الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعاة المنابر والتطلع الى سلطة الحكم

خالص عزمي

2005 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لم يترك الكتاب والمفكرون عبر تأريخ طويل من دراسة عوالم السياسة الا وعبروا عنه بنعوت لايستطيع القلم الانزلاق الى هوتها وغمس ريشته في مياهيها؛ ذلك ان جهامة الوانها وسواد خزينها يشيران بوضوح الى ما في ذلك العالم المتدني من عفونة في المظهر والمخبر . وما عبارات ؛ الاعيب السياسة ؛ والقفز على الحبال ؛ والتلون بالمباديء؛ والسقوط في الهاوية ؛والهرولة وراء المناصب ؛ ولعبة الكراسي وما الى ذلك من تعابير هذه الايام...الا محسنات لفظية فيها تهذيب ارفع من حقيقة ذلك العالم المليء بالفضائح ؛ الغارق في بحر من اللامبدأية.... وحينما اتحدث عن السياسة لا اقصد مشروعها العام الذي يتضمن الجوانب الاصلاحية والدفاع عن الحريات والجهاد ضد المحتل فهذه من ابسط واجبات المواطنة تجاه قدسية الوطن وحقوق الشعب ؛ وانما اتحدث عن السياسة بمفهومها الخاص والتي لا تعني عند اكثرية لاعبيها الا القبض على السلطة. ولكن بمفهوم الاصلاح القيادي ؛ هناك شخصيات نادرة عطت في السياسة ومنحتها كل ذرة من حياتها بصدق وعقيدة ومبدأ بحيث لم تتزعزع عن طريق الوطنية الحقة ؛ وهؤلاءهم القادة المصلحون ؛ اذ لم يستطع هذا العالم الموبوء ان يلوثهم ؛ في حين انه استطاع ان يجر بعض الشخصيات الـــى سراديبه واقبيته الخفية بطرق شتى واساليب متفاوته مفصلة على مقاس كل منهم ؛ لينحدروا الى القاع كما رسم لهم و بعد فترة وجيزة من الزمن ... وهناك شخصيات ثالثة هي فاسدة اصلا وملوثة بدم مستورد يحمل كل جراثيم الكذب والزور والافك والموبقات الاخرىدونما اي شعور بالخجل او العار . بل ان السياسة المتعفنة هي العالم السحري الذي ينمو ويترعرع في احضانه ذلك النوع من الاشخاص ؛ باعتباره السوق الرائجة المضمونة لاماني هؤلاء الذين يزحفون الى اسفل للوقوف في طوابير الجمعيات المستوردة لكراسي السلطة . ان اصحاب المباديءالحقــة وغيرهم من ذوي الصفحات الناصعة في بناء الذات القويمة في جانبيها الخاص والعام؛ هم وحدهم الذين ينظرون بعيون الشعب الى (قرقوزات) السياسة من الصنفيـن الاخيرين نظرة الازدراء والرفض ؛ اما هم فلا يرون في ذلك اية منقصة او مهانة ما داموا يحققون اهدافهم ويصلون بشتى الاساليب المقززة الى مبتغاهم ؛ وما داموا ينالون من اقرانهم او تابعيهم او مرتزقتهم الاكبار المظهري و الاحترام الشكلي الذي يفرضه تملق الولاء. من هذه الزاوية يمكننا ان ننظر الى الجانب الاخر ؛ الجانب الذي يفترض فيه ان يكون ناصع البياض ؛ سليم النية ؛ مترفعا عن الدنايا والصغائر ؛ مؤمنا بالنقاء الروحي ؛ قائدا متعففا يلجأ اليه المحتاجون والعاكفون والسجد الركوع.... انه الضفة االشريفة لفردوس الدين التي يطمح اليها المؤمنون الحقبقبون( كما يصف كل ذلك رجال ركن التقوى)؛ فاذا كان الامر كذلك فماذا يتوجب ان يكون عليه قادته الكبار ؟ بل ماذا يتوجب ان يكو ن عليه رموز قدوته الحسنة تجاه التابعين او المقتدين ؟ الجواب هنا واضح وشامل وهو ان يكونوا الصفوة الخيرة والمثال الشرود في النزاهة والعفة والصدق والمروءة والايثار ؛ ولكن هذه الصفات هي على النقيض التام من الكذب والرياء والمداهتة وكــل انواع الغش والتملق والاحابيل والمراوغات التي يعرف بهاالعمل السياسي؛ وهذه اللااخلاقيات تحتاج الى ممارسة وتمارين ( بهلوانية) يومية على حبال الدنايا.. لقد عرفنا رجال دين بارزين كانوا نماذج رفيعة للفرد العراقي ؛ كان تدخلهم الدنيوي يتجه نحو فتوى الاصلاح والتآخي او الجهاد ضد المحتل ؛ ؛فكان اذاما صلى احدهم وجد خلفه الالاف من المصلين ايمانا منهم به كصورة حية ناطقة بالعفة والزهد قولا وفعلا ؛ واذا ما صعد المنبر فلا كلمة جارحة ولا قولة بذيئة ؛ حروفه مستقاة من صميم التوحيد والتآلف والتقارب؛ خذ على ذلك نماذج من تاريخنا المعاصر؛ فهذا الخطيب العالم المتبحر الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء لا يدعو الى الوحدة بين الطوائف العراقية بل يذهب بعيدا ؛ الى مصر والى فلسطين ... الخ ليعطي نموذجا حيا على ما للشخصية الدينية من منهج دائمي متواصل لتوحيد الكلمة وتقريب المذاهب ؛ وهذا العلامة الشامخ عبد الوهاب النائب كان اذا اعتلى منبره رأيت الناس وكأن على رؤوسهم الطير وهم يستمعون الى نصحه وارشاده في معاني الوئام وشد الاصرة والود بين ابناء الامة الواحدة ؛ وهذا المرجع الكبير السيد حسن الصدر ؛ الذي رسم صورته الكاتب البارع امين الريحاني في كتابه الملوك حينما قال : لقد اعاد اليّ ذكر الانبياء كما يصورهم التاريخ؛عندما رأيته جالسا على حصير في غرفة ليس فيها غير الحصير وبضعة مساند ؛ وكنت علمت ان لفتواه صدى لدى اكثر من مليوني سميع ومطيع وان الملايين من الروبيات التي تجيئه من المؤمنين في الهند وايرا ن انما يصرفها في سبيل البر والاحسان وانه مع ذلك يعيش زاهدا متقشفا..... " ثم ماذا عن جمهرة الزهاد من افذاذ رجال الدين الذين خيروا انفسهم ما بين جنان الصفات الطاهرة و بين مستنقعات السياسة الفاسدة ؛ لقد ابتعدوا مسافات ومسافات عن عالم الافك والخداع .....فما بالك في هذه الايام التي توسعت فيها هذه الرقعة السيئة الى ابعد حد بمقياس ايام العولمة و الفضائيات وشبكات الحزم الضوئية والانترنيت والقطب الاوحد ... هنا يقتضي الحال ان اعود لاقول قولاكريما في بعض النماذج من العلماءالمترفعين كمحمد طه نجف واسعد الدوري والشيخ الخالصي الكبير وعبد الملك الشواف وجواد الجواهري ويوسف العطا و المرجع الكبير الموّحد السيد محسن الحكيم ؛ وعباس حلمي القصاب وقاسم القيسي وامجد الزهاوي ومحمد حبيب العبيدي وعشرات غيرهم ممن تأكد لهم بالبرهان الساطع ان لا توائم ولا تواصل ما بين التطلع الى سلطة الحكم السيلسية وبين منابر الارشاد الى جوهر الدين والتمسك بالفضيلة..ومن هنا كانت القطيعة تجاه ا لمطامح نحوا لوصول الى السلطة .. كتلك التي ما بين المسجد والحانة ...؛. وهنا اعود الى الامرين المهمين اللذين تمسك بهما اولئك الخيرين : وهما الجهادضد المحتل وشد الآصرة ما بين المواطنين والدفاع عن حقوقهم المشروعة في شتى
المجالات ؛ واستطيع هنا ان اعطي مثلين حيين عليهما ؛ اما الاول فقد برز واضحا كمثل شرود في فتوى الجهاد ضد المحتل البريطاني على ايام ثورة العشرين
حيث تجلى موقف قادة السلطة الدينية بكل طوائفها في توحيد صفوف الشعب وراء راية الجهاد من اجل الحرية الحقيقيةوكانت هذه المهمة هي اعلى من اى جاه.
اما الثاني فقد تجلى في مناسبات عدة لعل ابرزها ايام وثبة الشعب عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث والتي سقط دونها العشرات من الشهداء من مختلف الطوائف
والملل على ارض العراق ؛ فقد حث كبار رجال الدين الجماهيرعلى التلاحم والتماسك ضد ما تبيته السياسة البريطانية ضد مطامح الشعب العراقي ؛ كما حثوا على ابراز الوحدة الوطنية بالحضور المكثف الى مجالس العزاء ؛ فكنت ترى كبار الشخصيات الشيعية وهي تزحف نحو مساجد وجوامع ؛ الحضرة الكيلانية والامام الاعظم والحيدرخانة والمشاهدة ووالشيخ صندل .... كما ترى جموع السنة وهي تتوجه الى مراقد الائمة الاطهار في الكاظمية والى الحسينيات والجوامع كبراثا والكرادة والبو شجاع وعبد الرسول والشالجية .... وما كان يحدث في بغداد كنت ترى مثيله تماما في النجف وكربلاء والموصل والبصرة والعمارة والناصرية .... هكذا كا ن القادة الدينيون يدخلون المعترك الوطني من هذين البابين الواسعين وغيرهما من ابواب الاصلاح الفرعية تطبيقا للشرع وتنفيذا لامر الدين.... فماذا نرى اليوم من تلك الصور المعبرة عن الزهد والوظيفة الدينية الحقة نرىمن يرشد الناس الى الفضيلة فأذا ما نزل من منبره تسلل الى اقرب حانة سياسية ليغرق نفسه كأس ملذاتها ...و اليست هذه الحال هي ذاتهاما بين مواقف بعض رجال الدين من والهرولة وراء كراسي الحكم؟ أي ما بين الروحانيات التي تبنىعلى قواعد التسامي وما بين الدنيويات التى تنشأ على اسس المصالح الضيقة والمنافع الفردية التي من اهم سماتها المراوغة والمداهنة والاكاذيب والتقافز على الحبال : ........ ان اهم بنود اللعبة السياسية هو القبض على السلطةوهو ما لا يتوائم ولا يتلائم باية حال مع لباس التقوى وعمائم الفضيلة الناصعة ومنابر الوعظ المستند على مباديء الاخلاق ونكران الذات وطهر اليد واللسان . هناك حالة واحدة يمكن معها لقادة ودعاة العقيدة ان ينخرطوا في دنيا التكالب على السلطة وهي ان ينسوا وظيفتهم الاساسية في توجيه مقلديهم والمؤمنبن بسلطتهم الدينية نحو خير الشعب ومصالحه العليا وان ينزلوا عن منابرهم الى حيث دهاليز وخبايا السياسةوسلطةالحكم ؛ حيث لالقاء ما بين متطلبات المحراب وبين مستلزمات منصة القيادة الحكومية.... عند ذاك فقط يمكن لهؤلاء القلة من الدعاة الكبار دخول.... حلبة العلمانية والعمل بكل طرق واساليب الساسة ( التي اشرنا الى بعضها في البدء ) للوصول الى سلطة الحكم التي تحمل شعار ( كل شيء جائز في السياسة الا المثل العليا)...... ولا شك ان القاريء ستغنيه الكناية عن التصريح

فكان ما كان لست اليوم اذكره

فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت