الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزنٌ يُشبه الموتَ يخيمُ على المكانِ ، من مسلسلِ إعصارٌ لا يهدأُ 3

يحيى غازي الأميري

2014 / 8 / 8
الادب والفن


عاصفةٌ مدويةٌ غريبةٌ عن أرضِ السواد
تصاحبُها رياحٌ مزمجرةٌ
ممزوجةٌ ببريقٍ ورعدٍ غاضبٍ، عاصفٍ
بدأت منذُ زمنٍ تضربُ من كلِّ الاتجاهات في عمقِ البلاد
لا يهمُّها جفافُ الضرعِ أو موتُ الزرعِ، ولا إلى أينَ سيؤولُ مصيرُ العباد
العديدُ من المراصدِ حذَّرتْ من ساعةِ قدومِها ولحظةِ انفجارِها، ودعتْ إلى الحيطةِ والحذر
فيما قالَ عنها المتبحرونَ بشؤونِ العواصفِ إنها كارثةٌ حقيقيةٌ
وإن خرابَها سيضربُ بالأعماق
لكونِها كما تشيرُ المصادرُ تحتوي على شحناتٍ متراكمةٍ انتقاميةٍ تدميرية
البعضُ تجاهلَ التحذيرَ ،من دونِ
الإكثارِ بالإيضاحِ أو التبرير
لكنْ على العكسِ من ذلكَ
استبشرَ البعضُ الأخرُ خيراً بقدومِها
فأعدُّوا المباخرَ ابتهاجاً من أجلِ وصولِها، وذبحوا القرابينَ ووزَّعوا النذور
واعتبرَها البعضُ إحدى عطايا السماء
الربيعُ قادمٌ والخيرُ سوفَ يأتي وافراً، هكذا صرَّحَ الرعاةُ لقطعانِهم
حتى أن بعضَ قطعانِ الخرافِ أعلنتْ رسمياً: مرحى بالخيرِ القادمِ
لا سكونَ يسبقُ العاصفةَ، فصوت زمجرتِها كانَ يُسمعُ هنا وهنا
تحتَ جنحِ الظلامِ، فرَّ رعاةُ القطعان مع كلابِ حراستِهم، وهُم يلوحونَ من بعيدٍ بعصي القطيع
تاركينَ القطعانَ والمبانيَ والسكانَ مكشوفينَ في العراء
أعلنت المراصدُ ساعةَ بدايتِها
أثارتْ بكعبِ حوافرِها غبارَ الصحارى،
فغطتْ بسرعةٍ خاطفةٍ ثلثَ البلاد، بسحابةٍ رماديةٍ داكنةٍ ممزوجةٍ بغبارٍ ودخانٍ أسودَ ورماد
كان هديرُها يصمُّ الآذانَ
وصوتُ صفيرِها يُشبهُ عواءَ ذئابِ الصحراء
يقبضُ الأنفاسَ
بدأتْ على الفورِ
تمطرُ خرقاً باليةً ، وحديداً ونار
زلزلتْ المعابدُ
وهدَّتْ كبرياتِ القبور
ولم يسلمْ من عصفِها حتى مَنْ لاذَ
بالرمسِ، أو تشبَّثَ في الكرسي
منذرةً متوعدةً بالويلِ والثبور
قاصمةً للرؤوسِ
عابثةً ومبعثرةً ما أحرزَ من نفائسَ وودائعَ وكؤوسٍ وكنوز
هدَّتْ النواقيسَ وهي تقرع صلواتِها
وباشرتْ بتكميمِ الأفواهِ
وأطلقت للَّحى العنان
وسمحتْ بعودةِ الألعابِ البدائيةِ للأطفالِ والصبيان
وعمدت بقلعِ أجملِ أصولِ أصنافِ الإشجارِ المثمرةِ
الضاربةِ بالقدمِ
و بدأت ترميها خارجَ حدودِ بيئتِها أو خارجَ البلاد
عصفت في أقدمِ المباني وأكثرِها قوةً وأحالتها إلى ركامٍ وحطامٍ ورماد
ناثرةً في الأزقةِ والمدنِ والحارات التي تضربُها رائحةً مخدرةً تسميها العطرَ الموعودَ، له رائحةٌ تزكمُ الأنوف،
هكذا أفاد العارفونَ والمطلعونَ
انتشرَالعطرُ سريعاً في الهواء، تسممت منه بعضُ الأبدانِ
وأخذت تنشرُ نفسَ العطر!
بل اعتبرَهُ البعضُ ماركةً عالميةً ذاتَ أصولٍ بدائية
تستحقُّ التقليدَ والاقتناءَ، فيما اكتفى فريقٌ آخرُ بالمبايعةِ للعطرِ من بعيد
حجبت الاتصالاتُ والمراسلاتُ بعد تأينِ الأجواء
إحدى كبرياتِ المدنِ استجارت بمن ينجدُها من براثنِ الهلاك
وتبعتها العديدُ من البلداتِ والقصبات
حيثُ راحت تستغيثُ هلعاً بعد أن
سرى في ازقتِها الخراب
أسرابُ الغربانِ المسعورة تتعقبُ
أفواجَ النازحينَ، والمشردينَ بعد أن نعقت بديارِهم
آلأفُ النازحينَ،تفترشُ العراء،وتلتحفُ السماء
فيما جموعٌ مفجوعةٌ اخرى تحتمي هلعاً في كهوفِ الجبال، أو هائمة في الوديان
أرتعبَ الحجرُ والبشرُ من هولِ المصاب
انذهلت الصبايا من فظاعةِ جبروتِه وقسوةِ سطوتِه وحدةِ عصفِه
وضربت النسوةُ النقابَ فوقَ الحجاب
اختفى من الشوارعِ رجالُ المرور
وتضاعفت أعدادُ حفارةِ القبور
لم تزلْ العاصفةُ تدورُ وتفور
من كل حدبٍ وصوب
بعد شهرٍ أو يزيدُ أعلنت بعضُ القطعانِ المخذولةِ والمهزومةِ : إن الخيانةَ عارٌ، والهزيمةُ انكسار،
والاختباءُ من المواجهةِ الفاعلةِ ذلةٌ ومهانة
فيما يستمرُّ
حزنٌ يشبهُ الموتَ يخيمُ على المكان
يرافقُه جدلٌ مثيرٌ لتحليلِ مصادرِالعاصفةِ ،وأمدِ استمرارِ بقائها

هذيان مع الفجر، جمهورية العراق
آب 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا