الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انه محضر أجتماع – تحقيق... وليست مقالة

فريد حداد

2002 / 12 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



 
نشرت أخبار الشرق على موقعها الألكتروني بتاريخ 30112002 مقالة للسيد علي جابر تحت عنوان ( اطلاق سراح الترك : رسالة واضحة للآخرين  )
اني لأعترف ,  بأني كنت عاجزا عن فهم ماذا يريد صاحب المقالة تلك ان يقول ,  حتى بعد ان قرأتها مرات عديدة . وللحقيقة فقد بدأت الطلاسم تتضح المعالم بعد ان قرأتها بروح مختلفة , روح قراءة محاضر الأجتماعات والتحقيق . وما ساعدني في ذلك شيئا ما في الذاكرة . ذاكرتي وذاكرة كل من ابتسم له الحظ وكان يوما معتقلا سياسياً في الوطن .ولمن لم يسعفه الحظ ويدخل في دوامة التحقيق في فروع الأمن السوري خلف ابواب موصدة ننوه الى ان التحقيق عادة ما يجريه عدد من المحققين في وقت واحد , تكون رتبهم العسكرية متناسبة وأهمية المعتقل بحسب مقاييسهم , ويتقمص كل منهم دوراً مفتعلاً , فمنهم من يتقمص دور الناصح , أو العاقل الذي يتأسف على جهل المعتقل وكيف لا يستطيع ان يدرك مصلحته , أو الشرس الذي طفح الكيل معه ويتوعد السجين بالويل والثبور وعظائم الأمور ان هو لم يعترف بذنوبه وهكذا . وما يميز كلامهم جميعا هو عدم تعبيرها عن حقيقة رأي قائلها , وعدم وجود معنى واحد يوحدها , وعدم وجود منطق مشترك يربطها . هدفها كلها خلق نوع من البلبلة والتشويش في ذهن السجين ,  واثارة الشكوك عنده بمن حوله ممن تربطه معهم علاقات سياسية أو أجتماعية . كل ذلك  بهدف اضعافه ,  والسيطرة عليه ,  وانتزاع أكبر معلومات ممكنة منه ,  وبالتالي استثماره سياسياً أو أمنياً أو كلاهما معا ان نجحوا .
وعلى ما اعتقد  فأن محضر الأجتماع – التحقيق الذي قدمه لنا السيد علي جابر , هو احدى جلسات التحقيق التي اجريت مع السيد رياض الترك ,او صورة عنها أ و عن اي تحقيق آخر لتشابههم جميعا .  فها هو أحدهم يظهر تودداً كذوباً من خلال وصفه " بالعجوز المشاغب " , وذلك يمنه بأن الفضل في شهرته تعود للأجهزة الأمنية التي منحته فرصته في ان يكون بطلاً هو وغيره بقوله " مثله مثل الكثيرين الذين أعطتهم السياسة الإعلامية السورية، وبعض الأجهزة الأمنية، فرص "البطولات" , وذاك يقلل من شأنه بأنه لا يشكل أي خطر على دولة مثل سورية , ويعود أحدهم ليظهر استخفافه بالمعارضة السورية في الخارج بوصفها بالصبيانية " ولكن يجب أن يتم التمييز ما بين هذا العجوز المشاغب، و"الصبية المشاغبين" الذين لا يملكون إلا "الإثارة" والمشاغبة إن لم نقل "الوصولية"، وبعضهم معروفون في الخارج، مع الاحترام الشديد لشخوصهم."
 , وآخر يقلب المنطق رأساً على عقب , ويصبح  ارهاب أجهزة الأمن للمواطنين وبطشهم بهم من مسئولية أولئك المهجّرين قسراً الذين وحسب المَحضر " خدعوا من يمسك ملفاتهم " , وبلفتة ليست ذكية على الأطلاق يسعى أحدهم الى مديحه عن طريق الزم بالآخرين الذين بحسب رأيه  "  ليس لديهم فكر ونظرية، تستحوذ على شريحة من المجتمع حتى لو كانت صغيرة " ( على مبدأ : أنت جيد ولكن ابن عمك مجرم ) , وهذا يحمّل رفاقه القدامى في الحركة الشيوعية السورية مسئولية ظلمه , وكأنه ليس النظام من ظلمه , وذاك يرمي سيف التفرقة بينه وبين رواد المنتديات التقافية عن طريق نسب أقوال ليست صحيحة اليه "  لأنه أكثر من يعرف أن هذه المنتديات هم أعداؤه "الفكريين" والطبقيين، "كما يحلو له أن يقول"، فأين منه "النضال الطبقي"؟ "

 ان ما سأقوله هنا , ليس بهدف الدفاع عن السيد رياض الترك شخصياً , لأنه ليس بحاجة أحد ليدافع عنه , بل هو استنكار للماضي الذي عشناه , وتوضيح لبعض نقاطه , كما انه رفض لهذا الماضي في ان يستمر في حاضرنا , لأنه أصبح جلياً للجميع حجم الدمار الذي ألحقه بنا جميعا وببلدنا ( طبعاً عدا من وضع نفسه فوق الوطن ) ورفض لأن تتحول تلك المحاضر – التحقيق الى اعلام منتشر لأنه يشير الى أصرار أصحابه على السير في نفس دروب الخراب السابقة .

ان الشهرة العالمية والسمعة الطيبة لمانديلا العرب , التي حققها بفعل صلابته واخلاصه للمبادئ التي آمن بها , وثباته عليها , واستمراره في الدفاع عن ثلاثي الحق , والأنسان , والوطن , بالرغم من قضاء ثلث عمره في ظلمات السجون , لا يمكن ان يكون الفضل فيها لرجال الأمن " أصحاب الصدور الضيقة " الا اذا اعتبرنا ان الفضل يعود للجنرال غورو قائد الحملة الفرنسية على سورية عام 1922 في اظهار بطولة وشجاعة البطل يوسف العظمة , أو كأن يعود الفضل للأحتلال الأسرائيلي في شهرة الشهيد محمد درة .
 
ان ضيق صدر بعض الأشخاص , الذين يحاول المحضّر ملامتهم على انهم قدموا خدماتهم على طبق من فضة للسيد رياض الترك , ليكون مشهوراً وشاغلاً للسياسة السورية , لم يكونوا هم في الحقيقة من قدم تلك الخدمة , بل رئيسهم الراحل , الذي وبأمر شخصي منه , أمضى السيد الترك سبعة عشر عاما من حياته في زنزانة – قبر  تحت الأرض دون محاكمة ,  ولا  مسائلة قانونية , أو اي اجراء قضائي , ان ذاك الأعتقال كان استخداماً بالغ السوء لأمتلاك السلطة ,  بهدف البطش بالمعارضين ,  لأخضاعهم لسلطانه  .

ان السيد رياض الترك وما يمثله من تنظيم سياسي ومبادئ ,  لم يكن في يوم من الأيام ممثلا لخطر على الدولة حتى وان كان يقود جيوشا جرارة , بل انه , كان وما يزال وسيبقى يشكل خطرا داهمًا, ولو حتى بمفرده , على اولئك الذين وضعوا انفسهم فوق الوطن وبالأكراه , وحولوه الى مزرعة خاصة لهم , وما زالو يستغلونها ابشع استغلال .

ان السيد رياض الترك نفسه , لايتعالى على أحد من الآخرين , لا في الداخل ,  ولا في الخارج , ولا ينتقص من قيمة أحد ,  أو من دوره ,  فمهما كانت اسماؤنا او اسماء احزابنا ,  او برامجها , فكلنا ابناء للوطن ,  ولنا نفس الحقوق ,  وعلينا نفس الواجبات , وصناديق الأقتراع وحدها هي التي  تحدد لكل منا دوره ومسئولياته  في الحياة العامة .

ان الظلم الذي لحق برياض الترك ,وبملايين غيره ,  كان له مصدراً واحداً هو النظام الأستبدادي القاهر, وان أقطاب الحركة الشيوعية السورية , لم يظلموه , بل ظلموا انفسهم , عندما وضعوها  في خدمة النظام منذ ثلاثين عاما مضت , والآن يعود النظام لتحميلهم مسئولية ما فعلت يداه .

ويتابع المحّضر فيقول "  يرى بعض العارفين، أن الإفراج عن رياض الترك، لم يكن صدفة، وكذلك لم يكن إنسانياً بحتاً. بل هناك عوامل عدة تجعل القيادة في سورية تنظر إلى "العجوز المشاغب" بأنه وضع نفسه في خانة، لم يكن مضطراً إليها، ولا يرونها له "هم"، إضافة إلى احترام القيادة السياسية في سورية (وأعني الرئيس بشار شخصياً) للرأي الآخر، " .
نفهم من هذا , ان الأحترام الذي يحمله  السيد الرئيس بشار الأسد ,  الى السيد رياض الترك باعتباره هنا يمثل الرأي الآخر ,  كان له الدور الرئيسي في الأفراج عنه  . وهنا يضعنا الكاتب في حالة من التشويش الواجب المعالجة . فالسيد الترك كان قد تم اعتقاله في عام 1980 مع الكثيرين من كادرات حزبه تحت يافطة تعاونهم مع " عصابة القتل والأجرام " الأخوان المسلمين . وفي عام 2002 يجري الحديث على لسان المحضّر علي جابر , ونقلا عن جهات عارفة كما يقول ,  بأن القيادة الحالية , والتي هي استمرار للقيادة الراحلة كما يريد اصحاب النفوذ للناس  ان تؤمن , تحترم السيد رياض الترك كرأي آخر .  رأيان متناقضان لنفس القيادة , بنفس النهج ونفس الشخص  – فأيهما نصدق ؟
فاذا صدقنا الرأي الأول فهذا يستدعي بقاء السيد رياض الترك وكادرات حزبه خارج دائرة احترام السيد الرئيس للرأي الآخر ,  وهذا ما ينفيه  المُحضّر , نقلاً عن بعض العارفين ,  أي ان احترام السيد الرئيس للرأي الآخر قائم مع الحفاظ على ادعاء 1980 باعتبار ان النظام الحالي هو استمرارية للنظام الراحل ,  وهذا يستدعي  كتحصيل حاصل أحترام السيد الرئيس للرأي الآخر ممثلا بالرأي المنفي قسراً خارج البلاد , مما يستوجب الأفراج عن كل المعتقليين الأسلاميين والغاء القانون 49 الذي يقضي باعدام كل منتسب الى الجماعة واعادة كل المهجرين دون مسائلة والتعويض عن كل الأضرار التي لحقت بهم . الأضرار التي سببتها لهم نتيجة الأعتقالات والتعذيب والملاحقة والموت تحت التعذيب والأعدامات  للعديد منهم . وان صدقنا الثانية مع الغاء الأتهام القديم ( اتهام التعاون مع الأخوان المسلمين )  فايضا هذا يستدعي ان تقدم السلطة اعتذارها الى السيد الترك وحزبه ,  والتعويض لهم عن كل ما أصابهم ايضا من ملاحقة واعتقال وتعذيب وموت تحت السياط .
ولكن شيئاً من هذا وذاك لم ولن يحصل لأن كل ما ورد في أقوال المحضر هي فقاعات لا معنى جدي لها بل قيلت لما سيرد لاحقاً .

ان الأحترام الذي يحمله الرئيس بشار الأسد الى الرأي الآخر, بحسب ما ورد في المحضر – التحقيق  هو احترام منتزع بفضل الصمود الرائع لأبي هشام , وليس مكرمة من "  المكرمات الرئاسية " , ولو كان هذا الأحترام حقيقة كما يدعي المُحضر لوجب صدور أمر تبييض السجون بأقرب وقت .

في مداخلة السيد رياض الترك مع تلفزيون الجزيرة القطري قبل اعتقاله الأخير بأيام معدودة وصف أصحاب مراكز القوى في سورية بأنهم (  يملكون السلاح ,  وأموال هائلة منهوبة من الشعب ,  وخبرة واسعة في تفرقة الصفوف )  . وها هم هنا يعودون لممارسة نفس الأسلوب القديم – الجديد في تفرقة صفوف المواطنين . ففي سبعة عشر سطرا من المحضر – التحقيق ,  هناك ثلاث محاولات لأشعال الفتن وتفرقة الصفوق  بين كلٍ من رياض الترك و :
1 – المعارضة الخارجية المهجّرة ,  بطريقة مديحه كصاحب مبدأ وبرنامج , وزمهم ووصفهم بالصبية المثيرين للشغب .
2 –  وجوه "  الحركة الشيوعية السورية "  ,  بزعم انهم ظلموا رفيقهم وليس النظام من ظلمه .
3 –  رجال الفكر والثقافة السوريين رواد المنتديات الثقافية ,  بطريقة نسب كلام كاذب للسيد الترك حول المنتديات .
ان هذا السلوك الصبياني اللامسئول هو الذي اوصل البلاد الى هذه الحالة المتردية سياسياً واجتماعياً ,  وأصبح مدَركاً ,  ومفهوماً من الجميع . ولم يعد ينطلي على أحد . ولهذا فطالما أن تفكير اصحاب النفوذ ,  ومراكز القوى ,  ما زال يتمحور حول خلق الفتن , وتفرقة المواطنين , ومنع لقائهم وتوحدهم ,  للأرتقاء بعدها  الى مرحلة عمل متقدمة ,  لتحرير الأرض ,  والتوحيد القومي ,  والتطور الأجتماعي . فهذا يعني ان جهوداً هائلة أخرى ستضيع , وأي حديث خلالها عن الأصلاح والتحديث , لن يكون له اي معنى أكثر من تخفيض سعر الكيلو غرام من السكر 15 قرشاً غداة  " الحركة التصحيحية " 1970 .

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع الرئيس ابراهيم رئيسي بعد مقتله في حادث تحطم مروحية | ا


.. الضفة الغربية تشتعل.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائي




.. هل ستتمكن إيران من ملئ الفراغ الرئاسي ؟ وما هي توجهاتها بعد


.. إل جي إلكترونيكس تطلق حملة Life’s Good لتقديم أجهزة عصرية في




.. ما -إعلان نيروبي-؟ وهل يحل أزمة السودان؟