتبادل المعلومات، فالشبكات على المستوى الداخلي، مطلوباً منها أن تتحول إلى منبر لتبادل المعلومات والخبرات المكتسبة، وأن تفيد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في استثمار الموارد المتاحة على نحو أمثل، من خلال تمكين أعضاء البرلمان من الحصول على خدمات الانترنيت والبريد الإلكتروني، وتدريبهم على استخدامها، مما يؤهلهم للحصول على المعلومات التي تتصل بنشاطهم اليومي، ولتوفير المعلومات الغزيرة فإن من المفيد الدخول في شراكة مع الشبكات البرلمانية المماثلة والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ومع (منظمة الشفافية الدولية) وذلك من أجل الإفادة من خبرات الآخرين.
وعليه فإن الشبكات البرلمانية لتبادل المعلومات، يمكن لها أن تلعب دوراً مؤثراً في التصدي للفساد المعولم، لاسيما في حال تواصل أعضاء البرلمانات ذوي الميول الإصلاحية مع بعضهم.
لقد راحت المؤسسات المالية الدولية تؤدي مهمات كثيرة على طريق السيطرة على الفساد لاسيما في تشجيع قيام منظمات أهلية وتمويلها، من أجل مكافحة الفساد، بالإضافة إلى دخولها كشريكاً ولاعباً فاعلاً في منظمات النزاهة والشفافية، فالبنك الدولي أعرب في أكثر من مناسبة عن حرصه على مد يد العون والمساعدة للأنظمة النزيهة، وحجب التمويل والمساعدة عن الأنظمة الفاسدة وذلك عبر تبني استراتيجيات تشتمل على ما يأتي:
- تمويل المشاريع الإنمائية التي تخلو من الفساد.
- تبادل المعلومات المتعلقة بالفساد مع الدول التي يمولها البنك الدولي.
- ربط برامج المعونة الدولية، بعدم وجود الفساد.
- دعم الجهود الدولية ومساندة الدول التي تحارب الفساد.
وفي ظل الفساد لا تُسخر المساعدات والإعانات الدولية في تحقيق النفع العام، بل تنحرف عن مسارها، ويجري الإعلان عن إقامة مشاريع وهمية على الورق، مما يزيد من عبء المديونية الخارجية وخدمة الدين العام، لتصل الدولة إلى مرحلة عدم القدرة على تسديد الديون، أي تُعلن إفلاسها، فتتردد المؤسسات المالية الدولية في إقراضها أو مساعدتها، الأمر الذي يضيف عبئا جديدا على التنمية. كذلك يتسبب الفساد في تراجع إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم، نتيجة للتهرب الضريبي، فتسوء الخدمات العامة، وتتخلف البنية التحتية للبلاد.
لقد أظهرت الدراسات بأن الدول التي تعاني من مشكلة الفساد، تواجه صعوبات جمة في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى داخل البلاد، فالبيئة الفاسدة هي بيئة طاردة للاستثمارات، ومهما طورت من التشريعات، ومهما قدمت من الإغراءات، فإن رؤوس الأموال تحجم عن الاستثمار في الدولة التي تعاني من الفساد، لأن تكلفة الاستثمار غالباً ما تكون مرتفعة جداً قياساً بالبيئة النظيفة.
ما الذي استجد على البرلمانات في ظل العولمة؟
لقد اتسعت في ظل العولمة الأسواق المالية، وتنوعت وسائل الاتصالات وتحررت إلى حد كبير السلع والخدمات، وتم تقييد دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وتأسست شركات تجارية حديثة تخطى نشاطها الحدود الوطنية، ووجدت هذه التحولات انعكاساً لها على مجمل الاقتصاد العالمي الذي وضع الدول النامية أمام خيارات صعبة، وأمام ضغوط كثيرة، تمارسها المؤسسات المالية الدولية مثل (صندوق النقد الدولي) و (البنك الدولي).
علماً أنه لا يمكن المراهنة فقط على تغليظ العقوبات لمكافحة الفساد، والمهم خلق ثقافة مقاومة للفساد، فالعقوبات الزجرية قد لا تأتي بالنتائج الطيبة، بل ترفع من فاتورة الرشوة، وتترتب عليها نتائج عكسية، وإذا ما تعاملت المؤسسات المالية الدولية مع الحكومات على قاعدة الشراكة في مواجهة الفساد، فإن بالإمكان التحكم به والسيطرة عليه، وهذا يقتضي من الحكومات التعاون مع المؤسسات والهيئات الدولية لتطويق مشكلة الفساد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟