الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع أنقرة وخريف المنطقة

جاك جوزيف أوسي

2014 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تتعرض منطقة الشرق الأوسط مُنّذُ ما يُقارب الأربع سنوات لهجمة الشرسة تُشن عليها ، بتوجيّه أميركي – غربي، بهدف إعادة رسم الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة التنين الصيني الصاعد ومحاصرة روسيا الاتحادية العائدة بقوة إلى مسرح السياسة الدولية. أما الصراع الثاني الذي يدور للسيطرة عليها فهو ذو شقين، الأول تركي – خليجي يهدف إلى محاصرة إيران وتحجيّم دورها الإقليمي وبعبارة أخرى تحطيم ما يُسمى (الهلال الشيعي) الذي يسعى لابتلاع (الأُقيانوس السّنّي). والثاني تركي – قطري من جهة والسعودية ومعها باقي دول الخليج من جهة أخرى ميدانه طبيعة الإسلام الذي سيحكُم المنطقة. دون أن نُغّفل الدور الإسرائيلي في هذا الصراع والذي سيجعل تل أبيب القُبلة لدول المنطقة المتصارعة على قاعدة أن عدو عدوي .... هو صديقي.
في هذه المعركة رُفِعت الشعارات الإسلامية التي توزعت بين وكيلين حصريين، وشريك مُضارب. الوكيل الأول إيراني جاء إلى المنطقة مع الثورة الإيرانية عام 1979، والثاني تُركي وصل عام 2002 إلى السلطة في أنقرة بعد اضطهاد طويل انتهى (بتسوية) مع واشنطن. أما الشريك المضارب السعودي الذي يرتدي العباءة الوهابية، فهو يتجنّب الاصطدام بالأنظمة القائمة بشكل مباشر ويحاول أن يشتري صمتها إن غزّ عليه شراء ولاءها، فإن فشِل حرّك خلاياه النائمة كي تُعيث في الأرض خراباً ودماراً.
بذلك تكون القضايا القومية والوطنية تراجعت حتى كادت أن تموت وتندثر، لأن الإسلاميين اعتبروها بِدّعة نسبوا إليها كل الخطايا والموبقات التي كانت موجودة في مجتمعاتنا، وصوّروها قناعاً للدكتاتورية العسكرية وطغيان حكم الفرد. وبالنتيجة، كان ما يسمى (الربيع العربي) بداية المؤشر لهذا الهجوم والصراع، والقشرة التي قسمت ظهر البعير وتفّجرت بسببه كل العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية في الشرق الأوسط.
هذه اللحظة هي التي كان العثمانيون الجدد في أنقرة ينتظرونها كي يتقدموا ويسيطروا على المنطقة من جديد ويُعِدوا تشكيل ما يعتبرونه "العصر الذهبي" للدولة العثمانية، متناسين أن شعوب المنطقة، ومن ضمنها الشعب التركي بمكوناته المختلفة، خاضت في طريقها من أجل نيل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية صراعاً طويلاً وقاسياً ودموياً مع أجدادهم، الذين مثّلوا لهم، في تلك الفترة، آية الظلم والاستبداد وأسوء صورة للبطش والطغيان وكانوا لهم بمثابة شياطين القمع والاستغلال، احتكروا مسيرة تاريخهم واحتقروا إنسانيتهم وتحكموا في مصيرهم.
هذا التاريخ يراه العثمانيين الجدد محض هواجس وأوهام، ومليء بالكذب والافتراء، عناوينه تؤدي للفوضى والهياج، كتبه الحاقدون عليهم وعلى أجدادهم. وفي المقابل يُقدم سدنة العثمانيون الجدد وكُهّانهم لشعوب المنطقة التاريخ الذي يرونه الصحيح والذي يُمثّل رواية الغالب الذي دوّنها بدموع ودماء المقهورين وزينها بصيحات وصرخات المعذبين والمسحوقين من أبناء هذه الأرض الأبية.
كل ذلك من أجل محاولة وضع "النير العثماني" من جديد على رقاب شعوب المنطقة، كي يحوّلنهم إلى تُجار للموت ووكلاء للخراب ورسل للدمار باسم جلالة السلطان الذي هو دُمية بيد أمير الظلام الجالس في مكانٍ ما في هذا العالم يُحركها، وغيرها من الدمى، في سبيل تحقيق أهدافه ومخططاته.
من أجل ذلك تبنّت أنقرة المعارضة المسلحة في سورية وسلّحتها ودرّبتها وقدمت لها كل أنواع الدعم، وتبارى المسئولون الأتراك في تحديد المهل وتوجيه الإنذارات إلى الحكومة السورية كي ترحل، وحوّلوا أراضيهم إلى ممر لكل إرهابي العالم كي يتّجهوا إلى الأراضي السورية ويمارسوا جرائمهم بحق الأبرياء باسم الدين تارةً وباسم نصرة الشعب السوري تارةً أُخرى. وفي موازاة ذلك بدأت أنقرة بربط اقتصاد المناطق الشمالية التي خرجت عن سيطرة دمشق باقتصادها وأصبحت المعبر الوحيد للنفط السوري المسروق إلى الأسواق العالمية، والتي بدأت بشرائه بأسعار زهيدة جداً وتبيعه بأسعار السوق العالمية مُكدسة أموال طائلة على حساب السوريين ولقمة عيشهم. ومع صمود المواطن السوري والتفافه حول قيادته السياسية وتجديد الدعم لتوجّهها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بدأ هذا الحلم بالأفول مهدداً جهود ووجود العثمانيون الجدد بالضياع.
مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق "داعش" وسيطرته على مناطق واسعة بين سورية والعراق وإعلانه الخلافة الإسلامية، بدأت آمال أنقرة بالانتعاش مجدداً وباشرت بتنفيذ الخطوة الثانية من خطتها، حين غضت النظر عن تمدد الأكراد وسيطرتهم على مدينة كركوك وإعلان نيتهم تأسيس دولة كردية في شمال العراق، التي كان مجرد التفكير بها سبباً لشن تركيا الحرب في المنطقة سابقاً. ثم بدأت أنقرة بالعمل على احتواء الحلم الكردي وربطه بالواقع التركي حيث ستشكل أنقرة نافذتهم الوحيدة على العالم، الأمر الذي يعني ربط اقتصاد هذه الدولة التي قد تنشأ أيضاً بالاقتصاد التركي، وتكون حاجز لها بوجه التمدد الإيراني وخط الدفاع الأول بوجه تنظيمات الجهاد الدولي التي بدأت تتكاثر في المنطقة. هذا الأمر تكرر في الشمال السوري وخصوصاً في مناطق تواجد الأكراد، حيث البصمات التركية واضحة، التي أعلنت تأسيس إدارة ذاتية وانتخبت حاكم لمنطقة الحسكة بالآليات المعمول بها في تركيا. هذه الخطوة ترافقت مع توجيه نداء من أحد القيادات التاريخية الكردية لأنصاره ومحازبيه بالتوجّه لهذه المناطق والدفاع عنها ضد تنظيم "داعش".
هاتان الخطوتان إن دلّت على شيء فإنها تدّل على بداية تحوّل الأكراد إلى حرس حدود للدولة التركية، وتكون أنقرة بذلك قد طبقت الحكمة الصينية بحذافيرها، دعّ النمران يتصارعان ثم اقضِّ عليهما بضربة واحدة، فتحل القضية الكردية بتنازلات بسيطة لا تحدث اعتراضات داخلية عنيفة من جانب الجمهوريين والقوميين في أنقرة، وتستخدمهم في الوقت نفسه لقتال التنظيمات المتطرفة في حال فكّرت بالتغلغل داخل الأراضي التركية. في الوقت الذي تعمل على تقديم نموذجها الإسلامي للعالم، كنموذج معتدل، يُجاري العصر، منفتح على العالم مؤمن بالتعايش مع باقي شعوب العالم، حسب وجهة نظر العثمانيون الجدد. خصوصاً، بعد أن بدأت حكومات المنطقة والعالم تُطلق الإنذارات من تداعيات الفكر السلفي الجهادي المستمد من العقيدة الوهابية التي تُعتبر الحاضن الأسس لهذا الفكر، وتتوجس شراً من الطموح الإيراني الذي غُلِفَ بعباءة ولاية الفقيه وشعار تصدير الثورة الإسلامية.
في المحصلة النهائية تكون أنقرة، كرأس حربة حلف الشمال الأطلسي في المنطقة، ومن خلفها إسرائيل، قد نجحوا في خلق منطقة قتل سيستنزفون بها خصومهم عسكرياً وعقائدياً واقتصادياً (محور الممانعة بقيادة إيران والقوى الدولية التي تدعمه كروسيا وإيران والمحور السعودي – الخليجي) كخطوة أولى نحو تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. في الوقت الذي تعمل فيه هذه الدول على ترتيب بيتها الداخلي (انتخابات الرئاسة في تركيا وما قد ينتج عنها من تعديل للنظام السياسي في البلاد، ومحاولة إسرائيل على القضاء على روح المقاومة الفلسطينية وحل القضية الفلسطينية على حساب دول المنطقة، منع الغرب لروسيا من التمدد في أوروبا واستعادت نفوذها على دول الاتحاد السوفييتي القديم، وتفرّغ واشنطن لحل أزمتها الاقتصادية الداخلية وتركيز جهودها لمحاصرة المارد الصيني).
في الختام نرى، أن سكان الشرق الأوسط الذين انتظروا بلهفة وصبر على تقاطع الطرقات، وتضرّعوا بحرارة على أعتاب الأماكن المقدسة، واعتكفوا في الصوامع والخلوات داعين إلى الله كي يأتي المهدي المنتظر كي يملأ الدنيا عدلاً وخيراً بعد أن امتلأت ظلماً وجوراً. ولكن ما حدث هو أن الأعور الدجال أرخى بضلال عباءته على المنطقة وكشف اللثام عن وجهه فبانت عينه الجاحظة التي لا تنشر إلا الفوضى والخراب.
هذه العين هي عين الغرب وأعوانه والقوى الرجعية الطامعة بخيراتنا وثرواتنا التي تُريد حرماننا منها كي تبني مستقبلها ومستقبل أولادها. والبعض منا مدفوعاً بعقيدة فاسدة أو رغبة حاقدة أو جهالة واضحة ارتضى أن يكون دمية بيد هذه القوى الحاقدة ويُنفّذ مخططاتها بإدخال المنطقة بمعارك داخلية ضحينا خلالها بفلذات أكبادنا لتدمير أوطاننا وإلغاء تراثنا وإرهاق اقتصادنا واستنزاف مواردنا كي نُعمّر بلادهم ونُنشط اقتصادهم ونزيد من تكديس ثرواتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة