الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحور الروسي الصيني

جورج حداد

2014 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر روسيا والصين اكبر بلدين في العالم من حيث المساحة (روسيا: اكثر من 17 مليون كلم2) وعدد السكان (الصين: اكثر من 1 مليار و300 مليون نسمة). وهما تحتلان الكتلة الاضخم والاهم جغرافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا في ما يعرف بـ أوراسيا. وروسيا هي الطريق الرئيسي للصين الى اوروبا. كما ان الصين هي الطريق الرئيسي لروسيا الى جنوب شرق آسيا والى البحار الدافئة في الشرق الاقصى.
والعلاقات الروسية ـ الصينية هي مكوّن اساسي وبوصلة رئيسية في العلاقات الدولية والسياسة الدولية برمتها. وقد شهدنا مؤخرا بداية "انسحاب" اميركا من الشرق الاوسط وإعطاء الاولوية للتواجد الاميركي في الشرق الاقصى والمحيطين الهادي والهندي، تحسبا لاحتمالات التقارب الروسي ـ الصيني، وما قد يصل اليه، وما سينتج عنه.
وخلال كل المرحلة منذ تأسيس "جمهورية الصين الشعبية" حتى الامس القريب، شهدت العلاقات بين البلدين الكبيرين أطوارا من التعاون المتفاوت، ومن التوتر، واحيانا من النزاع. وفي 1969 نشب صدام مسلح بين البلدين في الاراضي المتنازع عليها في جنوبي شرق روسيا.
وكانت الخلافات الروسية ـ الصينية في مصلحة الدول الغربية، وفي مصلحة الولايات المتحدة الاميركية بالدرجة الاولى. وقد ساعدت هذه الخلافات على فتح ابواب روسيا على مصاريعها للغزو الغربي ـ الصهيوني، في عهد غورباتشوف ـ يلتسين، كما وعلى التقارب الاميركي ـ الصيني، ولا سيما على المستوى التجاري والمالي. ويقول بعض المطلعين ان الدبلوماسية السرية الاميركية كانت تستفيد من تحسن العلاقات الصينية ـ الاميركية لتحريض الجانب الصيني على تجديد المطالبة الصينية بالاراضي المتنازع عليها مع روسيا، مما يساعد الصين على حل بعض مشاكل كثافتها السكانية. ولكن القيادة الروسية وقفت بحزم ضد هذه المساعي، وأفهمت القيادة الصينية ان اي نزاع روسي ـ صيني محتمل من شأنه ان يؤذي روسيا الا انه سيشكل تهديدا جديا لوجود الصين، وان المصالح التاريخية للصين هي في التقارب والتعاون مع روسيا اولا، وليس مع اميركا او اي طرف آخر.
وخلال المرحلة منذ البريسترويكا الى الان، حققت الدبلوماسية الاميركية فشلين استراتيجيين كبيرين:
اولا ـ الفشل في الإخضاع التام لروسيا والصين.
وثانيا ـ الفشل في استمالتهما او استمالة احداهما، على غرار ما حدث لالمانيا، وايطاليا واليابان، بعد الحرب العالمية الثانية.
ومنذ بداية حكم الرئيس فلاديمير بوتين، في مطلع عام 2000، بدأ العمل من اجل تحقيق محور ستراتيجي، روسي ـ صيني، اقتصادي ـ سياسي ـ أمني ـ عسكري.
ومؤخرا قام فلاديمير بوتين بزيارة الى الصين، وصفتها غالبية المراقبين بأنها "تاريخية"، وبرفقته وفد كبير حمل معه 43 مشروع اتفاق للتوقيع عليها مع الصين، تتعلق بمختلف جوانب العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والامنية والعسكرية.
وفي شنغهاي اجرى الرئيسان الروسي والصيني محادثات مطولة، منفردة، وبمشاركة ممثلي البلدين. وصدر بيان مشترك جاء فيه ان روسيا والصين هما ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وتدعوان الى التخلي عن لغة العقوبات وحيدة الجانب.
وصرح الرئيس الروسي ان التعاون بين وزارتي الدفاع في البلدين هو عامل مهم من اجل ضمان الامن في العالم. واكد على وجود برامج مشتركة لصناعة الطيران المدني وبناء الطائرات والهيليكوبترات.
وخلال الزيارة تم التوقيع على اكثر من 40 اتفاقا مشتركا.
وقام الرئيسان الروسي والصيني بافتتاح مناورات عسكرية بحرية مشتركة تحت عنوان "التعاون البحري 2014". وهي المرة الثالثة التي تجري فيها مثل هذه المناورات البحرية الروسية ـ الصينية المشتركة. وشارك في هذه المناورات 14 سفينة حربية من البلدين، واستخدمت فيها الذخيرة الحية. وشملت المناورات تدريبات تعاون مشترك في عدة حالات قتالية بحرية ومضادة للطيران، منها توجيه ضربات مشتركة لاهداف بحرية، وعمليات تعقب وانقاذ، والاستخدام التطبيقي للاسلحة في البحر.
وعلق الرئيس الصيني على المناورات بالقول "ان هذه المناورات تبرهن على العزيمة التي لا تلين للصين وروسيا على ان نواجه معا التهديدات والتحديات، وعلى ان نحفظ معا الامن والاستقرار".
ومن جهته تمنى الرئيس الروسي "تقوية التعاون العسكري ضمن هذا المنظور".
وقد بحث الرئيسان في الشؤون الاقتصادية والاوضاع الدولية، وكان لهما موقف موحد من الازمة الاوكرانية. واتفق الطرفان على الاحتفال بشكل مشترك بالذكرى الـ70 للانتصار على الفاشية في السنة القادمة. وقال بوتين "لقد أنجز بلدانا عملا مشتركا ضخما يهدف الى التوصل الى مستوى تاريخي جديد لا سابق له في الشراكة الشاملة والتعاون الستراتيجي".
وأكد الرئيس الصيني "ان الزيارة قد حققت نجاحا كاملا". وفي السنة الماضية بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 90 مليار دولار. وقال الرئيس الصيني "لقد اتفقنا على مضاعفة الجهود من اجل رفع مقدار التبادل التجاري الى 100 مليار دولار في سنة 2015". وستعمل روسيا على تزويد الصين بالتكنولوجيا المتطورة.
ويذكر ان الرئيس الاوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش كان قد وقع في كانون الاول من سنة 2013 اتفاقا مع الصين لبناء ميناء مدني عميق المياه، بالاضافة الى عدد من المشاريع الاخرى، في القرم، مما يكلف مليارات الدولارات. واتفق الرئيسان الروسي والصيني ان تدخل هذه المشاريع ضمن الاتفاقات الجديدة. كما بادر الجانب الصيني الى اقتراح القيام بمشروع بناء الجسر الذي يربط اليابسة الروسية بشبه جزيرة القرم عبر مضيق كيرتش. وهذا له دلالته الخاصة على المستوى السياسي لجانب دعم الموقف الروسي بإعادة توحيد القرم مع الوطن الام روسيا، والتقارب الروسي ـ الصيني بشكل عام.
وأهم الاتفاقات التي تمخضت عنها الزيارة هي الاطار العام لاتفاق تزويد الصين بالنفط وخصوصا بالغاز الروسي. وقد وافقت روسيا على تخفيض سعر الـ1000 م3 من الغاز الى 350 -$- (السعر الدولي المعتمد هو 425-$- لـ1000م3). وتبلغ قيمة الغاز الذي سيسلم للصين مئات مليارات الدولارات، وتمتد فترة التسليم الى 40 ـ 50 سنة. ويعكف الخبراء المختصون على وضع التفاصيل الفنية للاتفاقات.
وستعمل الصين على المشاركة في تمويل مد شبكة جديدة للسكك الحديدية في شرقي سيبيريا اي في جنوب شرقي روسيا، كما في تمويل مد انابيب الغاز والنفط القارية التي تقوم بها روسيا.
وسيسعى البلدان لاستبعاد التعامل بالدولار كوسيلة دفع، ولاعتماد العملتين الوطنيتين في الحسابات المتبادلة بين البلدين.
واستنادا الى ذلك، فإن مجمل النتائج الاقتصادية للزيارة تأتي كرد فعال على سياسة العقوبات الاميركية والاوروبية ضد روسيا، التي تصبح لا جدوى منها ولا نتيجة لها سوى المزيد من استعداء روسيا على الغرب، وهو الاستعداء الذي يصب في مصلحة روسيا والصين، وضد مصلحة الغرب الذي يحتاج الى روسيا والصين اكثر بكثير مما تحتاجان هما اليه.
وقد اجرت الجريدة الالكترونية الروسية شبه الرسمية "روسييسكايا غازيتا" مقابلة خاصة مع نائب رئيس اكاديمية العلوم الروسية البروفسور سيرغيي لوزيانين، لتقييم زيارة بوتين للصين.
وتحدث لوزيانين عن الامكانيات الكبرى لتعاون روسيا والصين لما اسماه الرئيس الصيني بعث "طريق الحرير" العظيم وانشاء منطقة تجارية كبرى تشمل آسيا الوسطى والجنوبية والشرقية وأوروبا.
وجوابا على سؤال حول امكانية تعميق العلاقة الستراتيجية (العسكرية) بين روسيا والصين، اجاب لوزيانين ان ذلك هو ممكن عمليا، بقدر ما ان الرئيس الاميركي باراك اوباما يتابع سياسة دعم اليابان، ولا سيما في الخلاف حول الجزر المتنازع عليها بين الصين واليابان، حيث ان الرئيس الاميركي في زيارته الاخيرة لليابان اعلن ان الولايات المتحدة الاميركية تعتبر تلك الجزر يابانية وانها مشمولة باتفاقية الامن المتبادل بين اميركا واليابان، وهذا يعني التهديد بالتدخل العسكري الاميركي الى جانب اليابان في حال نشوب صدام حول تلك الجزر، ويعني ان هذا هو شكل من "ناتو آسيوي"، وهو ما يدفع الصين عمليا الى تعميق تعاونها الستراتيجي مع روسيا.
وختم لوزيانين بالقول: انه حقوقيا (de jure) لا يوجد حلف استراتيجي بين روسيا والصين، ولكن عمليا (de facto) فإن العناصر المكونة لمثل هذا الحلف اصبحت متزايدة.
ويقول وزير الخارجية الصيني "فان إي" ان العلاقات بين روسيا والصين هي على مستوى رفيع لا سابق له. وفي السنة الجارية تتواصل الجهود لتوطيد التعاون الستراتيجي الشامل بين البلدين: "بالحديث عن تطوير العلاقات بين الصين وروسيا خلال هذه السنة، اعتقد ان المحتوى الرئيسي لهذه الجهود ينبغي ان يكون توطيد المستوى الرفيع للشراكة الستراتيجية الشاملة والتعزيز الثابت للثقة السياسية المتبادلة". ودعا وزير الخارجية الصيني الى "الدفاع المشترك عن نتائج الانتصار في الحرب العالمية الثانية".
هذا ونشرت جريدة "جينمين جيباو" الناطقة الرسمية باسم الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، مقالا افتتاحيا انتقدت فيه السياسة الغربية، وجاء في المقال ان اميركا والكثيرين في الغرب لا يزالون يتصرفون تحت تأثير مفاهيم الحرب الباردة ولم يتغلبوا على عدائهم لروسيا. واكدت ان الصين تؤيد الموقف الروسي.
ويقول بعض المطلعين ان المحور الروسي ـ الصيني العتيد دفن الى الابد ما كان يترتب على التزام روسيا بمعاهدة يالطا التي سبق ووقعها ستالين وكرس بموجبها الهيمنة الاميركية على العالم الغربي ومستعمراته السابقة، وان اميركا فقدت نهائيا صفتها كقطب عالمي أوحد، وأن مصير العالم اصبح يرتبط من الان فصاعدا بحركة المحور الروسي ـ الصيني اولا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة


.. وفاة المستشارة الخاصة بالرئاسة السورية لونا الشبل تثير جدلا




.. وزير الخارجية المصري: يجب العمل على الوقف الفوري والمستدام ل


.. مشاهد لآليات مدمرة للاحتلال الإسرائيلي في رفح




.. لم تحصل على أي مؤهل علمي.. تعرف إلى نائبة رئيس وزراء بريطاني