الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنين الذكرى

الدير عبد الرزاق

2014 / 8 / 9
الادب والفن


جسد بلا روح، مثقل بالجروح،صدى الذكرى ينوح، يتنقل الحنين بين الآهات بحثا عن أتعس اللحظات،ينقب عن حب بلا ذكريات، قلب أرهقته النكبات، كانت الحب و الذكرى، كلما تألم الفؤاد يداوي جروحه باللهفة إليها، جسر الحنين إلى وصالها لحظة تعج بملايين الأشواق، كلما حاول نسيانها أكثر تذكرها بجبروت العواصف و اشتعال الأحداق، خسرها في أوج الحب و الجنون ليدفع ثمن خسرانها من دمه و روحه و أعصابه، ليعلق خيبته على مشجب جسده الترابي محاولا بعث الروح فيه بذكراها،فقد شهية الحياة، ينام على همسها القديم، يأكل ذكريات القبلة الأولى عندما ارتعش جسديهما و توقفت الحياة، يشرب نشوة آخر عناق على ترانيم الغروب،يتنفس آهاتها على سرير الهوى حيث تقاسما فيه الحب، كانت هي هو، الحب و الحياة و الامتداد عناوين وجود ثنائي الأبعاد اعتدى عليه في لحظة غضب،يستحق كل ألم و كل جرح من غيرها عن قصد أو غير قصد،يحاول أن يثرثر أكثر، يكتب أكثر، أدوات نسيان قديمة استعملها قراصين الحب في بدايات فهم الإنسان للأحاسيس الإنسانية، وحدها من أحبته بجنون العشاق و منحته وريد الحياة، اليوم رميم المشاعر يتقلب في فراش الندم، يفكر أن يصلح غلطته و يعود إليها ليعتذر عن قرار اتخذه في لحظة غضب، لم يفكر فيها و لا في نفسه، أنانية رجل شرقي التكوين العاطفي، لكن ما ذنب من ارتبطت به عن غير وعي عشقي ؟ من ملأت مكانها؟ وعدها في لحظة حب أن لا يتركها أبدا، لكن في حالة غضب تركها وحيدة تقتات المرارة من جرح في سويداء الروح، تركها في أول محطة عارية منه، بدون وثائق هوية حب، تتلطخ في ألم الرحيل، تتقطر الخيبة، تتوجع في صمت بكبرياء امرأة أحبت بصدق، وفت هي بالوعد القديم و قررت أن لا تتزوج وفاء لحبها الأوحد و الوحيد، الأول و الأخير، و خان هو الوعد بدون مقدمات، بدون تبريرات، تخلى عنها بقسوة الخذلان دون كلمات تبرر الرحيل، رحل في صمت عن حياتها تاركا خرابا و دمارا و الموتى من الأحاسيس و الجرحى من المشاعر و الخسائر تحصيها الآهات و الملامح التي لم تعد قادرة على تفقد مرايا لم تعد تعكس وجهها القديم، علمته الحب في أسمى مقاماته و علمها الكره في أحقر درجاته، علمته الحنان في أوج تدفقه و علمها القسوة في أعنف حركاتها، علمته الوفاء في أصفى حلله و علمها الخيانة في أبشع صورها، علمته أن يحيا إنسانا ذاتا و علمها أن تموت شيئا على رصيف المكسورات، علمته كيف تجتمع فيها فصول العواطف الجميلة و علمها كيف تنكسر فيه زجاجات فارغة من عطره، علمته كيف يرعى حمامتها في قلبه و علمها كيف يذبل في عيونها زهرة، منحته روحها و حبها و أعصابها و جنونها، كان حلمها و حياتها و أكسجينها، كانت مستعدة للموت من أجله، مستعدة للتضحية بكل العالم بكل شيء فقط لتكون معه، مستعدة لترك حياة القصور و الملوك و العيش معه في حياة الكهوف.
وحدها من تحملت مزاجه الصعب، وحدها من تحملت عواصفه بحب و حنان بدون مقابل،كان أميرها و فارس أحلامها، معه كان الحب جنينا ثم صار طفلا و لما كبر و نضج تخلى عنه، قدمت له الحياة بألوان الجنة و السعادة، و قدم لها الحياة بألوان الجحيم و التعاسة.
وحدها من كانت تفهم حركاته و أنفاسه تعرف كيف يفكر قبل أن يتكلم، من نبضاته تتعلم،تداويه قبل أن يتألم، تغني له بعيونها أجمل الأغنيات، تعزف له بروحها أروع المقامات.
متألم اليوم يفكر أن يترك العالم من أجلها و يعود إلى حضنها حيث طبيعته الأولى، و ينطلق طفلا يعبث بشعرها الأشقر، يتفقد قلاع خصرها بمرساة راحتيه، يروي عطشه من فم بئر نهديها، يتمرغ في وغى جسدها من آخر خصلات شعرها الذهبي إلى أخمص قدميها، يتنفس بأنفاسها، يغرق في وجنتيها، يسافر في عنقها، لكن يتوقف تفكيره عندما يفكر في أنها رحلت دون عودة منتظرة، و أنه في عهد امرأة أخرى جنته عندما نضج على نار حب أخرى. انقطعت أخبارها إلا من خبر يؤكد أنها انعزلت عن الناس في مكان ما من هذا العالم الذي شيده لها سجنا من الدموع و فرشه لها بأشواك الوجع مدى الحياة، لوعة و سهاد و أرق يلازم مضجعه، هذه الليلة حضرت ذكرى امتلاك لروحها وفاء لعنفوان و كبرياء حبها الكبير، حضرت الليلة بدون موعد حيث قلبه ذكره أن اليوم عيد ميلادها و سيحتفل به وحده في حضن امرأة أخرى، رجل ربته في روحها حماما زجلا لكن كان رجلا شرقيا تسري في عروقه دماء القبيلة و عقدة النساء، أعطته كل شيء و أخذ منها كل شيء، هو بعد الرحيل يبحث عن الحياة في أي امرأة تصادف طريقه المنعرج، و هي تركت الحياة و كل الرجال في طريق الصفاء السوي حتى يبقى هو رجلها الوحيد من دون الرجال.
عندما يتألم أكثر يذكرها أكثر يتمنى لو يراها مرة واحدة في هذا الليل البهيم ليجري إليها و يطلب الغفران من إلهته التي اعتدى على قدسيتها، و اللعنة ستلاحقه مادام حيا، الليلة حزين لفقدانها، متألم من خسرانها، نادم على كل جرح تسبب لها فيه، دموعه الرجولية عاصفة تجري في أخدود خدوده، يعيش فقط بدون هدف بدون حياة، يمشي بدون ضوء تتراءى له في كل الشوارع و في كل النساء، يحلم أن يستيقظ ذات ليلة و يجدها في حضنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب