الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرقة موصوفة وقضايا الحرب والحب.

سيومي خليل

2014 / 8 / 9
الادب والفن



-----------------------
فجأة أسرق من شفتي حبيبتي قبلة ، وأضم ما بقي مني في غير خراب إلى شفتيها . كيف تجرأت على ذلك ؟؟؟ ربما دعتني صاحبة اللما إلى ذلك ، وربما لأني حزين جدا جدا ، والأكيد أن حبيبتي من خططت للسرقة .

في قضية الحزن أقول :
القبلة المسروقة سرقت بعضا من حزني ، فأنا الممتهن للكآبة كئيب بسبب الصور السيئة التي لا تنتهي ، فالأرض طالما توقفت عن الدوران لتشهد لقطة من فلم الرعب المستمر ؛ الأشلاء التي ترسم حدودا للقتل المرعب ، القيء الذي ينز من من أعين الضحايا وهم يستقبلون قدرا انفجاريا وجهتم ، والاختراعات الماكرة التي تسعى أن تحول الإنسان إلى زنزانة بحجم خرم امرأة ثيب .

حزين مع سبق إصرار وترصد لذا كانت القبلة المسروقة في ركن المقهى صوت آخر للاحتجاج ، ثورة داخلي ؛ لنحارب الظلم بأضواء القبل .

في قضية الحزن أنا دائما حزين جدا لذا أقول :
القبلة المسروقة مشهد مغاير لمشاهد التراجيديات التي لا تنتهي ، صورة بألوان زاهية ،بها تلميحات إيروسية غاية في الرقة ، تخالف صور تاتانوس المرعبة . داعشي جاهلي يسبي كوم من النساء ليعتقلهن في زنزانة جهاد النكاح ، ويروي بهن ضمأ محاربي الظلام ، تمحوه قبلة خاطفة ورقيقة وسريعة أسرقها من الزمن ، ومن صرامتي ، ومن الأعين الفارغة .

القبلة تلك محوت بها ألغاز الموت في ذهني .

القبلة تلك محوت بها كل صور الخوارج ، من اعتنقوا دين السيف والحيف ، ودانوا بالقسم العظيم لجوقة السافحين ،وصيروا قلوبهم قنابلا جمع فيها الديناميت بشكل رهيب .

ركن المقهى الدافئ يغري القلب على الحديث بلغته ، وينسي الذاكرة بعضا مما تبثه قنوات العالم ، ويهدئ الأفكار داخل جمجمتي العريضة . الكراسي الملونة ، وطاولات خشب الزان ،وكأس عصير الليمون ، وفنجان القهوة السوداء ، والسجائر ، ونقوش الجبس على سقف الحائط ، والكتب المنضدة بشكل غير احترافي أمامي ، استطاعت هذه الأشياء كلها أن تزاحم صور الشرق الأوسط الكئيبة ، أنستني صور العراق وسوريا ، سلتني صور غزة وهي تتساقط على ساكنيها ، وأنستني صورالكيان الصهيوني وهو يتبجح غرورا على جثث الشهداء ، ومشهد مصر تبحث عن هدنة ، وأمريكا توقظ النار أكثر ، وشرعية دولية يجب التبول عليها . ركن المقهى كان أرضا آخرى ، لكن لغير الحرب ، بل كي ينمو فيها بستان آخر يحتل الفراغ .

حين أعرت شفتي لشفتي حبيبتي ، وأمسكت رأسها برفق ،كانت صور كثيرة تجري هاربة من ذاكرتي ، تعلن ضعفها رغم قساوتها أمام قبلة حب صادق. تركض الصور هاربة لا تولي على شيء ، تستغيث أن انقذوها . صور بالأبيض والأسود ، أو بالآحرى صور سوداء لا غير ، كلها مظلمة .

في قضية الصور والمشاهد تنجح القبلة في التخفيف من قساوتها ، تحول يد مبتورة بسبب صاروخ إسرائيلي إلى وردة تينع كل لحظة ، تحارب جاهلا ومتجاهلا قاتلا ، يعب الدماء كما يعب العطاشى الماء ، ويعلن أنها ديانة السيف والتكفير والتجهيل .

تنسيني القبلة مشهد الرصيف ،والسيارة ، والحدث الفجائي ، والقدر المخطط له بشكل متقن الذي يهبط كصاروخ ، أو قذيفة أربيجي جهة المشهد ككل .
تنسيني القبلة أن الكثيرين ينامون على السيف ويصحون على الكلاشينكوف ،منهم الرفاق ، ومنهم الأعداء، منهم من باسم الدين يقتل المتدينين ، ومنهم من باسم اللادين يقتل لادينيين آخرين ، ومنهم طيبي الملامح جدا كأنهم الملائكة وتحت آباطهم سكين للجز السريع، وللقتل الغيلة ، وللطعن من الوراء .
تنسيني القبلة متاهة الشك ، وفي قضايا الشك أقول :
عاد جدا أن أشك في وجود غرائبي بشكل غير مفهوم . عاد جدا أن ينز في ذهني خيط دم دافئ نتيجة التفكير في قضية بديهية ، فماهو الشيء البديهي في هذا الوجود ؟؟؟ هذا ما لا أشك فيه ، إنه القتل بدم بارد ،وبقناعة مبررة ،إنه القتل الذي يجيده الإنسان دون غيره من باقي الكائنات ، إنه القتل المادي و الرمزي .

لذا أقبل حبيبتي بلذة ،كي أنسى أن الإنسان ينتمي لصنف الكائنات عاقلانية القتل ، بل هو الوحيد فيها ، فهو يصنع الرصاصة ، تم يوجهها لصدر طفل صغير ، ثم يضغط على الزناد ، ويبكي ضياع الرصاصة ، لذا يصنع آخرى ، وآخرى ، وآخرى .

محوت بتلك القبلة الكثير من الشحوم التي تجمعت على المآقي ، فغرابة هذا العالم تجعلنا ننتبه لفتاة ترتدي الجينز الضيق ،ولمؤخرتها ، وللثدي النافر من جسدها ،ولا تجعلنا ننتبه للمتشرد العاري والكئيب الممدد على الأرض والمتسخ والجائع . الشحوم كثيرة بالأعين ، لدرجة أنها ترى الأشياء من أوجهها السخيفة ، وتتغاضى عن رأيت وجهة الحياة في الأشياء .

كانت شكل المقهى ذلك المساء بعيني غير شكل مشاهد الصور بنفس العين ، فالمقهى الهادئة ، ووجه حبيبتي ، جعلاني أنسى مقالا يتحدث عن كون الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت ،وجعلاني أنسى البحث عن جواب للسؤال التالي : كيف يشرعن الإنسان القتل ؟؟؟. لقد كنت أجيب هكذا: لأنه أكثر الكائنات بعدا عن الإنسانية ، أما الآن فأظن أن لا جواب شاف لهذا السؤال . ربما القتل موجود كما توجد الصخور وسط أرض مقفرة، أو كما توجد حدبة الجمل على ظهر الجمل .

هل يمكن أن تحارب القبل والأحضان صوت الرصاص ؟؟ أذكر ذلك اليوغسلافي ، الذي صمم أن لا يهرب من صوت الدمار والقصف والرصاص والقذائف ، وجلس فوق ركام المنازل يعزف على الكمان بهدوء وثقة كبيرين . هل مات اليوغسلافي بعدها أو أثناءها وهو يتلقى رصاصة غير رحيمة ؟؟؟ كلنا سنموت على كل حال ، سواء عشنا مرفوعي الرؤوس ، أو عشنا منحدري الرؤوس نهيم بالعبودية والذل ، لكن كم جميل ان تموت ورأسك عال .

حبيبتي كان لشفتيها طعم لم يستقر وصفه في ذهني إلى لدقائق قليلة ، وظل الإحساس قائما إلى الآن . لقد منحتني شفتيها كأنها تريد أن تقول لي : أنا الأخرى أاحتج على هذا العالم ، أحتج على كل النساء اللواتي وضعن في براقع سجنية سوداء ، احتج على كل تلك المشاهد التي تجعلنا أرقين للغاية ، والتي تجعل قلوبنا تكاد تتوقف من الحزن ، والتي تجعل عيوننا تدرف دمعا كشلالات عظيمة . تقول لي حبيبتي وهي تضغط على شفتيها ، إنها الآخرى ثائرة في دمها ، فالفقر لم ينجح في جعلها فقيرة العواطف ، والانتكاسات الكبيرة التي تخط جغرافيتها لم تنجح في جعلها عروس تنتظر يوم الزفاف لتبعث فيها الروح .

قبلة أم صفعة ؛ العالم كأنه مخير بين هذين الأمرين . القبلة تمثل الجمال والحياة ، تمثل التقدم والإبداع ، تمثل الانطلاق ، والصفعة كبح لكل مقومات الإنسان ، إنها القتل الذي يختبئ في ثوب إسرائيل وداعش وجيوش القتل النظامي وحركات التكفير والتهجير والتقتيل ...لندافع عن الحياة بالقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صوت الكمان لا يزال يصدح
نايــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ( 2014 / 8 / 9 - 21:46 )
ذلك اليوغسلافي ، الذي صمم أن لا يهرب من صوت الدمار والقصف والرصاص والقذائف ، وجلس فوق ركام المنازل يعزف على الكمان بهدوء وثقة كبيرين»0 .
السلبي يكره الإيجابي وينفر منه، لنجعل من الحياة إيجابا متناغما صادحا لنتحرر عبر الإبداع من قبح الجرذان

اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05