الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه مسودة الدستور وهذا بلاؤها مالعمل؟

طلال شاكر

2005 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كتب الكثيرون عن الدستور.مثقفون سياسيون حقوقيون،نساءً، ورجالاً بأستفاضة وبحس مهني وسياسي ، وتناولوه نقداً وتفنيدا وابدوا مهارة معرفية وسياسة في تتبع ابوابه وفصوله ولغته القانونية، واقلامهم تتقد بنار الحرص والمسؤولية ووجوهم تكتسي بغضبة الحليم الذي استشعر تجاوزا وتعدياً عليه وعلى حقوقه واماله، لقد كانت ردود الفعل التي اثارتها مسودة الدستور مشروعة ، فالناس وهم الذين لم يصحوا بعد من اثارونوائب النظام الاستبدادي المباد، كانوا ينتظرون دستوراً عصرياً انسانياً يجسد امالهم واهدافهم في عراق حر ديمقراطي لامكان فيه لهيمنة فكر او قومية او حزب. اذن هل كنا حالمون ونحن ننتظر دستوراً بهذه الموصفات وهذا الانتماءً يجسد امالنا وامال اجيالنا القادمة ان يولد ويأتي معافى وبولادة سلسة؟ ربما كنا حالمون ومثاليون الى حد اما ، عندما كنا نتوقع من مسودة الدستور ان تفتح ذراعيها لتضمنا اليها ونتبادل العناق معها لنهنئ بعضنا البعض على نجاحنا المشترك. مع الاسف كتب الكثير عن مخاطر الهيمنة الاسلاموية على الارض وامتداداتها ونفوذها المتصاعد، وكانت اغلب هذه التحليلات نافذة وصحيحة وهي تحذر من عودة للدكتاتورية،باسالب وصيغ مختلفة وتتحدث عن هيمنة وعن كانتونات طائفية, وقد شكلت هذه المعطيات التحليلية وبالضرورة تراكماً للفهم السياسي للوقوف على اللوحة السياسية الملموسة في البلد وتناسب مختلف القوى فيه وانطلاقاً من هذا الفهم الاولي فأن التوقعات الموضوعية لهذا الواقع لاتستطيع التغافل عن دستور يعكس صورة هذا الواقع واستحقاقاته من خلال الوجود الكثيف للقوى الاسلاموية في الشارع وجهاز الدولة ، وحتى هذه الجمعية الوطنية التي اضطلعت بمهمة كتابة الدستور، فانها كانت منسجمة مع نفسها بطريقة تفكيرها واشكال تعبيرها فحرصت حتى في مقرعملها ان تنتصب فوق منصتها الرئاسية في مقر الجمعية الوطنية اية قرانية(وامرهم شورىبينهم ) والتي لم تعلق تبركاً وضد حسد الحاسدين بل تعكس مدلولاً ومنطوق تشريعي اسلامي لاتستطيع تجاهل تجسيداته في ذهنية المؤمنين به الذين يشكلون الاغلبية (الساحقة) في هذه الجمعية العتيدة، و حتى في عمل الجمعية الروتيني، فأن بدايات ونهايات مداخلات هولاء الاعضاء المؤمنون تبدأ ببسملة وتنتهي تكبيراً وكأنها خطبة الجمعة وفي مسجد للمسلمين وليس في جمعية وطنية تضم كل اطياف الشعب العراقي بمختلف انتمااته الدينية والاثنية، بالطبع لسنا ضد تبريكاتهم وصلواتهم ولكن لكل مقام مقال وهذا غيض من فيض ، وانطلاقاً مما عرض فلااعتقد ان مضمون الصيغة والشكل التي عرضت بها مسودته والوضع الذي كتب فيه بعيدة عن هذا الواقع ،وبالتالي لايشكل على الارجح مفاجاة ومباغتة غير منتظرة للكثيرين .ان القوى الاسلامويه في العراق تمتلك مشروعا سياسياً واجندة متدرجة في تنفيده، وهي لاتريد ان تقيد نفسها بدستور مدني يخلق مطبات امام حركة مشروعها. ان كل هذه القوى الاسلاموية بعناوينها الشيعية والسنية تلتقي عند دستور يستمد روحه من مصدرتشريعي اسلامي وحتى لوكتب بصيغة عائمة و غير مباشرة فمسالة تاويله ليست عصية. المهم ان يحتوي هذا ا لدستور على ارتكازات قانونية تلجم اي جموح سياسي محتمل يناوئ وجهتهم ، رغم ان هذه القو ى تتفاوت في جذرية مواقفها السياسية وتتنازع على النفوذ السياسي في بيئة قلقة ومتناقضة. لقد كان النقد والملاحظات ودوي المواقف الرافضة لمسودة هذا الدستور مطلوبة وضرورية ومهمة وينبغي ان تستمر وان تتواصل وان لاتقف في حدود الدستوربل توسع دائرة نقدها ومعارضتا لكل مايهمش المطالب الحية والمشروعة لشعبنا العراقي... ان القوى الديمقراطية بمختلف تكويناتها وكل القوى الرافضة لاي نظام واي دستور يستمد مفاهيمه من حقائق وتوجيهات مطلقة مؤولة، ستجد نفسها مرغمة على خوض صراع غير متكافئ امام قوى تملك ايدولوجية،ونفوذاً,ومدعومة بقوة المرجعيات والملشيات وفضائيات,ومدن مقدسة مقفلة لنفوذها ،ودعم خارجي ،وهي تتحرك في سياق ديماغوجية سياسية مركبة ترتكزعلى مظلومية الشيعة وحقوقهم المسلوبة وغدى الامر وكانه ( قميص عثمان) وقد تماهت هذه المنطلقات مع اعتقاد راهن عند قطاعات كبيرة من الشيعة هو مايلاقونه من القوى التكفيرية من اضطهاد وقتل في بعض المناطق على اساس الهوية الشيعية.ان محاولة( تديين المجتمع) على اساس مذهبي جرت و تجري وفق مديات ثنائية متوازية،فالاول بدأ بعد سقوط النظام مباشرة في 9 نيسان اذ بدأت القوى الشيعية بمد نفوذها على المجتمع من خلال فروض الطاعة التي اوجبتها في جنوب العراق وبعض مناطق وبغداد من خلال ميلشيات مسلحة ودعاة دينيين ومارست الضغوط والقتل والتهديد.وكان ذلك من خلال فرض الحجاب في الجامعات والمدن ومنع الشرب وتعمييم اشرطة العزاء الديني,وتغييراسماء المدن كمدينة الثورة الى (الصدر) وفرض وجودها في الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة, والاخر كانت مرحلته الاخطروهي التي تلت ا نتخابات 30 كانون الثاني 2005 والتي تقاسمت فيه السلطة قوى الائتلاف الموحد مع القائمة الكردية, وبرزت القوى الدينية الشيعية كقوى مهيمنة في الجمعية الوطنية، وفي جهاز الدولة وعملياً العراق محكوم من قوتين الاكراد يحكمون في كردستان ويشاركون في العراق والقوى السياسية الشيعية تحكم القسم العربي ، في هذه المرحلة بدات القوى السياسية الشيعية تفرض( تديين المجتمع) من منطوق سلطة حاكمة تمتلك الاجهزة والنفوذ والبرنامج تعاضدها مرجعيات مليشيات ومجالس بلدية،وتحالف عشائري, واحزاب،ومؤسسات مجتمع مدني مؤدلج,ويخطئ من يظن ان هذه القوى لاتملك برنامج سياسي او كما يقدر بعض الباحثين،ان تتابع تكويناتهم في مجا ل المراة والشباب والاطفال والتثقيف الايدلوجي الديني في كافة المؤسسات التعليمية والثقافية، هو جزءمن هذا البرنامج العام. قد تلجأ هذه القوى الدينية الى كتابة دستور توافقي وتضع منطوق تنازلها في نصوص مرنة وتعيد كتابة ماهو خلافي باستعارات معتدلة,فهي لاتريد فرض منطقها فيه في ظل اوضاع سياسية قلقلة وتحديات كبيرة، الامن والارهاب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة والنقمة الجماهيرية المتصاعدة وموضوع الفدرالية ومشاركة العرب السنة وحتى امكانية لجوء ثلاث محافظات الى التصويت ضده لافشال اقراره، الخ..هنالك ملاحظة مهمة ينبغي اخذها بنظر الاعتبار ان كل هذه المكاسب التي حققتها القوى الاسلاموية كانت في ظل دستور مؤقت هو قانون ادارة الدولة المؤقت..ان مواجهة اي دستور سيكتب لاحقا لاتحسم توجهه وتؤثر على مضمونه فقط من خلال النقد والمعارضة وردود الفعل على اهميتها،فالامر يتعدى شروط هذه المفاهيم وتأثيرها وقد تحل جزءً من اشكالية الدستور وترضي بعض طموحاتنا المشروعة, ولكن العقدة الرئيسة في الموضوع العراقي عملية بناء مجتمع مدني حر لاتحكمه ثقافة الحقيقة الواحدة،من خلال دكتاتورية الاحزاب الاسلاموية الكبيرة، ان الدستور لايمكن تفعليل نصوصه بشكل ميكانيكي في بلد لايملك اي ارث ديمقراطي في جل تجسيداته، فالامريحتاج الى تفعيل مدني من خلال نشر الدمقراطية كثقافة كمفاهيم كممارسة في البيت في المدرسة في اجهزة الدولة في الشارع في لاحزاب، ان اليات تحقيق الديمقراطية ستكون ناقلا جامداً بدون المستلزمات الاخلاقية والانسانية وقيم احترام الانسان واختياراته الشخصية ان عملية البناء الروحي للمجتمع ستخلق التفاعل الحي بين المجتمع والدستورن ان هذه العملية المعقدة والطويلة لايمكن انجازها بدون حركة سياسة بديلة وثقافة مفتوحة. ان التجربة العملية والتاريخية للمسار السياسي في بلادنا علمتني ان الثقافة السياسية المجردة والقلم الناقد,ورؤية الباحث الحصيف والمفكر الاستراتيجي قد تنفع في حدود معينة وفي اتجاهات ضيقة اذا بقيت في نطاق النصيحة والوصف,ولكن اذا اقترنت هذه الرؤى بالتطبيق العملي ومواجهة الظروف برد وبدائل سياسية ملموسة مؤثرة تعبئ القوى الحية في المجتمع عندها تصبح صرختنا مخيفة ونقدنا مسموع، فلاقيمة لاستغاثة لاتنقذ صاحبها من الهلاك، ان الممارسة الديمقراطية المتاحة في بلادنا تتيح لنا كقوى علمانية وديمقراطية ويسارية بناء حركة سياسية نقيضة كما سماها كاتب محترم هوالاستاذ كمل سبتي في مقا ل نشر في الحوار المتمدن في 27 – 7- 2005 وقد ارادها كنقيض لثقافة الدكتاتورية وخطابها وعقلها وسياستها من اي لون وانتماء وهومحق في ذلك.ان مواجهة الهيمنة الاسلاموية وسياسة الالغاء والاقصاء التي تمارسها من خلال نفوذها لايتم بدون حركة سياسية تستوعب كل القوى السياسية بما فيها القوى الدينية المعتدلة المؤمنة بقيام مجتمع مدني يقبل به الاخر ويقر مبدأ تداول السلطة وينبذ ثقافة الحقيقة الواحدة واحترام الانسان بغض النظر عن انتمائه وجنسه، ان هذه الحركة السياسية ستكون مرجعية مفتوحة تستوعب كل التمايزات والاجتهادات تتحرك بسياق عقل جماعي وبرنامج سياسي مشترك.ان هذه الحركة السياسية الجديدة ستكون احدى الضمانات الاساسية للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي تواجه تحدي نسفها.لاسيما في ظل نظام انتخابي جديد يلغي مبدا الدائرة الواحدة ويستبدله بالتوزيع المناطقي الذي سيبدد اصواتا كثيرة وهدا كله لصالح القوى الاسلامية واحزابها الكبيرة،وكل هذه التحديات تشكل دافعاً حقيقاً وملحاً لنشوء حركة سياسية جديدة.ان الكفاح الذي سنخوضه سيكون شاقاً وطويلاً ويحتمل كل المفاجاة وان الثقة والامل ستكون من مستلزمات النجاح والعمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من