الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمة الأمريكية- الإفريقية:أم شرعنة استغلال الجيل الإفريقي القادم

جامع سموك
باحث أكاديمي

(Smouk Jamaa)

2014 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


عقدت فى الفترة من الرابع إلى السادس من غشت 2014 بحضور رؤساء دول وحكومات نحو خمسين دولة من القارة الإفريقية ، القمة الأمريكية- الإفريقية، والتي عرفت مناقشة الجوانب الاقتصادية وفرص تعزيز الإستثمار الأمريكي بالقارة السمراء، ولعل شعار القمة " الاستثمار في الأجيال القادمة" يوحي بالرغبة القوية للولايات المتحدة الأمريكية في فرض سيطرتها بل وغزوها الاقتصادي لإفريقيا.
وكقراءة أولية للشعار يبدو من خلال مكوناته اللفظية " الاستثمار" ،" الأجيال القادمة" أن حمولته اقتصادية مصلحية أكثر منه تعاوني وتضامني مما يثير التساؤل حول طبيعة الاستثمار الإمريكي في الأجيال القادمة خصوصا في قارة لا ترابط بينهما لا جغرافيا ولا تاريخيا ولا اثنيا، هذا بالإضافة إلى السمعة السيئة التي تحظى بها الولايات المتحدة الأمريكية لدى شعوب بعض دول افريقيا ،خصوصا دولة الصومال إذ مازالت صورة هبوط قوات المارينز الأمريكية إلى أرض ميناء مقديشيو فى التاسع من ديسمبر 1992 راسخة في أدهان البعض كي تقود آنذلك قوات التحالف الدولى تحت مظلة الأمم المتحدة فى عملية سميت باستعادة الأمل فى الصومال، أضف إلى ذلك أن لفظ "الأجيال القادمة" يكتنفه الغموض والضبابية مما يجعله بمثابة مدخل الإستراتيجية الأمريكية لبسط سيطرتها ونفوذها الاقتصادي والسياسي في القارة السمراء.
إن شعار القمة يضمر أكثر من دلالة استعمارية واستغلالية للقارة الإفريقية من خلال نهج أسلوب متسم بممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على دول القارة السمراء من جهة، و باستعمال أسلحة منح الامتيازات و المساعدات المالية لهذه الدول من جهة أخرى. دون إغفال التدخل في السياسة الداخلية للدول المعنية من خلال توجيه سياستها مع توجهات السياسة الأمريكية، و قد تتعدد أشكال التدخل إذ تصل في بعض الأحيان إلى التدخل في المناهج التعليمية و التربوية للدول من خلال توظيف تقنيات و آليات ووسائل متعددة و جد متطورة تستغلها الإدارة الأمريكية بشكل فعال في تمرير و فرض نمط حياتها و قيمها و ثقافتها و تكريس إستراتيجيتها البعيدة المدى، وذلك بهدف شرعنة المد الثقافي الأمريكي أو الإبادة الثقافية كما أشار إلى ذلك الكاتب منير العنكش في كتابه "أمريكا والإبادة الثقافية".
وبالرجوع إلى مداخلات المسؤولين الأمريكيين المشاركين في القمة الأمريكية-الإفريقية، فإنها تكشف عن خطاب مصلحي مزدوج المضمون، إذ يتقاطع في ظاهره مع ما تطالب به شعوب إفريقيا شمالها وجنوبها شرقها وغربها، من محاربة الفساد والشفافية والديمقراطية والحكامة الجيدة كما جاء في مداخلة نائب الرئيس الأمريكي جوبايدن الذي حث القادة الأفارقة إلى محاربة رطان الفساد، وفي نفس السياق نحى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نفس المنحى في مداخلته حيث دعى إلى بناء مجتمع مدني قوي وإلى احترام الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان، مشيرا (جون كيري) إلى أن وجود مؤسسات قوية أفضل من وجود رجال أقوياء.
ومن جهة أخرى فإن هذه المداخلات لا تخفي أيضا مغازلة القادة الأفارقة المشاركين في القمة الأمريكية-الإفريقية، من خلال عدم الخوض في القضايا التي تقلق راحة هؤلاء الزعماء والقادة .وقد اتسم تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية بتبني مبادئ المدرسة الواقعية التي تقوم على المصلحة والقوة، وفقا لفلسفة "هانس موركانتو"أحد رواد هذه المدرسة، والذي يرى أن سلوكيات الدول تحركها الرغبة في الحصول على مزيد من القوة بتوظيف الوسائل المتاحة، سواء كانت عسكرية أو إقتصادية أوثقافية، وهذا ما يضفي تماسك القوة السياسية وفق ما ذهب إليه إدوارد كار وهذه من مميزات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في القارة السمراء مند أواخر القرن العشرين.
وإذا كانت أهداف القمة الأمريكية-الإفريقية تسعى إلى تقوية فرص الإستثمار والإنفتاح على الأسواق العالمية الجديدة ،فإن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الثروات الطبيعية والبشرية للقارة الإفريقية التى تتحول معظم عوائدها إلى الخارج وذلك بوضع قوانين وتشريعات جديدة للاستثمارات الأجنبية في افريقيا والتصدى للفساد في شموليته .
وقد يخشى أن تكون القمة الأمريكية –الإفريقية بمثابة شرعنة الإستعمار الأمريكي لإفريقيا تحت يافطة الإستثمار في الجيل القادم، مع استحضار تقاطع المصالح الإستراتيجية للقوى الإقتصادية العالمية الأخرى كالصين وأوربا في افريقيا ، مما يندر بتحويل صراع المصالح بين هذه القوى الغربية بايجابياته وسلبياته إلى الدول الإفريقية، التي ستجد نفسها مرغمة على التموقع و الإصطفاف إلى جانب الحليف الأمريكي أو الحليف الأسيوي أو الأوربي وذلك مع مراعاة مصالحها مما سيزيد من تشتت هذه الدول الإفريقية في الوقت الذي يعيش فيه العالم توحد وتشبيك الدول ذات نفس الخصائص المشتركة.
وخلاصة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية ورغم مناداتها بالحرية والديمقراطية واحترام سيادة الدول،فإنها تعتبر أول من يخرق هذه المبادئ بواسطة تدخلاتها وممارستها للضغوط سياسية كانت أو عسكرية وأحيانا اقتصادية خصوصا على البلدان المستضعفة التي تقبل بالإملاءات مقابل الاستفادة من الدعم والإمتيازات الممنوحة.
ولكي يحسب لأمريكا دعمها للقارة الأفريقية واقعيا وفعليا بعيدا عن مبادئ المدرسة الواقعية الموجهة لسياستها الخارجية،فعلى أصحاب القرار وأصحاب التفكير الإستراتيجي العمل على ترجمة شعار القمة الأمريكية –الإفريقية إلى أرض الواقع تجنبا لشرعنة استغلال الجيل الإفريقي القادم بمباركة المسؤولين الأفارقة المشاركين في أشغال هذه القمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -دبور الجحيم-.. ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران


.. رحيل رئيسي يربك حسابات المتشددين في طهران | #نيوز_بلس




.. إيران.. جدل مستمر بين الجمهوريين والديموقراطيين | #أميركا_ال


.. مشاعر حزن بالفقدان.. إيران تتشح بالسواد بعد رحيل رئيسها وتبد




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مدينة بيت لاهيا