الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف الانتخابي في تونس

حزب الكادحين الوطنى الديمقراطى

2014 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



يتعامل أغلب الساسة مع مسألة الانتخابات من باب الغنيمة، فهناك سوق قائمة وقع الإعداد لها والتهيئة مسبقا والشاطر من يغنم منها النصيب الأوفر والقدر الأكبر من بائعي ثقـتهم وأصواتهم وبذلك تروّج أساليب شتّى من ألوان المخاتلة وابتداع الحـيل ضمن مناخ تنافـسي من الدجل والرياء والوقيعة، ولا يتورّع القائمون به والمشرفون عليه من الترويج له واعتمـاد فنون من الدعـاية والإغراء بإطلاق الصفات الحميدة والنعوت الإيجابية على هذه الممارسة من قبيل: المنافسة النزيهة والتعامل الصريح والسلوك الحضاري والإجراءات الواضحة بمنتهى الشفافية والصدق... فهل أنّ ذلك كذلك أم أنّ الحقيقة مختلفة ؟؟
إنّ قاعدة التعامل العام مع مسألة الانتخابات الشكلية في كل المجتمعات والشعوب التي عرفت هذه الظاهرة ومارستها أو مورست عليها لا تخرج عن الإطار العام الذي أشرنا إليه بما هي في جوهرها بيع وشراء لذمم الناخبين واصواتهم غير أنّها تختلف شكليا من مجتمع إلى آخر.. إنّها ممارسة تهجر أصل المشكلة لترسو على سطحها وتغرق عموم المجتمع في صراع ثانوي تركّز فيه على الجزئي متعمّدة عن سابق قصد إهمال القضايا الكبرى في حياة المجتمعات حتى تظل تعيش في عالم من الوهم والأحلام وتتخبط في دروب الضياع والتّيه وهو عالم تصنعه أطراف من هذه المجتمعات نفسها تزيّنه لأطراف أخرى لتتمكّن من إبقائها سجينة رؤاها وتصوّراتها وبذلك تتدافع هذه الأطراف إلى حلبة من الصراع فيما بينها فتخوض الغالبية الساحقة من المجتمع مكرهة معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل يحدوها سراب من أفيون العثور على ينابيع الماء في الأرض الخراب.
إذا كانت بعض الشعوب والأمم الرازحة تحت نير الاستغلال قد عرفت الانتخابات كممارسة سياسية لإدارة شؤون المجتمع سواء على نطاق عام أو ضيق وفي هذا المجال أو ذاك من مجالات الحياة وتمكّنت بواسطتها أحيانا من تحسين بعض شروط حياتها ضمن ظروف تاريخية محددة فذلك لا يعني أنّ الانتخابات طريق لحل المشكلة السياسية والاقتصادية. فالتحولات العميقة التي عرفتها البشرية تدلّل على أنّها لم تحدث عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع وإنّما عبر الثورة. فلويس السادس عشر لم يترك السلطة في فرنسا عبر الانتخابات وإنّما أطاح به الثوار، و في روسيا لم تطح بالامبراطور نيقولا الثاني الانتخابات بل الثورة أيضا. وكانت الانتخابات في غالب الحالات طريقا لإعادة إنتاج السلطة السياسية وبالتالي وسيلة لخداع الكادحين .
و خلال الحملات الانتخابية تروّج الرجعية الأوهام حول الإنجازات الضخمة التي ستقوم بها في المستقبل، و لكنها لا تفعل أكثر من ذر الرّماد في العيون وطالما بقي النظام القديم على حاله فإنّ "الشرعية الانتخابية" تصبح قيدا تستعمله القوى السائدة لمحاصرة مطالب الكادحين السياسية و الاجتماعية وهى تلجأ أحيانا للقيام ببعض الإصلاحات موهمة الكادحين أن لا خلاص لهم إلاّ بها محوّلة اهتمامهم من الرئيسي إلى الثانوي ومن الأصل إلى الفرع معتمدة أساليب الترهيب والترغيب حتى تجعل من الوسائل التي تقترحها حلولا، و ما هي غير قشة لا تنجي الغرقى إذا تشبثوا بها. و"قد يخشى الغرقى يدا تمتد كي تنجي من الغرق.." (محمود درويش).
يعدّ القمع أداة من أدوات حلّ التناقضات داخل المجتمعات يلجأ إليه المتنفّـذون وذوو السلطان كي يبقوا على نفوذهم وامتيازاتهم فينشئون له المؤسسات المادية والمعنوية ويوجدون له الوسائل والأدوات التي تقوم به وتؤمّن أهدافه وتحقّق غاياته حيث تتكامل مهامّ الكاهن والجلاّد، فما لا يقدر عليه هذا يؤدّيه ذاك. وقد تستدعي الظروف أحيانا إيلاء الأهمية للقمع المادي وأحيانا أخرى، وحين ينكشف عجز القمع المادي عن أداء دوره في كبح رغبات المجتمع في التطور والتقدم، توكل المهمّة إلى الكهنة وقد عرفت البشرية هذه السيرورة من القمع المتوازي طيلة تاريخها الطويل منذ أن صارت المجتمعات الإنسانية منقسمة على نفسها تعيش على وقع التناقضات فيلجأ قسم منها إلى العنف والإرهاب لحلّ هذه التناقضات وحسمها. وقد يتخذ هذا العنف أشكالا شتّى منها المكشوف الواضح للعيان ومنها ما يلقى عليه رداء من الليونة فيبدو للكثيرين سلسا مقبولا وعادة ما يقع اللجوء إلى مثل هذه الأشكال في حلّ الصّراعات داخل المجتمعات أو فيما بينها عندما يخشى من حلها بطرق عنيفة وعندما تكون إمكانية اعتماد الطريقة الثانية متاحة.
ويكشف التاريخ الحديث و تجارب عديد الشعوب كيف أنّ القوى الاستعمارية اضطرت إلى اختيار قنوات التفاوض مع حركات التحرر الوطني عندما خشيت من تطورها إلى درجة من الحدة والعداء لا يمكن التعويل فيما بعد على ضمان مصالحها في مستعمراتها وقد استعملت هذه الوسيلة في كثير من الحالات وانتهت بتمييع مطالب الاستقلال ومنح مستعمراتها القديمة وثائق استقلال على الورق فيما أبقت على حضورها الفعلي عبر عملائها وربط مصير هذه البلدان بها. إنّ مثل هذه الحال ليست قاعدة وقانونا في المطلق وإنّما توفرّها رهين جملة من الشروط من ضمنها استعداد قوى التحرر من جهة إلى النضال الحازم ضد الاستعمار ومن جهة أخرى وجود قوى قابلة للتفاوض والتعايش ومستعدة لإجهاض عملية التحرر الفعلي من الاستعمار وهيمنته والاستفادة من هذه الخدمات بأن تصبح وكيلا محليا له، تنوبه في الداخل وتتّكئ عليه ضمانا لمصلحتها ومصلحته على حساب مصالح الشعب والوطن الحقيقية.
ويقع تمرير هذه السياسات وتسويغها بمسميات كثيرة مثل الواقعية ومقتضيات الضرورة والاستفادة من العلاقات مع الخارج وتجنيب البلاد أزمات الحروب والصراعات الأهلية والحفاظ على السلم العالمية وهلمجرا من الذرائع والمبررات والمسوّغات وبذلك يقع التصرّف في حل الأزمات التي تصيب هذه المجتمعات والتي تتأتّى في جلها بسبب استغلال المستعمِر غير المباشر عبر وكلائه لهذه المجتمعات من خلال طرق عنيفة في جوهرها سلمية في ظاهرها ويروّج لها كاختيار أمثل لحل الأزمات التي يتعرّض لها هذا المجتمع او ذاك حتى يبقى جوهر الاستعمار والاستغلال قائما ويتواصل بطرق أكثر مكرا ودهاء. إنّه القديم مستنسخا في شكل جديد وتتكفل القابلة العجوز بتعميده وإخراجه إلى الحياة فيبتهج به الكثيرون ويقيمون له ولائم الولادة وحفلات الختان وأفراح الزفاف غير أنّـه سرعان ما يظهر على حقيقته هجينا مسخا فاقدا لأصالته.
أ ليس هذا الضحك على ذقون الشعوب واستبلاهها نوعا من العنف أم هو من باب جبر الخواطر ؟
سيجيب البعض أنّ الأمر يتجاوز طاقتهم الذهنية موكلين ذلك إلى المختصين فتنبري أقلام وأبواق تشرح وتفسّر وتوضّح ويؤدّي الكاهن وسدنة المعبد دورهم بكل همّة وعزم وتنشط نكرات وقد فتح لها الباب على مصراعيه مستفيدة من حالة التداخل المتعمدة حتى يعمّ التشويش أكثر على اتضاح الرؤيا فيحدث العزوف عن الجيد لندرته ومحاصرة الرداءة له وتخرج من الطحالب طفيليات تخنق الأشجار وتلتفّ عليها وتحجب الرؤيا. أ و ليس زرع هذه الطفيليات ورعايتها أمرا مقصودا وإدماجها صلب الصراع تمويها ونوعا من العنف ؟ إنّه التنوّع ومقتضيات المشهد الديمقراطي الذي يقتضي الفرز بعد مرحلة التناسل والاستنساخ... عندها تُكره الأغلبية المنتجة من الكادحين على مغادرة الفعل الحقيقي للتّغيير وتضطرّ -وهي تُعاني من هرسلة متواصلة- إلى الانكفاء والانزواء تاركة مصيرها إلى وُلاة أمرها آملة أن لا يكون "حاميها حراميها".. أ و ليس اعتماد هذه الطريقة من أجل إبعاد الكادحين بمعنى غالبية المجتمع وطاقاته الفاعلة عن الحضور والمساهمة، شكلا من أشكال ممارسة العنف عليها ؟
إنّ الجواب جاهز وهو أن الشعب سوف يقع تمكينه من اختيار من يمثّله دونما ضغوطات أو إكراهات وإنما رأفة به وإشفاقا عليه من المتاعب و"وجع الدماغ"، فهو لا طاقة له بتحمّل ذلك بمشاغل السياسة وألاعيبها وإنما عليه في اللحظة الحاسمة أن يختار من يمثّله، وأنّى له أن يميّز بين لاعبين ماهرين يتحرّكون في ميدان غير ميدانه ؟؟ أ ليس ذلك نوعا من إكراهه على الدخول في معركة لا يدرك أهميّتها ولا يعرف تضاريس ميدانها ؟ إنّـه سوف يُـصاب باللامـبالاة والإحباط والعزوف، فما الحيلة إذن ؟
تتحرك ترسانة الترغيب والوعود وتمتدّ الأيادي السخية وتتحرّك آلة الترهيب فتصوّر له أنّ الإقبال على الانتخاب والإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع وحده الكفيل بتحصينه من لذع السوط وتحقيق الانتفاع؛ وكهذا يُساق إلى الانخراط في المسار العام المرسوم له من قبل غيره فإذا ما أصرّ على أن المسألة لا تعنيه لا من بعيد أو من قريب حفّت حوله الشبهات وصار متّهما بالخروج عن الإجماع حتّى ولو كان موقفه هذا يمثّل الأغلبية، ذلك أن إجماع أولي الأمر من الجماعة حول مسألة ما يستوجبُ القبول والطاعة.. تلك هي أبجـديـات الحـريّــة.... فمن شاء قبل ومن لم يشأ عليه أن يكون كمن شاء وأن يقبل..
هي ذي بعض عيّنات عامّة من حضور العنف في إكراه الكادحين ودفعهم إلى ممارسة غير نابعة منهم في ظروف لم تنضج بعدُ ولم يحدّدوا معالمها وإنما صدرت عمّن نصّبوا أنفسهم مكانهم وسدّوا المنافذ أمامهم كي لا يتولّوا أمرهم بأيديهم.
ومن هنا فإنّ معركة تنظيم صفوف الكادحين لا تزال تمثل الأولويّـة عمّا عداها فعندما ينتظمون في أُطر نابعة منهم في استقلالية تامة عن أعدائهم فانهم سيبدأون السير في طريق الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة