الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود التحالفات السياسية

عزيز الحاج

2005 / 8 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


من قواعد العمل السياسي إجراء التنازلات من خلال التحالفات المتبادلة بين القوى الوطنية بوضع نقاط الخلافات جانبا والاتفاق على ما هو متفق عليه من أهداف تخدم المصلحة العامة لمجموع الشعب. وفي الوضع العراقي، منذ سقوط النظام السابق، استمرت تحالفات أمس، وبرزت على الساحة تحالفات جديدة أفرزتها غالبا تدخلات خارجية، وتحديات الإرهاب الصدامي البعثي والزرقاوي، ناهيكم عن حجم المظالم السابقة وكيفية التعبير والتنفيس عنها سياسيا واجتماعيا..
إن مرحلة المعارضة شهدت تحالفات بين قوى علمانية ولبرالية من عربية وكردية وتركمانية وكلدو ـ آشورية، وبين أطراف الإسلام السياسي بمذهبيه الشيعي والسني. وكان مؤتمر لندن عشية سقوط الفاشية الدموية قد جمع معظم القوى والتيارات النشيطة في النضال، ولكن الجميع اتفقوا على أهداف عامة مشتركة تمثلت في قرارات ذلك المؤتمر. وكانت معظم المشاكل التي اعترضت الاتفاق في ذلك المؤتمر، الذي شارك فيه خليل زلماي، تأتي من المطالب المتشددة للمجلس الأعلى. وقد رضخت بقية الأطراف لبعض التنازلات الضارة، ونعني خاصة المعايير الطائفية التي أصر عليها المجلس الأعلى. وفي ذلك المؤتمر قدمت الأطراف الكردية بوجه خاص تنازلات مهمة. ونذكّر أيضا بقرارات مؤتمر دوكان في 20 نوفمبر 2004، والذي حضره 18 حزبا، منها المجلس الأعلى والحزب الإسلامي العراقي والمؤتمر الوطني. لقد أعادت تلك القرارات التأكيد على:
"تعزيز مسيرة التحولات الديمقراطية لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي موحد مستقل." لاحظوا أن الهدف الرئيس كان " العراق الديمقراطي الفيدرالي" وليس العراق الإسلامي كما ورد في مسودة الدستور المسخ. ودعت القرارات إلى تشكيل قائمة وطنية موحدة في الانتخابات. ولكننا نعرف التشرذم الذي حصل في القوائم، وانحياز المرجعية لقائمة بعينها.
وكان قانون الإدارة يمثل الحد الممكن من الاتفاق الوطني العام في تلك المرحلة. وهنا اضطرت الأطراف الإسلامية الشيعية للتوقيع مؤقتا لتعود فيما بعد حالا إلى نقض بعض تعهداتها والتزاماتها الهامة جدا بموجب ذلك القانون. إننا نعرف كيف حاولت تلك الجهات فرض حكم الشريعة على مجال الأحوال المدنية وحيث اشتركت في التصويت للقرار 137 حتى بعض الشخصيات التي عرفت سابقا باللبرالية والعلمانية، ولاسيما الدكتور أحمد الجلبي الذي دخل في حلف متين مع التيار الصدري واصفا إياه بتيار "المحرومين".
إن من حق العديد من الكتاب العراقيين أن يكتبوا بأن الأطراف الإسلامية مارست سياسة "التقية"، أي كتمان أهدافها الحقيقية في قيام نظام إسلامي قائم على حكم الشريعة، ونسف حقوق القومية الكردية والأقليات القومية التركمانية والكلدو ـ آشورية، والاستمرار في ظلم الأقلية الكردية الفيلية بدلا من رفع المظالم الكبرى عنها.
لقد عرفت إيران خميني بسياسة الكتمان والمراوغة، وهي تمارسها اليوم في موضوع تخضيب اليورانيوم لإنتاج القنبلة النووية لابتزاز العراق ودول الخليج، مستغلة تواطؤ روسيا وتذبذب مواقف الاتحاد الأوروبي، ومعتقدة بأن الورقة العراقية وورقة حزب الله في لبنان هما أسلحتها الأولى في اللعب على الحبال وكسب الوقت، تماما على نهج صدام. إن هذه الأساليب والمناورات أو بعضا منها هي التي تمارس اليوم على الساحة العراقية بعد أن فازت قائمة الائتلاف بفوز ساحق بفضل تدخل السيد السيستاني ورعايته العلنية لها. فما نشاهده اليوم هو محاولات مكشوفة للالتفاف على هدف الديمقراطية، ونسف حقوق المرأة، ومسخ مبدأ الفيدرالية. وقد كتبنا، وكتب العديد من كتابنا، عن الموضوع مرارا ومرات وكشفوا الهدف والأساليب، داعين إلى صيانة العملية السياسية من سياسات ومناورات وضغوط مهلكة تصب في مصلحة الإرهابيين والصداميين بالذات، وتشجعهم على المزيد من القتل والدمار، وتسلحهم بمعاذير جديدة لمواصلة جرائمهم الوحشية التي وقع عشرات الآلاف من العراقيين ضحاياها، فضلا عن الجنود الأمريكان والمدنيين والصحفيين والدبلوماسيين من عرب وأجانب.
إن مواقف الأحزاب الشيعية الراهنة تضعف الجهود في مواجهة حرب الإرهاب، بل وإن هناك، وكما ذكر الكثيرون عشرات المرات، تنظيمات وميليشيات شيعية تمارس إرهابا آخر ضد المواطنات والمواطنين تحت علم حكم الشريعة.
لقد وصلت الحالة مأزقا كاملا ما لم تتراجع هذه الجهات عن مواقفها المدمرة، وتفي بتعهداتها المعلنة أمام الرأي العام العراقي والدولي. وبخلافه، فإن أية تنازلات جديدة من القوى والشخصيات الوطنية الأخرى، ولاسيما من الجبهة الكردستانية، ستكون مسامير في نعش العملية السياسية نحو الديموقراطية الفيدرالية.
إن كل شئ يتبع طبيعة النظام الذي نريد. إن قضايا الفيدرالية وكركوك وحقوق الأقليات وحقوق المرأة تعتمد جميعا على طبيعة ذلك النظام: هل سيكون ديمقراطيا مدنيا لتتحقق تلك الأهداف، أم إسلاميا لن يسلم فيه كل ما اكتسبه العراقيون من حريات بعد سقوط صدام وكل مكاسب الشعب الكردي وحقوق كردستان طوال التسعينات.
هذا هو نظام السودان قد أباد مئات الآلاف من أبناء الجنوب وهتك أعراض الآلاف من النساء هناك، مستعملا العنف الدموي مشفوعا بالمناورات، وجاءوا بقرنق نائبا للرئيس ليغتالوه حالا؛ وحالما نجحت ثورة خميني حتى سلط نظام ولاية الفقيه نيرانه على الكرد، واغتال الزعيم قاسملو. وإن نظام خامنئي ـ أحمدي نجاد يعيد المرة اليوم على الشعب الكردي قتلا بالجملة ودمارا. إن هذا شأن ونهج كل الأنظمة الإسلامية، ولا سبيل غير الديمقراطية المدنية العلمانية التي تفصل الدين عن السياسة وشؤون الدولة، فلا حكم شريعة، ولا النص في الدستور على دور المرجعية الشيعية التي يجب أن تتفرغ لواجباتها الروحية والأخلاقية.
إننا نتوجه مجددا لجميع القوى والأطراف الديمقراطية واللبرالية أن تتكاتف بقوة في هذا الظرف الدقيق لتقف معا في وجه مشاريع الإسلام السياسي المبيتة للعراق. ونرجو من الجبهة الكردستانية خاصة أن لا تقدم أية تنازلات جديدة على حساب الديمقراطية والعلمانية لأن جميع القضايا والمطالب الكردية، وكما مر، مرتبطة بقيام نظام ديمقراطي حقيقي في بغداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل ساعات من التصويت في الانتخابات البريطانية.. توقعات بتفوق


.. مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومستوطنين أثناء إخلاء بؤرة اس




.. موريتانيا: وفاة ثلاثة متظاهرين أثناء احتجازهم بعد احتجاجات ع


.. موريتانيا.. مقتل 3 متظاهرين إثر احتجاجات اعتراضا على نتائج ا




.. شاهد | تجدد الاشتباكات بين الشرطة الكينية ومتظاهرين في نيروب