الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة نفيسة – قصة قصيرة

موريس رمسيس

2014 / 8 / 10
الادب والفن


‘نفيسة‘ شابة ريفية قام والدها بتزويجها بعد ان اكملت التعليم الاساسى لكن الزواج لم يدم معها كثرا فبعد طلاقها انتقلت إلى منزل الوالد مصطحبه معها ابنتها ‘حليمة‘ و لكى لا تكن عبئ مادى أضافى على والدها قد قامت بالعمل فى مصنع قريب منها متخصص فى تعبئة و تغليف الخضروات لعدة سنوات قليلة .. بسبب ظروف اقتصادية سيئة مرت بالمصنع فاضطرته لاستغناء عن جميع العمالة المؤقتة لديه فتوقفت ‘نفيسة‘ عن العمل .. ذاد العبء على الوالد الذى اضطر ان يعمل طوال اليوم لكى يكفف بعض من مصاريف أسرته المتكونة من ثمانية عشر نفس و زوجتين يعيشون فى منزل ريفى متواضع

ارادت ‘نفيسة‘ الخروج من منزل الوالد بأسرع ما يمكن لتوفر بعض التكاليف عن كاهل والدها لكنها تعلم جيدا صعوبة الزواج لمرة ثانية لكى تنتقل الى منزل اخر كما تعلم صعوبة الحصول على عمل قريب فى الناحية فلم يتبقى أمامها غير البحث عن مستقبل أخر خارج البلاد كما يفعل الشباب أبناء الجيران المهاجرون إلى اوربا و يتقاضون مرتبات كبيرة فى اوربا كما يشترون البيوت جوارهم و يمتلكون اشياء اخرى كثيرة و اسرهم تعيش حالة من الرغد و البحبوحة لم يعاهدوها من قبل

يقع مسكن الأسرة فى أحدى ضواحى مدينة سياحية شهيرة بشاطئها الرملى الخلاب الذى يرتاده الآلاف سنويا من الأوربيين خلال الصيف و فترة العطلات .. اخذت ‘نفيسة‘ تذهب يوميا إلى منطقة الشاطئ فكانت تذهب مبكرا و تعد ثانية اخر النهار بحجة البحث عن عمل فى المدية لكنها فى حقيقة الأمر كانت تبحث عن الزوج الأجنبى الذى ينتشلها من الفقر و الوضع المعيشى الصعب عندما يصطحبها معه إلى أحدى الدول الأوربية .. مرت الأسابيع و الشهور ثم صادف الحظ ‘نفيسة‘و تقابلت فى اخر المطاف مع ‘كلود‘ البلجيكى الذى يكبرها بخمسة و عشرين عام و يبحث ايضا عن زوجة يصطحبها عند عودته .. تلاقيا الاثنان اكثر من مرة على الشاطئ و فى الحانات و المطاعم و فى غرفته بالفندق و لم يستغرقا الكثير من الوقت حتى توافقا على الزواج و العيش سويا فى هولندا على ان يستبقيان ‘حليمة‘ مؤقتا عند اسرة والدها

حصل ‘كلود‘ سريعا على شهادة تغير ديانة إلى الإسلام من القاضى و أتفق مع والدها على مبلغ المهر المدفوع و على نوعية الهدايا الأخرى و لباقية افراد الأسرة لذا تم الزواج بيسر و سهولة .. بعد احتفال متواضع مع الأهل و ابناء الحى اصطحب ‘كلود‘ عروسته إلى غرفته بالفندق و بدأ فى شراء الاحتياجات و اعداد الحقائب .. سافرا العروسان و هما فى حالة من النشوة و الفرح يملئهما الأمل فى حياة رغدة سعيدة

اقامة ‘نفيسة‘ فى شقة ‘كلود‘ الصغيرة و هى تقع فى احدى الضواحى الريفية على ينتقلا فيما بعد إلى شقة أكبر فى المدينة و اعتادت على الذهاب لمركز المدينة مرة على الأقل اسبوعيا لكى تتسوق من المتاجر العربية و لتبحث عن ابناء وطنها فى المركز الاسلامى .. تعرفت على البعض و بمرور الوقت تعلمت الكثير عن الأمور الإدارية التى تخص الخدمات الاجتماعية و الصحية و كيفية التعامل مع جهات البلدية .. تتلقى ‘نفيسة‘ معونة اعاشة شهرية كما هو الحال لـ ‘كلود‘ العاطل عن العمل بالإضافة الى بعض المعونات الأخرى كالمسكن و التأمين الصحى و غيرهما لكن بمرور الوقت بدأت نفيسة تشعر بالقلق من ضيق اليد و عدم الادخار فالدخل يكفيهما بالكاد كما ان ‘كلود‘ لا يريد التوفير من احتياجات المعيشة .. فهى تريد ارسال مبلغ شهريا لمساعدة والدها كما احضار ابنتها ‘حليمة‘ لتعيش معها و هى تحلم اقتناء منزل بوطنها مستقبلا لذا بدأ الملل و التذمر يدب و المشاكل بدأت فى التصاعد يوميا بينهما

انتقلت ‘نفيسة‘ لتعيش مع ‘زهرة‘التى تسكن المدينة و انفصلت عن ‘كلود‘ و عند صديقتها تعرفت علي ‘رشيد‘ ابن بلادها و توثقت العلاقة بينهما و انتقلت لتعيش معه فى منزله فهو يعيش لوحده بعدما تركته زوجته مع ابنته و لا يعرف عنهما شيئا من سنوات .. استمرت ‘نفيسة‘ تسكن لدى ‘رشيد‘ حتى حصلت على شقة من قبل إدارة البلدية لكونها حامل و تنتظر ابنها ‘كريم‘ من ‘رشيد‘ الذى لم يعدها بالزواج فهو لا يزال متزوج رسمى .. انجبت ‘نفيسة‘ ‘كريم‘ و حصلت على معونة شهرية اضافية لرعايته و تكررت المعونة مع ابنتها ‘حليمة‘ التى استطاعت استقدامها لتعيش معها فى السكن الجديد و تغيرت الأحوال المادية قليلا لكنها لا تكفى لتحقيق الطموح و الرغبات و الطريق مازال طويل

وجدت ‘نفيسة‘ عمل غير رسمى فى النظافة حتى تضمن الحصول على المعونات الشهرية كما اتفقت على ترك الاولاد مع ‘زهرة‘ اثناء فترة العمل .. استمرت على هذا الحال لعدة أشهر ثم توقفت عن العمل فعائده المادى ضئيل و لا يرضى الطموح فهى لا تزال شابة و تستطيع فعل الكثير

عرض ‘رشيد‘ و هو الأب الشرعى لـ ‘كريم‘ عليها لتعمل لديه فى الحانة التى يمتلكها و يديرها فلم تتردد و وافقت على الفور فقد كانت على علم مسبق من ‘رشيد‘ و تعرف طبيعة العمل و اسراره .. الحانة لا تختلف كثيرا عن مثيلتها فهناك تُقدم المشروبات الكحولية و غيرها على نغمات الموسيقى الهادئة و تعتبر كنقطة تلاقى و تعارف لزبائن لكن ‘رشيد‘ حولها سرا بدون ترخيص إلى ملتقى لباحثين عن المتع الجسدية و اصبحت الحانة معروفة بذلك لدى روادها

كانت ‘نفيسة‘ تصطحب اولادها يوميا بعد المدرسة الى وسط المدنية حيث المركز الإسلامى فتتركهم لديه ثلاثة ساعات على الأقل يوميا ليتعلما اللغة العربية و الصلاة و ليحفظا بعض الآيات القرآنية مع الأولاد الأخريين ثم تذهب أثناء ذلك الى الحانة التى لا تبتعد بالسيارة كثيرا فاذا لم يكن هناك زبائن معروفين لديها تبدأ فى الالتفاف حول الزبون الجديد كما يقوم ‘رشيد‘ احيانا بتسهيل المهمة لها فتصطحبه الى الفندق المجاور و تتغيب عشرين دقيقة على الأكثر ثم تعاود الفعل مرة ثانية .. الحانة و الفندق يقعان فى شارع جانبى بالتالى يصعب افتضاح أمرها امام المارة .. استمرت ‘نفيسة‘ على هذا المنوال سنوات عدة و استطاعت تكوين ثروة لا بأس بها و اشرت اكثر من منزل فى موطنها و اغدقت بالأموال على والديها و أخواتها بالإضافة إلى امتلاكها منزل كبير بالمدينة

واجه ‘رشيد‘ ضائقة مالية كبيرة مع البنك و تعثر فى سداد ديون بسبب ادمانه لقمار و المخدرات و أضطر ان يبيع الحانة لـ ‘نفيسة‘ ليسدد جزء من ديونه لبنك و عمل لديها فى نفس الوقت فى الحانة .. فبدونه يصعب التحكم فى الزبائن و النساء العاملات ثم فترة ليست بالقليلة تركت ‘نفيسة‘ ادارة الحانة لـ ‘رشيد‘ نظير مبلغ محدد يدفعه لها يوميا بعدما ارتأت انه قد حان الوقت لابتعادها نهائيا عن الزبائن و عدم الظهور ثانيا فى العلن

الأولاد قد كبروا و اصبحا فى عمر الشباب بالغين و انهيا التعليم المتوسط و تعلما حرف فى المعهد المهني .. ‘حليمة‘ و ‘كريم‘ يتغيبان عادة عن المنزل و هى لا تعلم شيئا عن تحركاتهما لانشغالها الدائم فى الحانة لكنها تعلم فى نفس الوقت انهما متدينان يصليان الفروض و يتابعان المركز الإسلامى .. فضلت ‘نفيسه‘ الذهاب إلى الحانة اثناء الصباح فقط و قبل بداية وصول الزبائن لكى تقوم بتحصيل الدخل و متابعة الحالة العامة و حجز و شراء المشتريات اليومية و خلافه

قامت ‘نفيسة‘ بعمل فريضة الحج لكى تغتسل من ذنوبها و تكفر عما فعلت لكنها فى نفس الوقت لم تستطع بيع الحانة أو تأجيرها على الرغم من الأقسام الغليظة فى البيت الحرام بعدم رجوعها إلى ممارسة البغاء .. لكن ‘رشيد‘ استطاع اقناعها بتولى الحانة بمفرده على ان يرسل لها الريع الصافى اليومي فلا تشارك بنفسها بفعل أى ذنب و استمر ‘رشيد‘ على هذا الاتفاق .. ارتديت ‘نفيسة‘ الحجاب على رأسها امعانا فى التخفى و لإبعاد الشبهه عنها حتى اصبح اهالى الناحية فى موطنها يحلفون بحياتها و رأسها بسبب الصدقات و الهبات التى تقدمها لهم اثناء زيارتها لأسرتها

فى أحدى الأيام و اثناء جلوس الحاجة ‘نفيسة‘ تتناول فطورها فى حديقة منزلها الكبير و هى تتذكر شريط حياتها بداية من خروجها الى مسكن والدها و معها أبنتها ‘حليمة‘ تحملها على كتفها اذا بالخادمة تأتى إليها ببعض الرسائل البريدية و بدون سابق انذار آتت الكوارث إليها تباعا من صندوق البريد .. رسالة من إدارة البلدية تخبرها بغلق الحانة اداريا و بسبب استغلالها فى أعمال اخرى غير النشاط المصرح بيه و قامت الإدارة برفع قضايا جنائية بسبب التسهيل و الاكتساب من ممارسة البغاء و إغواء القاصرات فى ممارسة البغاء بالحانة .. تضامن مدير و مالك الحانة فى الاتهامات و فى العقوبة التى قد تصل الى سبعة سنوات سجن منفذ و اما الرسالة الثانية فكانت من إدارة الضرائب تطالبها بدفع مبلغ افتراضى يتعدى المليون يوروه مستحق كضرائب عن أعوام عدة سابقة و كانت الرسالة الأخيرة الأصعب بالفعل فقد طالبها مدير الأمن العام بالمدينة ان تراجع الإدارة فى حالة تواصلها أو معرفة أى شيء يخص ‘حليمة‘ أو ‘كريم‘ فقد ذهبا الاثنان يجاهدان مع تنظيمات إرهابية مختلفة فى الشرق الأوسط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة