الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غسيل الدماغ (الجماعات المتطرفة)

جواد الديوان

2014 / 8 / 9
الطب , والعلوم


لم يستخدم الاعلام او المتخصصون غسيل الدماغ عند مناقشة ظاهرة الانتحاريين والقنابل البشرية (الاحزمة الناسفة)، وظهور الجماعات المتشددة والمتطرفة. وربما اخر من اشار لها في العراق الدكتور فخري الدباغ في كتابه "غسيل الدماغ". وركز الاعلام وبعض المختصين على الادمان (الكبسلة) وغيرها.
ومن المرادفات لغسيل الدماغ تصحيح الافكار او اعادة التثقيف، وهو كل جهد يهدف الى زرع اتجاهات ومباديء محددة في شخص لا يرحب بها وتتناقض مع مبادئه ومعرفته. ومن الامثلة ما حصل في الثورة الثقافية في الصين، او التعامل مع الاسرى في الحرب الكورية. ويتعرض اسرى الحروب بشكل عام الى غسيل الدماغ، ويزرع فيهم معادات افكار ومباديء في بلدانهم او القضية التي اندلعت بسببها الحرب.
وربما تمثل تجارب بافلوف في علم الوظائف الاساس النظري لغسيل الدماغ. لقد استطاع بافلوف ان يغير استجابات الجهاز العصبي للمحفزات، باستخدامه محفزين ليحصل على استجابة واحدة مرغوبة. فمن المعروف ان يتم فرز اللعاب او عصارات المعدة عند رؤية الطعام، وبافلوف عرض كلب لصوت جرس في نفس الوقت الذي يقدم فيه الطعام. وتكررت التجربة مع قياس افرازات اللعاب. وبعد فترة كان صوت الجرس لوحده يحفز افراز اللعاب دون الحاجة لرؤية الطعام. ورغم ان الصوت او الضوء لا علاقة له بتحفيز الجهاز الهضمي على العمل، الا ان استخدام محفزين نجح في تغير اليات الاستجابة العصبية. وسماه بافلوف الفعل الانعكاسي الشرطي. وهذا ما يحصل عند تدريب الحيوانات في السيرك حيث بامكانها ابهار الجمهور في حركات وتصرفات وكأنها ذكية.
وتطور الموضوع ليصبح التعلم الشرطي من نظريات المعرفة. واساليب التعليم السابقة تعتمد التعليم الشرطي اساسا لها. وما صورة عصا المعلم وعقوباته، وغضب الاهل والعقوبات الجسدية (الضرب والفلقة وغيرها) الا صور لمحفزات اخرى لترتبط مع الحفظ والالتزام بحضور الدروس والحصول على معدلات النجاح.
بعد ان تدرب كلب بافلوف على صوت الجرس لافراز اللعاب، هبت عاصفة على المدينة، وتخلف بافلوب عن الاستمرار في تعريض الكلب لتلك الحوافز لفترة ايام، وبقى الكلب لوحده في المختبر او بيت الحيوانات. وعند عودته للمختبر لاحظ عدم استجابة الكلب للجرس كما كان قبل العاصفة. ان العاصفة (الاصوات والمطر واهتزاز اجهزة المختبر وغيرها) وغياب بافلوب وطلابه عنه مثل توترا عاليا للكلب فتم غسل دماغه!. وهكذا ظهر مفهوم غسيل الدماغ.
ومن الطرق الشائعة لغسل الدماغ، سلب انسانية الاشخاص بوضعهم في القذارة لفترات طويلة (المعتقلات او عقوبات اثناء التدريب العسكري وغيرها) او منعهم من النوم او حرمان الشخص من احد الحواس (تعصيب العينين لفترة طويلة، او وضعه في ظلام دامس) او التحرش النفسي به (سيتم اعدامك بعد ساعتين مثلا) او غرس الشعور بالذنب لديه (لولا تصرفك لعاشت عائلتك بشكل افضل) او ممارسة ضغط من الجماعات عليه (وافضل مثال ما حصل ابان حكم البعث في معاقبة كل العائلة لتمرد فرد منها، والتمرد قد يكون الانتماء لحزب اخر او الهروب من الحرب او قرابة عائلية لشخص معدوم وغيرها). وبالامكان استحضار الامثلة على كل طريقة مشار اليها في المجتمع العراقي او غيره او حتى عبر التاريخ.
والسيطرة على العقل او التحول الى متطرف او اعادة برمجة الدما! مرادفات اخرى لغسيل الدماغ. وتتوضح اشكاليات التحول الى متطرف او الانتماء لمجموعة متطرفة بالنهايات الحزينة لهذه الجماعات المتطرفة:
- في 1978 نهاية جيمس جونز و 900 من اتباعه بما فيهم الاطفال بانتحار جماعي وشربهم السيانيد. وباوامر من قائدهم
- في 1991 مات وزير مكسيكي و29 من اتباعه اختناقا، حيث امرهم بالاستمرار في الصلاة وتجاهل الغازات التي تنبعث في الكنيسة (اوامر من القائد)
- في 1993 مات ديفيد كورش و 80 من اتباعه حرقا في تكساس
- في 1993 انتحر 53 فيتنامي بسلاح بدائي للذهاب للسماء فورا (القائد نصحهم بذلك)
- في 1994 احترق 67 عضو من جماعة نظام الطاقة الشمسية في جبال الالب السويسرية
- في 1995 استخدم شوكو اشاري وجماعته غاز السارين في انفاق النقل في طوكيو
- في 1997 جماعة بوابة السماء (39 شخص) انتحروا في كاليفورنيا، لان الموت هو الطريقة الوحيدة للصعود على سفينة تتبع مذنب هالي
- في 2000 احرق جماعة قيامة المسيح انفسهم (900 شخص) ودفنوا بقبر جماعي
ويظهر طاعة قائد المجموعة في امر صعب وهو الموت، وما حصل في الامثلة السابقة انتحار جماعي. وكل هؤلاء جماعات متطرفة وبعضها جماعات دينية متطرفة، وربما تعطي هذه الجماعات مثالا لينفذ الشخص انتحارا تنفيذا لامر قائده، وتنفيذ الامر بحزام ناسف او تفجير سيارة مفخخة، وغيرها. زربما خضعوا لغسيل الدماغ بشكل او باخر بلا معرفة من القادة المنفذين.
ويعتقد بوجود اكثر من 5000 جماعة متطرفة في الولايات المتحدة الامريكية بما فيها مليشيا. والالفية الثالثة ترافقت مع تكاثر غير طبيعي في الجماعات المتطرفة، وتشير الاحصاءات الى 185000 شخص يتحول الى تلك الجماعات سنويا في الولايات المتحدة الامريكية. ولنا ان نتصور الاعداد في عالمنا.
الخوارج جماعة متطرفة تمثلت بالقسوة في التعامل مع الناس وكذلك القسوة مع الاعضاء. ويورد التاريخ الكثير من الحوادث عن الشراة والخوارج الازارقة وثباتهم للموت في القتال دون الانسحاب رغم مواجهتهم جيوش الامبراطوريات. القاعدة والدولة العراقية في العراق والشام وجبهة النصرة وغيرها من هذه الجماعات، وارسلوا للناس قنابل بشرية (انتحاريون) سواء باحزمة ناسفة او سيارات مفخخة وغيرها من الاساليب. والامثلة في العراق عن ذلك كثيرة.
وفي العالم المتقدم ليست كل الجماعات متطرفة او دينية فهناك جماعات للوعي بالتدريب مثلا او جماعات العلاج النفسي للامراض العقلية او جماعات للاعمال والسياسة او حتى جماعات من اجل الالفية الثالثة!.
ربما يصعب تعريف الجماعة من العرض اعلاه، ولكن في الانجليزية يشار لها طائفة في اوربا بالذات، وعلى العموم مجموعة من الناس يشكلون وحدة متميزة، ربما عبارة تكفي لتقديم صورة واضحة. وفيها يبرز غسيل الدماغ.
والتحول الى عضو في مجموعة متطرفة يعتمد بالاساس على الرغبة والوعي وجهود الاقناع التي يمارسها اعضاء المجموعة، والمسايرة لتلك الجهود. الا ان اساليب تلك المجاميع المتطرفة من الخداع والعزل عن المجتمع، وتعزيز محددات الادراك والحرمان من النوم والسيطرة على البيئة في الحياة بعيدا عن بقية المجتمع في تجمعات خاصة وغيرها، اشكال من اليات غسيل الدماغ، ساتوقف عندها في مقالات لاحقة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تنجح مساعي واشنطن في تقليص النفوذ الروسي في منطقة الساحل


.. سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور تجتاح نيويورك




.. استمرار عمليات الإجلاء الطبي التي تنظمها دولة #الإمارات


.. -قريبا سنبني حضارة على المريخ-.. ماسك يحدث ضجة بتنبؤاته




.. إيلون ماسك: البشر يمكن أن يعيشوا على المريخ خلال الثلاثين عا