الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي

بدر الدين شنن

2014 / 8 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


حرب الإرهاب الدولي ، التي تضرب بوحشية وهمجية في معظم البلدان العربية ، وهي بصدد أن تضربها جميعها ، غير مكترثة باستقلال الدول ، أو بقانون دولي ، ولابقيم ومعتقدات ، تؤكد .. وتذكر .. رغم تحريفات ، وتمويهات ، ومؤامرات أنصار التجزئة العربية المصطنعة ، في أوساط النظام العربي الرديء ، وأوساط النظام الاستعماري والصهيوني ، أن البلدان العربية مصيرها واحد .. وانتماؤها واحد ، وأن العمل بمقتضى هذا المصير وهذا الانتماء ، من حيث التأصيل الفكري والتاريخي والفكري ، ومن حيث البناء السياسي ، والعمل التكاملي الموحد ، على كافة الأصعدة ، هو السبيل الوحيد ، لمواجهة هذه الحرب ، وإنقاذ الوجود المجتمعي الكياني للبلدان العربية ، من التدمير الاستعماري الإرهابي الممنهج .. الزاحف كالوباء من مشرق الوطن العربي إلى مغربه .

ما يدعم ذلك ، هو ما ينكشف تباعاً من خلفيات ، وأهداف حرب الإرهاب الدولي ، ومن حقائق بالغة الخطورة ة والأهمية ، حيث تبين أن هذه الحرب ، ليست كما زعم ، أنها " ثورات " معبرة عن ارتدادات اجتماعية متأتية عن ظروف محلية مأ زومة ، تزول مع زوال هذه الظروف ، وأنها ليست هجمة عابرة ، يقوم بها " تتار .. ومغول " العصر ، تضمحل من خلال احتوائها في البيئات المتحضرة ، التي اقتحمتها واحتكت بها ، وأنها ليست بشكل خاص ، فيضاً دعوياً " جهادياً " صدرته بيئات مفوتة من خارج الفضاء الحضاري المنظور ، ترتد خلفياته إلى العهود القبلية الهمجية ، بالمفهوم العلمي والديني ، لابد أن ينهار أمام تطور العلوم ، وتفتح العقول ، وأسوار الحرية ، وإنما هي حسب المعطيات الدولية .. والسياسية .. والاقتصادية .. وفلتان التوازن الدولي .. هي حرب عالمية مقررة في أعلى المراكز الامبريالية ، التي تتابعها بالرصد .. والدعم .. مؤسسات عسكرية وسياسية عليا .. بدءاً من واشنطن .. وليس انتهاء في عواصم الدول الاستعمارية ذات التارخ العريق المدمر في مختلف البلدان والقارات ، وخاصة في البلدان العربية . لكنها ـ أي حرب الإرهاب الدولي ـ تتميز عن الحروب السابقة ، بأنها أقل من حرب جيوش بين دول عظمى .. وأكثر من حرب باردة بين معسكرين متعاديين جذرياً .

إنها حرب متنوعة الأشكال .. ومتعددة الوسائل . هي حرب إرهاب اقتصادي ، تتجلى في احتكار الرأسمال المالي ، والشركات العملاقة العابرة للقارات ، في أهم القطاعات الاقتصادية في العالم ، لاسيما قطاعات الطاقة ، وصناعة الأسلحة ، والاستثمارات التنموية الكبرى .
وهي حرب إرهاب تكنولوجي ، تتجلى في احتكار أهم مفاتيح ومكونات ، ومؤسسات ، التطور التكنولوجي ، الصناعي ، والفضائي ، الذي أصبح الرافعة الرئيسية للتطور الصناعي والزراعي والعلمي في كل المجالات .
وهي حرب لصوصية ، تتجلى في الاستحواذ بالقوة والخديعة ، على الثروات الطبيعية ، وانتزاع معظم الناتج الاجمالي العالمي ، وتقرير مصير الفقر المميت لأربعة أخماس سكان الأرض .
وهي بالمحصلة ، حرب إرهاب جيو سياسية ، تتجلى بتفكيك كيانات العالم التقليدية القائمة ، وبناء عالم ، بلادول .. وبلا حدود وطنية .. عالم يتجاوز كل المواثيق والمؤسسات الدولية الراهنة المعوقة لهذا التجاوز ، ويدار في كل شيء من مركز دولي واحد ، عبر إدارات يقررها المركز الدولي الأوحد .

* * *

المواقع المستهدفة في حرب الإرهاب الدولي ، تنتشر على مستوى ، أمريكا اللاتينية ، وإفريقيا ، وآسيا ، وشرقي الاتحاد الأوربي ـ روسيا ودول الاتحاد الوفييتي سابقاً ـ ، التي تتموضع فيها الثروات الطبيعية الأساسية ، التي يحتاجها المجتمع البشري في تأمين تواصل الحياة ، فيما الاحتكارات الرأسمالية ترتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية ، لاستخدامها مصادر أرباح أسطورية ، كما تتموضع فيها الأسواق الأكثر اتساعاً وربحاً .

ما يعوق الوصول إلى إنجاز هذا التحول الامبريالي الدولي ، هو تنامي قوى دولية تنافسية هامة ، كانت تحسب ضمن المجال الحيوي لهذا التحول ، وكانت تعتبر ملحقة للمركز الدولي الواحد ، المزمع تكريسه وتأبيده ، بل وتنامي طموحها ، لبلوغ مستوى الشريك في إدارة العالم ، والشريك في النفوذ والمصالح ، التي تتمثل بشكل رئيسي بدول مجموعة " بريكس " .
وهناك معوق آخر ، هو تمسك بعض البلدان بسيادتها وبقرارها الوطني ، وبخياراتها في تحيد مصيرها ، وبعضها أخذ يؤسس لعالم يسوده أسلوب إنتاج لارأسمالي .. جماهير مؤدلج . ، قد يفضي إلى إعادة انقسام العالم مرة أخرى ، إلى معسكرين متباينين .. متعاديين ، وإفشال إقامة ديكتاتورية الرأسمال الكونية الشاملة , وتظهر أولى بوادره في عدد من دول أمريكا اللاتينية ، إضافة إلى عدد من الدول ، التي كانت تدور في فضاء المعسكر الاشتراكي في شرق آسيا .
وهناك معوق آخر ، هو المعتقد الديني الموروث ، الذي تشكل آلهته ، والمليارات المؤمنة بمفاهيمه وقيمه ، حاضنة للأنظمة والحكومات المتوالية ، ومسوغ لتحكمها واستدامتها . وإلى جانبه ينمو ، بدافع الحاجة الموضوعية ، فضاء ثقافي ، يشتمل على المعرفة ، المنفتحة على منتجات العلوم ، والبحوث ، وخاصة ، في مجالات ، التاريخ ، والحقوق الإنسانية ، ومفاهيم وقيم الحرية ، وكيف يمكن تلبية الحاجات الإنسانية المتنامية ، وبناء عالم تسوده العدالة والمساواة والسلم والتآخي بين الشعوب .

ما نشهده الآن ، على المستوى العالمي عامة ، والبلدان العربية خاصة ، من أزمات اقتصادية ، واضطرابات سياسية ، ومعارك همجية مروعة ، هو تعامل سادة الرأسمال الدولي مع هذه المعوقات ، وإخضاعها ، لإجراءات التحولات الدولية الجارية .. والقادمة .

لسنا بحاجة للعودة ربع قرن إلى وراء ، لنقرأ بدايات ضربات حرب الإرهاب الدولي ، في أفغانستان والبلقان والعراق ولبنان وفلسطين والجزائر . السنوات الثلاث الأخيرة تكفي . لقد ضربت حرب الإرهاب الدولي ، في سوريا ، والصين ، والهند ، وروسيا ، وغزة ، وليبيا ، ولبنان ، والعراق ، واليمن ، ونيجريا ، ومالي ، وتشاد ، والسودان ، وأوكرنيا ، وأوغندا ، وأفريقيا الوسطى ، ومصر ، والجزائر ، وتونس . وهذا تجل واضح لخيار حرب الإرهاب الدولي ، كأداة في التعامل المشار إليه ، لإزالة معوقات التحول الرأسمالي الدولي القطبي المنشود المستدام ، لوضع أيدي الاحتكارات الدولية على كامل المخزون العالمي من البترول والغاز ، وعلى الأسواق ، وعلى الجغرافيا ، وتمكنها من إلغاء الحدود الوطنية ، واللعب في بنى الدول السكانية ، لضمان إنجاح أهداف هذه الحرب .

* * *

كل الدلائل الموضوعية ، وكل المتابعات العلمية ، والعملية ، تؤكد أن نمط حرب الإرهاب الدولي ، قد جاء نتيجة انهيار المعسكر الاشتراكي ، وتفرد الرأسمالية الاحتكارية في الهيمنة على العالم ، ولتلبية ضرورة إحكام الهيمنة على مختلف القطاعات الاقتصادية والعلمية ، في مختلف البلدان ، وحصر ما ينشأ من صراعات تنافسية فيما بينها ، وبين قطاعلتها المختلفة ، تحت سقف الهيئات والمنظمات المشتركة ، والتفرغ لإعادة بناء العالم الجديد ، الذي تتحرك فيه أنظمة الحكم في المجالات الريئسية في جميع القارات والبلدان ، بتوجيه مباشر من مركز القطبية الدولية الأوحد .
بمعنى أن نمط حرب الإرهاب ، جاء منسجماً مع التطور السياسي والاقتصادي الدولي الجديد ، وجاء مبرمجاً لتجنب خضات وكوارث الحرب بين الدول العظمى . وذلك باستخدام قوى بديلة نفعية ومأجورة مغامرة ، لاتتعارض أيولوجياتها مع مضامين النظام ارأسمالي أو تو جهاته الكونية ، لتطويع وإخضاع الشعوب ، التي تحاول ، على خلفيات وطنية أو قومية أو أيديولوجية اجتماعية ، اختراق الهيمنة الرأسمالية الكونية ، لتقرير مصيرها .
وعلى ذلك تبرز في اللحظة السياسية الرأسمالية الراهنة ، الأهمية المصلحية ، والعملية ، لحركة حرب الإرهاب الدولي ، لإ جراء تغييرات دولية في الأطراف الإقليمية ، دون ورود أي احتمال لصدام المراكز . وتبرز أهمية تغييرات جغرافية ساسية ، في الأماكن المطلوب وضعها في خريطة تراتبية العلاقات والمصالح الدولية ، وتبرز أيضاً خلفية انتشار هذه الحرب في البلدان ، التي تحتوي على أ هداف ملحة للاحتكارات الدولية .
ومن أجل إنجاز هذه المرحلة من مخطط " العولمة " لامانع .. بل يتطلب الأمر .. تغيير البنية السكانية .. عبر الحروب المفتعلة .. والمذابح الطائفية والعنصرية . وتدمير كل المعتقدات .. المدنية .. والدينية .. التي تدخل في تشكل هوية المجتمعات وتعزز وحدتها وتماسكها .

إن ما تقوم به جيوش الإرهاب الدولي ، من قتل وتدمير ، وهدم البنى التحتية ، والمدارس ، والمشافي ، ودور العبادة ، وأضرحة الأنبياء ، والصالحين ، والقديسين ، ونسبة عالية من العمران ، ومقومات التماسك المجتمعي ، وخاصة في سوريا والراق ولبنان وفلسطين ، هو مقدمة لإقامة نظام إقليمي جديد ، أكثر استبداداً ، وأكثر توحشاً وظلماً ، وأكثر لصوصية من أي استبداد وظلم وتوحش ولصوصية عرفتها البلدان المستهدفة خلال القرون الماضية كلها ، وهو تكامل مطلوب من أجل تكريس ديتاتورية الرأسمال الكونية ، الممثلة بالدول الاستعمارية .

كل الأهداف البراقة ، التي طرحت ، استغلالاً ونفاقاً ، للتمويه ، والتمهيد ، للخطوات الأولى للحرب مثل " ديمقراطية ، حقوق إنسان ، مجتمع مدني " تساقطت تحت أقدام المجموعات المسلحة ، وتطابقت الأداة الهمجية ، مع الغايات الرأسمالية الأكثر همجية ، وتهاوت مهزلة ، أن تسمي مجموعات مسلحة نفسها " بالجيش الحر " وهي تمول تسلح وتخضع لأوامر ومخططات الأجنبي . وكذلك المهزلة الأكبر ، أن تقوم مجموعات مسلحة تزعم أنها إسلامية ، نسبة عالية فيها من المرتزقة الأجانب ، تقوم بذبح المسلمين وأهل الكتاب الذين أوصى بهم الإسلام خيراً ، تحت رايات " لاإله إلاّ الله " لحساب المشاريع الامبريالية والصهيونية .

إن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب تفسر .. لماذا يمارس المسلحون الإرهابيون الهمجية وكل العنف المفرط مع السكان ؟ .. ولماذا يدمرون بلا مبرر البنى التحتية المسخرة للخدمة المدنية ؟ .. ولماذا ينشرون الفكر التكفيري وتسعير الطائفية ويفتتون المجتمعات ؟ .. ولماذا يتفنون بقهر السكان بتطبيق ما يسمى حدود الدين ، واستخدامهم كعبيد بحفر الأنفاق .. وكدروع بشرية ؟ .. ولماذا يسبون الحرائر ويشرعنون الاغتصاب باسم " جها النكاح " ولماذا بالمحصلة .. باسم الجهاد والثورة .. يدمرون الدولة .. ويمزقون الكيان الوطني ؟ ..

إتهم بكل وضوح .. بكل أفعالهم الهمجية .. يريدون حيث يهاجمون .. ويحتلون .. كل الجغرافيا وبعض الشعب ، ليقيموا عليها سلطات " إمارات أو دويلات " على أشلاء الوطن الممزق ، لسرقة الثروات الوطنية وفائض القيمة في المنتوج الشعبي ، وخدمة المصالح الدولية ، وبشكل رئيس ، بناء علاقات سلام وتعايش مع إسرائيل .

إن ما تتعرض له البلدان العربية من حرب الإرهاب الدولي ، يستحق التكرار للمرة الألف ، أنه يتطلب من القوى الوطنية المعادية للامبريالية والصهيونية ، إقامة أوسع وأمتن أشكال الوحدة الوطنية , والتمسك بالهوية الوطنية ، وبالمعتقد الذي يحض على الحرية والوطنية والتآخي والمعروف ، والتمسك بحق تقرير الوجود أرضاً وشعباً وكياناً ، وبحق الحياة ، وحق تقرير المصير .. كما يتطلب تجاوز المواجهة الأحادية لحرب الإرهاب الدولي . فليس هناك بلد عربي قادر على تحقيق النجاح الكامل في هذه المواجهة . فهذ الحرب التي تخوضها منظومة دولية امبريالية وعربية رجعية وإسرائيلية ، تتطلب مواجهتها بالمقابل من قبل منظومة ، تضم دولاً عدة ، مفروضة عليها هذه الحرب ، وذلك بالعمل الفوري لمد جسور التعاون بين البلدان العربية ، لاسيما التي تكابد من ويلات حرب الإرهاب الدولي ، وبناء إطار سياسي مشترك قادر على التعامل ، مع الاستحقاقات الدولية الخطيرة المتصاعدة ومع العدوانية الإسرائيلية ، ومواجهة حرب الإرهاب الدولي القذرة ، المرشحة للانتشار في البلدان العربية .. والعالم .. أكثر فأكثر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر