الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإتجاه المعاكس و ثقافة الحوار

محمد قرقوري

2014 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


العرب ظاهرة صوتية هذا ما كان يراه المفكر العربي الراحل عبد الله القصيمي ولعلّه كان مصيبا في رأيه حيث أنّ إجادة فنون البيان يعدّ من السمات المميّزة للإنسان العربي وتشهد على ذلك الآثار الشعرية الضخمة التي حفلت بها الحضارة العربية والخطب العصماء التي ما انفكت تتحفنا بها أنظمتنا المهترئة بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الفنّ ليس مجرد فارقة بل هو امتداد حضاري على مدى أجيال فمن وسيلة لتأكيد السطوة و النفوذ في المجتمع القبلي إلى أداة ناجعة لمعالجة المسائل الإقليمية و السمة المشتركة بين هذا و ذاك هي نزعة الغرور التي تتّسم بها نفسية الإنسان العربي و ما يترتب عنها من كسل حضاري و قصور عن عملية التفكير و إنتاج الوعي فترى العربي منشغلا عن صناعة المجد بالحديث عنه و في مثل هذه الظروف أي غرابة أن ينال برنامج الاتجاه المعاكس حظوة رفيعة في الإعلام العربي لمدة سنوات ؟ لا يخفى على أحد أن هذا البرنامج قد أصبح من التقاليد الإعلامية العربية وله جمهور عريض في الأوساط السياسية والنخب الثقافية والإنتلجنسيا العربية ينتظر مساء كل ثلاثاء إطلالة الدكتور فيصل القاسم بمقدمة أنيقة تنذر بحوار ناري بين ضيفين يتبنى كل منهما وجهة نظر متعارضة أشد التعارض مع صاحبه إزاء موضوع ساخن يثير حوله الكثير من الخلاف
يبدأ الحوار هادئا وسرعان ما ترتفع حدته تدريجيا عندما يشارك فيه الدكتور فيصل الذي يفترض أن يكون محايدا إزاء ضيفيه لكن مواقفه فضحته أكثر من مرة لا سيما في الشأن السوري وغالبا ما يصل الحوار إلى أدنى مستوياته فيسقط الضيوف في فخ الشخصنة ويتم تبادل الشتائم وأحيانا اللكمات فترى المشاهد في حيرة من أمره وترى المثقف يتساءل
ألهذا المستوى وصلت ثقافة الحوار في العالم العربي؟ هل كان فيصل القاسم عاجزا عن إدارة الحوار ؟ لا أعتقد ذلك فهذه الشاكلة من برامج الصراخ لا يبدو أنها تتلاءم مع العقلية العربية التي تتّسم بالغرور والكبرياء وترفض كافة أشكال الحوار وتبادل الآراء بطريقة ودّية حيث أن المحاور يستعرض عضلاته و يجعل نصب أعينه فرض وجهة نظره إزاء الموضوع المستهدف بالنقاش فنرى في أغلب الحلقات لا سيما التي تتناول الشأن السوري خطابا خشبيا استفزازيا يرمي بالموضوع في حلبة الصراعات الشخصية و لا يمنح المشاهد تحليلا منطقيا للأحداث و آراء موضوعية و هذا مرده للثقافة العربية التي تهوى الاستئصال لكل ما هو مغاير و ترفض حق الاختلاف و نظرية تعدد الآراء
ولعمري ما يحدث في استديو الجزيرة عند البث الحي للاتجاه المعاكس ليس إلا مشهدا مصغرا مما يحدث في موائد الحوار العربية حيث يسود الصياح وتطغى الشتائم ويغيب تبادل الأفكار في إطار ودي يضمن حق الاختلاف ولعل الأنظمة الرسمية العربية لا تعدو أن تكون إلا نتاجا لعقلية عربية متحجرة ترفض الحوار وتقدّس الرأي المتوارث الذي يضمن المصالح
هذه البرامج لن تضيف شيءا للواقع العربي البائس بل هي في الحقيقة ترسّخ الحقيقة القائلة أن الأمة العربية هي أمة كلام و خطاب فلماذا نلوم أنظمتنا لانهيار قدراتها الإقليمية ؟ و علام نستنكر عندما تتحفنا هذه الأنظمة بخطاب تنديد و استنكار حول الإعتداءات الصهيونية المتكررة على السيادة العربية ؟ فهذا قطعا ما يفلح فيه العرب و الدليل شاهدوا قناة الجزيرة مساء كل ثلاثاء

واشنطون
7 أوت 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام