الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة صراع الحضارات (!) .. الجزء الثاني

موسى راكان موسى

2014 / 8 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تكملة ..

و لهنتنجتون قول يا له من قول .. حقيقة هو يختزل الكثير :

{ كما يستخدم الناس السياسة لتحديد هويتهم إلى جانب دفع مصالحهم و تنميتها فنحن لا نعرف من نكون إلا عندما نعرف من ليس نحن , و ذلك يتم غالبا عندما نعرف (( نحن ضد من ؟ )) } (1) .

فإن كانت السياسة في المفهوم الماركسي هي أدب الصراع الطبقي .. فهي كذلك قد كانت لوضوح القاعدة أو البنية التحتية التي بدورها تفرز و تشكل لنا البنية الفوقية , فالسياسة إذا أداة في الصراع الطبقي عند الماركسيين .. و حين إنعدام الطبقات لا تكون هنالك سياسة .. و ذلك في الشيوعية .

لكن حين يتم مسخ الإقتصاد .. و تتجه المنظومة الإنتاجية من السلعية إلى الخدماتية , تمسي الطبقة العاملة مقارنة بالطبقة الوسطى في موقع هامش الحياة , و تصبح و تمسي الطبقة الوسطى في تضخم و توسع دائميين , فطبيعي جدا حينها أن تصبح السياسة ذات طابع عبثي .

فالسياسة في هذا الطقس الملوث تتحول من (أدب الصراع الطبقي) إلى (عبث صراع الهويات) , يصبح الآخر بمجرد إختلافه عدو .. حلال النيل من شخصه , و كل حسب مقدرته حينها .. و الويل إن كان متمكن القدرة .

و يخلص هنتنجتون إلى :

(( أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع أو ثمان حضارات , العوامل الثقافية المشتركة و الإختلافات هي التي تشكل المصالح و الخصومات و تقاربات الدول , (...) السياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب و متعددة الحضارات .

لحظة الشعور بالبهجة في نهاية الحرب الباردة ولدت وهما بالتوافق و الإنسجام , الذي سرعان ما تكشف أنه وهم بالفعل , أصبح العالم مختلفا في أوائل السبعينيات و لكنه بالضرورة ليس أكثر سلاما , التغير كان حتميا .. التقدم لم يكن كذلك , إزدهرت أوهام مماثلة عن التوافق و الإنسجام في نهاية كل من صرعات القرن العشرين الرئيسية الأخرى .

من الواضح أن نموذج عالم واحد منسجم , بعيد جدا و منفصل عن الواقع لكي يكون دليلا مفيدا لعالم ما بعد الحرب الباردة )) (2) .

و رغم أن هنتنجتون إنتهى إلى سبع أو ثمان حضارات رئيسية في العالم إلا أنه جعل من (العوامل الثقافية المشتركة و الإختلافات) هي أساس تشكل المصالح و الخصومات و التقارب بين الدول , و الغريب أن هنتنجتون جعل من الهوية و الحضارة سببا لكل ذلك _صراع , توافق , تقارب .. إلخ_ إلا أنه لم يقل لنا : لماذا هي (الهوية و الحضارة) تفعل ذلك ؟ بحكم ماذا ؟ .. لا يجيبنا هنتنجتون عن ذلك إلا في كون (الهوية و الحضارة) تسبب كل ذلك لأنها تسبب ذلك .. أي أنها كذلك لأنها هي هي , و هو بذلك إن جعل (الهوية و الحضارة) محرك لتاريخنا المعاصر إن قام بدور الذي يفسر الماء بعد الجهد بالماء (!) .

((أصبح العالم مختلفا في أوائل السبعينيات و لكنه بالضرورة ليس أكثر سلاما , التغير كان حتميا .. التقدم لم يكن كذلك )) .. ما أقرب هنتنجتون في ذلك من أصحاب القول أن نظام العصر ليس برأسمالي و الرأسمالية إنتهت بإعلان رامبوييه حيث سيقت إلى مثواها الأخير _و أنا منهم_ .

و مما يلفت النظر قوله : ((قد يكون العالم في حالة فوضى و لكنه ليس دون نظام بالكلية , و صورة فوضى عارمة بلا تمييز .. تقدم لنا بعض المفاتيح لفهم العالم , من أجل ترتيب الأحداث و تقييم أهميتها و التنبوء بإتجاهات الفوضى و التمييز بين أشكالها و أسبابها المحتملة و نتائجها المختلفة , و لإستجلاء خطوط هادية تساعد صانعي السياسة الرسميين )) (3) .

قد يبدو لوهلة أن هنتنجتون يخرج على منهج التجريب إلى آخر .. ليس علمي بالضرورة بل واقعي {براجماتي} , لكن لمَّ لا نقرأ هذا ( نظام الكلية للعالم ) و نتحسس ( مفاتيح فهم العالم ) بمنهج علمي ؟ , ما دام ذلك ممكن للبراجماتيين .. فالأولى منهم أصحاب المنهج العلمي .

و أما فيما يتعلق بالعولمة , فصمويل هنتنجتون له في ذلك قوله : (( يمثل التنوع أو الإختلاف الحضاري تحديا للإعتقاد الغربي و الأمريكي بخاصة في عالمية الثقافة الغربية , فهو يعاني _أي الإعتقاد الغربي في عالمية ثقافته_ من ثلاث مشكلات : فهو إعتقاد زائف .. و لا أخلاقي .. و خطر .

فالإفتراض الغربي العام بأن التنوع الثقافي عبارة عن فضول تاريخي يتآكل بسرعة بسبب نمو ثقافة عالمية مشتركة ذات توجه غربي .. أمر غير صحيح , و الأعتقاد بأن الشعوب غير الغربية لابد لها من أن تتبنى القيم و المؤسسات و الثقافة الغربية .. إعتقاد لا أخلاقي بسبب ما يجب عمله لكي يتحقق ذلك .

الثقافة تتبع القوة , و إذا كانت المجتمعات غير الغربية سوف تتشكل مرة أخرى بواسطة الثقافة الغربية .. فإن ذلك سيكون نتيجة لتوسع و إنتشار و تأثير القوة الغربية , الإستعمار هو النتيجة المنطقية الضرورية للعالمية .

بالإضافة إلى أن الغرب كحضارة في حالة نضج , لم تعد لديه الدينامية الإقتصادية أو الديموغرافية المطلوبة لفرض إرادته على المجتمعات الأخرى , كما أن أي محاولة لعمل ذلك ستكون ضد القيم الغربية الخاصة بتقرير المصير و الديموقراطية )) (4) .

لتأثير جملة هنتنجتون ( الإستعمار هو النتيجة المنطقية الضرورية للعالمية ) إيقاع مؤثر على الوعي قبل أن تكون كذلك للآذان _يجب_ , فالعالمية لديه بمعنى العولمة .. و إن كنا نرى إنها إشكالية الترجمة في غالب الظن .

إذن فهنتنجتون يرى أن العولمة إدعاء وهمي .. و رغم وهميته فإنه خطير لأنه تغييب للذات (الغربية) عن الواقع , و لأنه يزيد من الصراع مع الآخرين .. و لأنه لتحقيقيه على أرض الواقع يستلزم :

1) اللا أخلاقية .. لأن يفترض القيام بأعمال لفرضه ذات طابع لا أخلاقي .
2) تحقيق ذلك يستلزم .. دينامية إقتصادية _لاحظ أن هنتنجتون ينكر وجودها عند الغرب بمسمى {النضج} !_ , و الديموغرافية _ و لعله قصد شيخوخة أوروبا .. لكنه ليس مستلزم حقيقي صراحة_ , و أخيرا الإيديولوجيا أو منظومة القيم _فهو يقر بأن هذا العمل ضد منظومة القيم الغربية .. و هي التي كانت من قبل تقبله_ , ( من ذلك يمكن أن نتحسس تضمينا لدى هنتنجتون بإنكار الرأسمالية بجانب إنكاره الصريح للعولمة ) .

و هو من منطلقه البراجماتي يسدي نصائحه للكيفية التي تجب أن تنتهجها دولته {الولايات المتحدة الأمريكية} : (( إن الولايات المتحدة في هذه الحقبة لا يمكنها أن تسيطر على العالم و لا أن تهرب منه .. فلا العالمية و لا الإنعزالية و لا التعددية و لا الأحادية يمكن أن تكون الأفضل لخدمة مصالحها (...) تتبنى بدلا من ذلك سياسة أطلنطية للتعاون الوثيق مع شركائها الأوروبيين )) (5) .

و في ذلك فهو يقرر ثلاث قانون تكون حاكمة للسياسة الأمريكية بشكل خاص و العالم كله لتجنب التصعيد و الحرب الكونية (6) :

قانون الإمتناع / أي أن تمتنع دول المركز عن التدخل في صراعات داخل الحضارات الأخرى , و هو أول متطلبات السلام في عالم متعدد الحضارات .. متعدد الأقطاب .
قانون الوساطة المشتركة / أي أن تتفاوض دول المركز مع بعضها الآخر لإحتواء أو إيقاف حروب خطوط التقسيم الحضاري بين دول أو جماعات داخل حضاراتها .
قانون العوامل المشتركة / أي أن تبحث شعوب جميع الحضارات عن تلك القيم و المؤسسات و الممارسات المشتركة بينهم و بين شعوب الحضارات الأخرى و أن يقوموا بتوسيعها .

هذه القوانين قوانين {عقلنة العالم قدر الإمكان} .. فبين الإمتناع عن التدخل و التفاوض للإحتواء هو يقرر البحث عن القيم المشتركة (!) , و مرة أخرى هذا القول ليس بمستغرب من أن يبدر عن تجريبي , لكنه و إن لم يتم رفضه .. مستحيل الوقوع لمثاليته .



في الختام نورد مقولة لهنتنجتون : ((على مستوى عالمي , تبدو الحضارات و كأنها تستسلم للبربرية في جوانب كثيرة , مخلفة صورة لظاهرة غير مسبوقة , و ربما تنزل على الإنسانية عصور كونية مظلمة )) (7) .

رغم أن الكتاب صدر 1992 .. و 2008 كان رحيل صاحب الكتاب , و رغم أنه قرأ التاريخ المعاصر قرآءة تجريبية _و نرى في التجريبية خداعة_ , إلا أنه أصاب جزءا من الحقيقية لا يزال عصيا على الفهم لدى كثير _منهم ماركسيين_ , و القارئ لهنتنجتون يكتشف أنه لم يكن يوالي الرأسمالية بقدر ما كان يوالي أمريكا ممثلة للحضارة الغربية , فالرأسمالية لم تكن تعنيه بل أمريكا هي التي تعني له الكثير .. و هذا واضح , لكنه يقر أن النظام إختلف منذ السبعينيات كإقتصاد _سواء في أمريكا أو العالم_ , كما أنه يختلف جذريا مع (فوكوياما نهاية التاريخ) فهو إلى جانب إنكاره لرأسمالية أمريكا و العالم _و هنا إنكاره أن النظام الإقتصادي الحالي إستمرار للنظام الإقتصادي لما قبل السبعينيات_ .. ينكر العولمة _و إن كانت في لفظ الكتاب _ , و قد كان أنقى بصيرة (بدرجة ما) في ذلك من كثر , فصحيح أنه تجريبي في ذلك إلا أن المهتمين بالعولمة لا زالوا يتعاطونها بعيدا عن الواقع التجريبي إلى الفكر التجريدي .. يضاف إلى ذلك نزعة تحررية _لا من الإيديولوجيا بل من المنهج العلمي_ , كثير هم من قرأ لهنتنجتون .. و أكثر منهم هم من هاجمه , أرجو أن تكون هذه قرآءة جديدة نقدية علمية تضع هنتنجتون في موقعه الصحيح و إن إختلفنا معه .. و ليعد من عادوه قراءته قراءة نقدية علمية .

المرجع :
صدام الحضارات , صمويل هنتنجتون , ترجمة طلعت الشايب .. تقديم د. صلاح قنصوة , دار سطور – القاهر , الطبعة الثانية 1999 , الصفحات بالترتيب : (1 : 39) , (2 : 48 و 52 و 53) , (3 : 59) , (4 : 501 – 502) , (5 : 505 ) , (6 : 512 و 518 ) , (7 : 520 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل