الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية بطة

طوني سماحة

2014 / 8 / 8
حقوق الانسان


الجو حار و مكيّف الهواء يعمل جاهدا لتبريد الجو في سيارتي. كنت متعبا و أنا في طريق عودتي الى البيت عندما توقف السير فجأة أمامي. "عجقة سير" قلت لنفسي " مش رح يخلصونا من اعمال الصيانة السنة؟"

أعمال الصيانة في كندا تكثر على الطرقات في الربيع و الصيف بهدف اصلاح ما خربّه الشتاء. مضت بعض دقائق دون ان يتحرك السير. نظرت الى الامام لأدرك ان الصيانة لم تكن مسؤولة عن توقف السير فجأة، إنما المسؤول الوحيد كان سرب البط ! نعم، سرب من البط كان يجتاز الطريق من الغابة عن يميني الى البحيرة عن يساري. توقف السير عن جانبي الطريق ذهابا و إيابا بانتظار مرور أصحاب الجلالة و الفخامة "البط". ابتدأت البطة الاولى بالعبور و تلتها الأخريات. كن يسرن على مهل غير آبهات بازدحام السير الذي تسببن به أو بإضاعة وقت الناس الذين ينتظرون مرورهن بفارغ الصبر. لم يبد عليهن إحساس بالحرج، بل ها هي الاولى تمر، تليها الثانية و الثالثة حتى العاشرة. " نشكر ا لله" قلت لنفسي و انا ارى الحادية عشرة و الاخيرة تقطع الطريق " هانت انشالله". انتهى سرب البط من العبور و لم يتحرك السير. " شو دمهم بارد هالعالم، ما يمشوا بقى". هممت بإطلاق زمور سيارتي لكي أحث الذين امامي على الإقلاع، لأفهم السبب في عدم تحرك السائقين الى الامام. كان هناك ما يزال على جهة اليمين بطة عنيدة رفضت اللحاق بصاحباتها. استمرت واقفة حتى بعد ان اجتاز السرب الى البحيرة. " يا بنت ال...، ما تمشي بقى، لو إنك بلبنان لكنا فصلنا لحمك عن عضمك." أخشى ان تكون البطة سمعتني، إذ ما كدت انهي كلامي، حتى ابتدأت بالسير لاحقة برفيقاتها. كانت تمشي على مهل غير عابئة بما تسببت به من ازدحام للمرور. مضت دقائق قليلة قبل ان تنهي جلالة البطة سيرها و ان يعود السير الى حالته الطبيعية على كلا الجانبين من الطريق.

و صلت الى البيت و ادرت جهاز التلفاز. لم تكن الاخبار جديدة. الجيش اللبناني يقاتل النصرة و داعش في عرسال. الازيديون محاصرون في جبل سنجار بعد ان سبي من سبي من نسائهم و بعد ان قتل من قتل من رجالهم. المسيحيون العراقيون في القرى المجاورة من الموصل ابتدأو بهجرة منازلهم قبل ان يصلهم المد الداعشي المقدس. وقف اطلاق نار هش في غزة. أطفال، نساء، رجال و شيوخ في الملاجئ التي ضاقت بهم على امتداد بلدان العالم العربي. عادت الى ذهني صورة سرب البط و انا اتأمل مشاهد الموت على شاشة التلفاز و سألت نفسي " لماذا؟ لماذا يتوقف السير على جانبي الطريق في كندا احتراما لبطة فيما يُداس الانسان ويُهان و يُقتل كل يوم في بلادي؟ و المأساة المأساة الكبرى أن أولئك الذين يطبقون شرع الله في بلادي يريدون تعميم "حضارتهم" على شعوب الارض كافة.

هل تدري ايها البط ما قد يحدث لك لو انك حاولت السياحة في مناطق نفوذ داعش و اخواتها؟ أولا يمسكون بك لانك كافر، ثم يخيرونك بين الاسلام و دفع الجزية او الرحيل. و لو انت لم تدفع الجزية لنتفوا ريشك ريشة ريشة. و لو انت دفعت الجزية لفرضوا على إناثك الختان. و لو انتِ ايتها البطة ظهرت سافرة لحكم عليك بالجلد، و فيما لو خطر لك ان تنظري نظرة غير بريئة لذكر البط لحكم عليك بالزنى و الرجم. أما لو كنت بطة صالحة، لوجب عليك جهاد النكاح، و ما أدراك ايتها البطة ما هو جهاد النكاح؟ أو لوجب عليك ايتها البطة الزواج من ذكر بط مجاهد. ماذا ايتها البطة، تقولين انك لا تستطيعين الزواج من مجاهد ما لم تحبيه؟ عودي الى رشدك ايتها البطة، الحب بدعة ليس إلا!

لا أيها البط، لا تهاجر الى الشرق، بل البث مكانك في بلادك. اقطع الطريق حيثما تشاء و كيفما تشاء. تمهل في سيرك و امش دلالا و غنجا، فأنت محترم حيث أنت أكثر كثيرا مما يحترم رجال بلادي و نساؤها، شيوخها و أطفالها. بل كم كان الكثير من رجال بلادي و نساؤها يتمنون أن يحظوا بالاحترام الذي تحظى به انت في بلادك ايها البط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهم النصائح لحماية الأطفال من خطر الرهاب الاجتماعي


.. معاناة السوريين بين نار العنصرية في لبنان وجحيم الحرب في ب




.. نافذة إنسانية.. تحذيرات من عودة المجاعة إلى شمال قطاع غزة


.. تجدد المظاهرات المطالبة بإبرام صفقة تبادل الأسرى في تل أبيب




.. الأمم المتحدة تدرج قوات الأمن والجيش الإسرائيلي ضمن قائمة من