الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوان الصهيوني على غزة.. تفسيراتٌ أربعُ محتملة.

جلال خشيب

2014 / 8 / 4
القضية الفلسطينية


قد يتساءل البعض عن السبب الكامن وراء الاستهداف الصهيوني الوحشي والمتعمد للمدنيين والأبرياء في غزة بهذه الطريقة البشعة وفي هذا الوقت بالذات.. ماذا يريد الصهاينة بالضبط من هذا العدوان؟ .. توجد في نظرنا تفسيرات عديدة متشابكة الأبعاد ومتناسقة بشكل معتبر مع الظروف الجيوسياسية التّي تعيشها المنطقة العربية اليوم هناك.. أولا تسمى هذه الطريقة في الحروب التكنولوجية المعاصرة بإستراتيجية الصدمة العسكرية وفيها تلجأ أطراف الحرب إلى التدمير العنيف للبنى التحية لبعضها البعض وإرهاب المدنيين عبر القتل الوحشي العشوائي لبث الرعب في الطرف الآخر ممّا يدفعه للتراجع أو الاستسلام فهي حرب سايكولوجية بالدرجة الأولى (في هذا العدوان-ويسمى عدوانا وليس حربا- هناك طرف واحد يمتلك تلك الخاصية أي "إسرائيل") .. وقد استخدمت الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية في حربها على العراق سنة 2003 (إستراتيجية الصفر جندي التّي تعتمد بشكل شبه كلّي على ما تقدمه الآلة الحربية من مزايا مدمّرة تغنيها عن الاجتياح البري الذّي يتسبّبُ في أغلب الأحوال في خسائر بشرية في صفوف الجنود، وقد نظّر لها الباحث الأمريكي أندرو كريبينيفتش ودعا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد إلى تطبيقها في العراق سنة 2003) .. التفسير الثاني من وراء هذا الاستهداف المتعمّد للمدنيين في العدوان هو محاولة إحداث انشقاق داخلي في أوساط الطرف المعتدَى عليه (حماس وقواها الشعبية) ممّا قد يدفع القوى الشعبية التّي يرتكز عليها ويستمد منها شرعية الوجود إلى الثورة عليه والنقم منه بعدما أثبت عجزه في مواجهة الطرف الأقوى عسكريا أو إيجاد حلول نهائية معه، فيُظهره المعتدِي تحت وقع الصدمة في نظر الشعب أنّه السبب الكامن وراء مآسيه بسبب تعنّته اللاعقلاني وأنّ الطرف الأقوى قد صار واقعا حتميا وجب التعايش معه وحسب... والحمد لله لم نسمع أحدا في غزة إلاّ ونصر المقاومة وجعل نفسه وأبناءه فداها.. أمّا التفسير الثالث فقد يكون ميدانيا تقنيا محضا، فمن الضروري أن يعرف الصهاينة حدود الإمكانيات العسكرية للمقاومة الفلسطينية بين الفينة والأخرى لاسيما في الآونة الأخيرة، ولكم أن تلاحظوا معي الزمن الفارق بين عدوان وآخر على غزة لتجدوه متقاربا بشكل ملحوظ، فردّ الفعل العسكري لحماس (بما قد تكشف عنه من صواريخ جديدة) سيساعد الصهاينة على مراجعة دفاعاتهم باستمرار والاحتراز في نفس الوقت ممّا قد بلغ مقاومة جنوب لبنان من سلاح لاسيما وأنّ الداعم واحد لكليهما (طهران، دمشق وموسكو) ، كما أنّ العدوان الوحشي والعنيف ضدّ غزة هو رسالة موجهة للبقية، وقد بات هذا الأمر شيئا مألوفا في الحروب الحديثة، فحتّى لو ضمن القوي نصرا حاسما على الطرف الأضعف عسكريا فلن يتوانى في تدميره والتمثيل به على مرآى من الجميع ليمرّر رسائله من خلاله للبقية (ما فعلته الولايات المتحدة في هيروشيما وناكازاكي سنة 1945 يُعد أحسن مثال على ذلك، إذ يجمع المحلّلون أنّ سبب القصف النووي للمدينتين آنذاك –بعدما ثبُت نصر الحلفاء في الحرب- كان رغبة الولايات المتحدة في إرهاب السوفييت حلفاء اليوم أعداء الغد).. التفسير الرابع ويتعلق بتفكير صهيوني بعيد المدى (وهذه مجرد وجهة نظر خاصة) يستهدف محاولة خلق بيئة وهمية معادية "لدولة إسرائيل" في محيطها الإقليمي يجدّد عبرها شرعية وجوده باستمرار أمام العالم وهيئاته الدولية كما يستمد منها في المقابل شرعية الحروب التّي قد يخوضها في المستقبل القريب مع بعض الأطراف المارقة قد تكون إيران أو سوريا أو حزب الله أو مصر إذا ساء الوضع فيها بشكل جذري وبطريقة مفاجئة في غير صالح الصهاينة، فمن يدري ما قد يحمله الغد لمصر.. فالصهاينة يدركون أنّ الأنظمة السياسية العربية الراهنة لن تتحرك قيد أنملة لإيقافهم وأنّ الشعوب ثائرة على الوضع في الوقت الذّي يستشيط فيه التطرف وأقصد هنا خصوصا تنظيم داعش (الذّي يعد في نظري صنيعة مخابراتية بامتياز) وبالتالي سوف تُسهم هذه الحرب بما تسبّبت فيه من مآسي إنسانية في حق الغزاويين -في ظل تواطؤ الأنظمة العربية سكوتا أو دعما للصهاينة- سوف تسهم في تفجر التطرف الديني وتنامي الدعشاويين (الذّين سيستقبلون في صفوفهم مزيدا من المتطوعين بعدما تعلن داعش بعد نهاية الحرب -أقول ربّما- الجهاد ضد إسرائيل ومن والاهم من خونة العرب حتى تنال مزيدا من الشرعية والقبول في محيط "دولة إسرائيل") وقد يتمركزون في سوريا مستقبلا بشكل كبير، الأمر الذّي سيمنح الصهاينة شرعية الفعل العسكري أمام العالم ضد هؤلاء -ضرب سوريا مثلا- تحت ذريعة حماية الذات المهدّدة في بيئة إقليمية يستشري فيها الإرهاب الدعشاوي الذّي تبرأت منه شعوب المنطقة قبل أنظمتها السياسية..
إذن يريد الصهاينة أن يكونوا أكبر المستفيدين ممّا يحدث في غزة الآن.. والاستثمار في داعش، الذّي أعلن الخلافة على مقاسه قبل أيام، يعّد إحدى الأهداف في ذلك، علينا أن نُحسن قراءة ما يحدث في تسلسل متناغم.. فمن المؤكد أنّ هذه المجازر التّي نراها سوف تجلب مزيدا من الدعم البشري والمالي للتنظيم الذّي سيعلن لاحقا نقمه ممّا يحدث ويجيّش "المتدينين" في العالم الإسلامي مستغلا القضية الفلسطينية كما تستغلها بعض أنظمتها فترة الأزمات وهذا الذّي يريده الصهاينة بالضبط ليصوّروا للعالم أنّ المدّ الإسلامي المتطرف صار يحيط بهم من كل جانب فيستفيدوا من دعم العالم لهم ويبرّروا بسهولة كما قلنا أمامه أي حرب مقبلة في المنطقة يشنّونها ضدّ هذا الطرف أو ذاك في الزمن الذّي يرونه صار مناسبا لهم وفقا لحساباتهم الإقليمية والدولية.. في النهاية هذا مجرد تحليل وتبصّر خاص قد يصدق وقد يثبت بطلانه بعد حين.

* جلال خشيب: باحث مهتم بالدراسات الدولية، التنظير في العلاقات الدولية، الجيوبوليتيكا، الفكر السياسي والفلسفة الإسلامية، دراسات عليا/تخصص دراسات آسيوية، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ جلال خشيب المحترم
عتريس المدح ( 2014 / 8 / 4 - 17:38 )
ما تفضلت به في مقالك العلمي والرزين يصيب من كافةالاتجاهات كبد الحقيقة
لك تحياتي

اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي