الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكرة بجوار الموتى

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2014 / 8 / 10
الادب والفن


ونسيت الطريق إلى قبر أمي. تعب أبي المريض. أنهكتنا حرارة شمس الخريف.
قال لي يشجعني على الصبر:
- تعال نشوف الصف المقابل ثم نعود إلى البيت..
- لكن يا أبي مرت ساعات ونحن نبحث عن قبر والدتي من دون أمل.
جلس على حافة قبر جنب الممر يدخن، نظر باتجاه السماء. وكمن يحدث نفسه أخبرني أنه علم القبر بنبتة ريحان وحجر أحمر.
لكن كل الأهالي غرسوا فوق قبور أحبائهم الريحان وعلموها بالحجر الأحمر.
ضغظ بقدمه على عقب السيجارة، أمسك بيدي. مشينا في اتجاه باب الخروج. ظننته استسلم لخيبة الأمل. توقفنا أمام مكتب صغير، هو مكتب حارس المقبرة. ألفيناه مغلقا. رمينا نظرة من خلال شق الباب. ميزنا سجلات ضخمة، هي سجلات تخص سكان القبور. وعلى أرضية المكتب جنب طاولة متهالكة بضع قنينات خمر فارغة ذات زجاج أخضر، وأعقاب سجائر وقشور برتقال، تحيط بها جوقة من الذباب والنمل.
تساءل أبي عن قنينات الخمر.
قلت له إنها فارغة.
رد الرجل بغضب:
- لكن ما الذي أتى بها إلى هذا المكان يا ناس.. أليست لدى هؤلاء القوم حرمة للقبور؟
زاد حزن أبي. ضيعنا قبر والدتي في مقبرة يدنسها حارسها.بكيت أنا أكثر.
- ومن يدري فقد يحول الكلب المكتب الصغير ليلا لتصريف شهوته الحيوانية، من سيمنعه. علق صديق والدي، لما أخبره.
ظل أبي يردد الحكاية بألم. إلى أن رأيت ماء الزهر يباع عند العطار، وقد تمت تعبئته في قنينات خضراء..
جريت عند أبي أخبره بالاكتشاف المطمئن..
- لا تأخذ ذنوب الآخرين يا أبتاه. لقد علمت سبب وجود قنينات الخمر الفارغة في المقبرة.
نهض واضعا يديه فوق كتفي:
- ومن أدراك يا صغيري؟
- يجلبها حارس المقبرة لملئها بماء الزهر وبيعها لزوار المقبرة.
لم يصدق أبي اكتشافي
قال صديق والدي إن بائع الزهر في المقبرة نذل سكير معروف عنه معاقرته للخمرة.
ثم أردف قائلا:
- إن من يسكن بجوار الموتى لا بد أن يسكر.
مرت سنوات على موت والدتي، لم نزر خلالها قبرها ولو مرة واحدة. تزوج والدي بامرأة أخرى، فشلت في أن تنسيني في أمي كما نجحت مع أبي.
لما طرق الباب صديق والدي يسأل عنه. ترك نسخة من جريدة محلية ومضى. كان الخبر الرئيسي يتكلم عن فضيحة نبش مقبرة. كانت مقبرة والدتي.
قرر أبي البحث عن قبر والدتي ونقل رفاتها إلى المقبرة القريبة.
لم أفهم كآبة زوجة أبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة