الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه حقيقة الفاشية هنا.. ولن ندعها تمر

رجا زعاترة

2005 / 8 / 8
القضية الفلسطينية


* بمجزرة شفاعمرو طرقت الفاشية على الأبواب * من يدرك خطورتها ومبتغاها حقا لا يملك ترف السخرية والتنظير بأنها مرّت * الفاشية هنا، هذه حقيقة * لكن مرورها منوط بنا وبما سنفعله لصدّها * المجزرة مؤشر صارخ جديد على التهديد الوجودي للجماهير العربية وللهامش الدمقراطي في إسرائيل * مهمة المرحلة هي مجابهة الخطر الفاشي * يجب ملاحقة الحكومة ومطالبتها بتحمّل مسؤوليتها * ويجب استنفاذ كل الآليات الموجودة في جعبتنا * ولكن كل هذا سيكون أشبه بأوراق الخريف في مهب الريح إذا لم يرافقه نضال جماهيري ميداني * لأن المجابهة الأساسية مع الفاشية ستكون في الشارع * المطلوب تحرّك منظم عربي - يهودي في التركيبة، دمقراطي كفاحي في الجوهر * وهذه المهمة الملحّة تتكامل مع المهمة الأكبر التي أخشى أن نكون قد تخلفنا عنها تحت وطأة القمع والإفقار والطائفية: أن يساهم هذا الجزء الحي والواعي والنشيط من الشعب الفلسطيني، من موقعه المتميز داخل إسرائيل، في المعركة الوطنية والدمقراطية لتجفيف المستنقع الاحتلالي الذي ينمّي موبقات الفاشية *
ليت كان في امكاننا الإدعاء باننا صعقنا بمجزرة شفاعمرو التي اقترفها جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي من بؤرة الإرهاب الكاهاني "تبوح"، فرغم الفاجعة تبقى حقيقة ان المسألة كانت مسألة وقت فقط حتى يخرج إرهابيو اليمين الفاشي مآربهم الدموية الى حيز التنفيذ. لقد وقع ما حذرنا من مغبته مرار وتكرارا في السنوات الخمس الأخيرة.
إن واجبنا الأخلاقي والإنساني والكفاحي تجاه ضحايا هذه الإرهاب الفاشي، ومسؤوليتنا السياسية على مستقبل وحياة هذه الجماهير ومشروع صمودها وتطوّرها، يتطلبان موقفا وممارسة مسؤولين يرتقيان إلى مستوى خطورة المرحلة التي بدأت يوم الخميس، مرحلة تـُجنى فيها الثمار الناضجة التي ترنحت طويلا بفعل الرياح الفاشية التي تعصف باسرائيل في السنوات الأخيرة.
يجب رؤية مجزرة شفاعمرو في سياقين؛ سياق نزع شرعية الجماهير العربية، المتواصل منذ عقد من الزمن، والمتصاعد سياسيا وقمعيا منذ أكتوبر الأسود، وسياق الهروب من غزة، و"الصراع" – إن جاز التعبير - بين شارون واليمين الاستيطاني، وبالتالي رؤية مساحة تقاطع هذين السياقين، والتي ضمنها يندرج الإرهاب الدموي في شفاعمرو.

* من المسؤول؟منذ سنوات والجماهير العربية وممثلوها المنتخبون يتعرضون لحملة إجرامية مبرمجة، عن سبق الإصرار والترصد، من قبل اليمين الإسرائيلي، بمن في هذا وزراء ونواب وزراء في حكومتي شارون (والعمل) الأولى والثانية. الجهاز القضائي لم يحرّك ساكنا إزاء التحريض الدموي الذي لم يتوقف يوما، من على منصة الكنيست، ومن خلال وسائل الإعلام.
دفيئة الإرهاب والعدوان الاحتلالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والأزمة الاقتصادية-الاجتماعية داخل إسرئيل، وجبن اليسار الصهيوني وفشله في تقديم بديل لشارون وسعيه الى تبديل اليمين الفاشي داخل حكومة شارون، وتراجع الجاهزية الكفاحية لجماهيرنا المقموعة سياسيا والمنهكة اقتصاديا؛ في ظل هذا الواقع الخطير نجحت الرياح الفاشية في تحويل العنصرية الى تيار مركزي في السياسية الإسرائيلية؛ تيار يبدأ من أقصى اليمين مرورا بحزب "الليكود" إلى قلب حزب "العمل"، الذي ضمّ الى صفوفه الأسبوع الماضي فقط أحد رموز الدموية لأكتوبر الأسود، إليك رون.
المسؤولية لا يتحملها منفذ العملية الإرهابية وحده، ولا التنظيم الكهاني وحده. إن المسؤول الأول والأخير، المباشر وغير المباشر، هو حكومة شارون-العمل، التي تغذي المستنقع الذي على ضفافه تنبت هذه الموبقات الفاشية، مستنقع الاحتلال والاستيطان المتواصل منذ 38 عاما.
كما ان جميع أذرع المؤسسة الحاكمة (بمن فيها الجهاز القضائي وليس الأجهزة "الأمنية" وحدها) شريكة في المسؤولية عما حدث. لأنها شرعنت – بالفعل أو بالتقاعس أو بما بينهما – هدر دم العرب وتصفية شرعيتهم السياسية كمواطنين في الدولة.

* ما المقصود؟العملية الإرهابية في شفاعمرو هي تطور خطير (وللأسف متوقع) في حملة نزع الشرعية، ولكن لا يمكن عزلها عن خطة "فك الارتباط" الشارونية وتمرّد المسخ الاستيطاني على خالقه. ولا إغفال حقيقة أن هذا التمرّد هو بشكل ما صراع على الشرعية، شرعية الاستيطان والأصولية الدينية مقابل شرعية الخطة ومهندسها شارون.
من جهة، اليمين الاستيطاني يدرك انه فقط تطور دموي ضخم قد يحول دون إخلاء مستوطنات غزة وانقلاع قوات الاحتلال، ويندرج في هذا أيضا نشاط العصابات الفاشية التي تسعى إلى المس بالمسجد الأقصى لتفجير الوضع مجددا.
ومن جهة أخرى هذا اليمين الأصولي، الغيبي، يتمرّد على أكثر البقرات الإسرائيلية قداسة، المؤسسة العسكرية، وعلى الأب الروحي التاريخي لفكر التوسع الإستيطاني وأرض إسرئيل الكبرى، اريئيل شارون.
وكما ذكرنا اعلاه فإن العنصرية أخذة في التحول الى تيار مركزي، ما يعني أن هذه العملية الإرهابية – وإن أدينت رسميا – تخاطب صلب الإجماع الصهيوني المهووس بالتحريض الدموي حول الخطر الديموغرافي والطابور الخامس والسرطان في جسد الدولة والدود والخلل الجيني والأفاعي. المستوطنون يخاطبون هذا الإجماع من خلال سفك الدم العربي المهدور.
المستوطنون يريدون وقف الانسحاب من غزة بأي ثمن، وتتوافر الآن في المجتمع الإسرائيلي ظروف كثيرة تدفعه نحو المنحدر الفاشي. فهذا المجتمع يتعرض منذ سنوات لغسيل دماغ عنصري، ولتغذية دسمة من جرائم الاحتلال في اللأراضي المحتلة عام 1967 التي تفتح شهية العنصريين والفاشيين أكثر فأكثر، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يراد تخفيف حدّتها من خلال التمترس في الخندق القومي الصهيوني وكأن لا فارق بين المستغِلين والمستَغلين ما داموا جميعا من اليهود، ويضاف غلى هذا كله مشهد "فك الإرتباط" حيث التهديد بـ"حرب أهلية" وبـ"انشقاق الشعب" سيد الموقف، وإذا تم استطلاع آراء المجتمع اليهودي اليوم فالغالبية ستقول لك إن الحرب الأهلية هي الخطر الأساس الذي يتهدد إسرائيل وليس خطر الفاشية (وهذا، مرة أخرى، ليس معط ثابتا بل مرتبط بما سنفعله لتغييره أيضا).

* من المستهدف؟إن التهديد الموجه إلى الجماهير العربية هو بحد ذاته تهديد للهامش الدمقراطي في إسرائيل، والتجربة تعلمنا ان العرب قد يكونون الضحية الأولى لكن الفوهة الفاشية سرعان ما ستوجه الى قوى داخل المجتمع الإسرائيلي كما حدث عند اغتيال رابين عام 1995.
يجب أن تكون مجابهة الفاشية عربية-يهودية في تركيبتها، دمقراطية كفاحية في جوهرها، ويجب أن تتنادى الى هذه المهمة جميع القوى الوطنية المسؤولة في الشارع العربي، وجميع القوى التقدمية والدمقراطية في الشارع اليهودي.
في تاريخ جماهيرنا أكثر من تجربة يمكننا الاعتبار منها، والمثال الكلاسيكي هو بالطبع المواجهة مع حركة "كاخ" الفاشية بقيادة الراب مئير كهانا في ثمانينات القرن الفائت، والإرهابي الذي سفك دم الأبرياء في شفاعمرو عضو في تنظيم "كاهاني". وأعتقد أنه لا ضير البتة في العودة الى الوثائق التاريخية ذات الصلة، ومن يفعل هذا يدرك أن علينا الإنطلاق من وحدة النضال العربية اليهودية هي مفتاح أساس في مجابهة الفاشية، وكذلك من الوحدة الكفاحية بين جماهيرنا العربية، التي يجب أن نعترف بأنها تضعضت مؤخرا بسبب داء الطائفية والعائلية وظواهر الانتهازية السياسية.

* ما العمل؟لا بد من استشفاف الخطر المحدق بالجماهير العربية وبالدمقراطية في إسرائيل من خلال مجزرة شفاعمرو الأليمة. هذه المجزرة يجب أن تكفي لندرك أن الوقت يدهمنا وأن الفاشية لن تنتظر وإنما ستنقض علينا بشراسة تستدعي تجنيد أوسع وحدة صف كفاحية في الشارع العربي، وشراكة متينة مع القوى اليهودية التي تعرف انها إذا لم تدافع عن الدمقراطية اليوم فإن الدمقراطية لن تدافع عنها في الغد.
إن الغضب الذي تجلى منذ المجزرة هو قوة المطلوب إجادة توظيفها واسثمارها، وتحويل هذه المجزرة المروعة الى رافعة في النضال ضد الفاشية ومن أجل السلام العادل والدمقراطية، وإلى نقطة تحوّل فارقة في المعركة ضد الوسواس الطائفي، لقد اخلتطت دماء أهالي شفاعمرو من مختلف الطوائف، بين قتلى وجرحى، صحيح اننا لسنا في حاجة لها ولكنها حيت سفكت أكدت للمرة الألف وحدة مصير جماهيرنا وضرورة تحويلها الى وحدة نضالية ضد الفاشية التي تستهدف العربي أيا كان انتماؤه الطائفي أو السياسي.
إننا إزاء مرحلة جديدة.. مرحلة خطيرة جدا، لا مكان أو وقت فيها للتململ والتأتأة، مرحلة تستدعي الإرتقاء حقا، موقفا وممارسة، الى مستوى التهديد الوجودي على حياة وأمن جماهيرنا العربية.

* الآن وليس غدالقد تناقلت وسائل الإعلام في اليومين الأخيرين خبرا مفاده ان أحد وزراء "العمل" سيقدم في جلسة الحكومة اليوم (الأحد) اقتراحا بتشكيل لجنة تحقيق رسمية. وهذا بحد ذاته خطوة جيدة لكن حذار ثم حذار من إيهام أنفسنا بأنه يمكن ائتمان القوى والسياسات الشريكة في إنتاج هذه الوضعية – وأقصد بالذات حزب "العمل"، تاريخيا ومنذ أكتوبر 2000 – على هذه المعركة لمجابهة الفاشية. هذه معركتنا نحن؛ معركتنا على وجودنا وحياتنا وأمننا.
أنا من أجل ملاحقة الحكومة ومطالبتها بتحمّل مسؤوليتها السياسية عمّا جرى، وعينيا بنزع سلاح المستوطنين الآن وليس غدا، وبلجنة تحقيق رسمية، وبلجم الفاشيين العنصريين. أنا من أجل استنفاذ كل الآليات الموجودة في جعبتنا. فلا غنى عن أي منبر، عن أية منصة، عن أية إمكانية لمخاطبة القوى العاقلة في المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط لمصلحة وأمن ومستقبل الجماهير العربية، بل لأن المعركة ضد الفاشية هي معركة على طابع المجتمع الإسرائيلي، وهي معركة كل المجتمع الإسرائيلي، وإن كان المواطنون العرب الضحايا المباشرين الأوائل.
ولكن كل هذا سيكون أشبه بأوراق الخريف في مهب الريح إذا لم يرافقه نضال جماهيري ميداني عربي يهودي. المجابهة الأساسية مع الفاشية ستكون في الشارع، وليس في أروقة الحكومة والكنيست حيث يتم إنتاج وشرعنة وتشجيع مقومات الإنفلات الفاشي. هذا هو امتحان القوى الوطنية في الشارع العربي، وامتحان القوى الدمقراطية الحقيقية في الشارع اليهودي، ؛ إمتحان لا تحمد عقبى السقوط فيه، لأن السقوط يعني أن تتحوّل جماهيرنا العربية، وأن تتحوّل الدمقراطية في إسرائيل، إلى لقمة سائغة بين أنياب الفاشية الزرقاء المستشرسة للإنقضاض. أما النجاح فيه فيعني تحويل مجزرة إلى النقطة الفارقة في مسيرة النضال العربي اليهودي المشترك ضد الفاشية التي لن تتخلف عن حرق الأخضر واليابس.
لعل هذه المجزرة المروعة قد أيقظ بعض الغافلين عن خطر الفاشية وضرورة مجابهتها. ويجب أن تشكلا هذه المجزرة تحوّلا جديا في النضال ضد الفاشية، الذي هو جزء من المهمة الأكبر التي أخشى أن نكون قد تخلفنا عنها تحت وطأة القمع والإفقار والطائفية: أن يساهم هذا الجزء الحي والواعي والنشيط من الشعب الفلسطيني، من موقعه المتميز داخل إسرائيل، في المعركة الوطنية والدمقراطية لتجفيف المستنقع الاحتلالي الذي ينمّي موبقات الفاشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية