الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل - على الريحة - !

أحمد الخميسي

2014 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


د. أحمد الخميسي

كنا نتمنى أن نقول للحكومة إنها أغرقتنا بأفضالها، لكن واقع الحال أنها أغرقتنا بفضلاتها، فالقمامة تواصل التكدس في كل ركن ولا تستثني مدرسة أوجامعا أومتحفا أوكنيسة أوهيئة حكومية أو روضة أطفال حيث نقوم بإعداد أجيال المستقبل "على الريحة". كل هذه القمامة إهانة مباشرة وصفعة للإنسان والثقافة والتطور ودليل دامغ على العجز عن التقدم. هذا بينما تقوم الحكومة بتحصيل رسوم نظافة على فواتير الكهرباء قدرتها الاحصاءات بنحو ثمانية مليارات جنيه سنويا لا يدري أحد على أي شيء تنفق؟! إن الحكومة تترك القمامة بل وتتربح من بقائها على حين أكدت مجموعة من علمائنا المصريين أن من الممكن استغلال تلال القمامة في توليد طاقة تعادل ربع الطاقة المستهلكة من البترول المنتج في مصر بما يعود علي الاقتصاد بنحو خمسة وعشرين مليار جنيه مصري سنويا! وذلك بتدوير القمامة واستخدامها في توليد الكهرباء والحصول على"الكحول الايثيلي" و" الديزل" وهما مصدران من أهم مصادر الطاقة يمكن استخدامهما في تشغيل السيارات. لماذا لا تفسخ الحكومة تعاقداتها التي أثبتت عدم جدواها مع شركات النظافة الأجنبية وتبدأ في تنفيذ مشروع تدوير القمامة من جزء من حصيلة رسوم النظافة؟ ما الذي يعطل الأخذ بتلك الحلول التي أخذت بها كل الدول المتقدمة اللهم إلا إن كانت بلادة الفكر والشعور المزمنة؟
مادامت شوارعنا تكتظ بكل هذه القمامة فلا جدوى في اعتقادي من أي حديث منمق عن الثقافة والجمال والتنوير والأدب وماشابه، لأنك لا تستطيع أن تعظ إنسانا بأهمية الجمال وأنت تطوقه بالقمامة من كل ناحية، ولا تستطيع أن تعظه بأهمية العلم وأنت تحاصره بالجهل. ومن المؤسف أن تكون حتى قمامة الغرب أروع من قمامتنا! فبينما يمثل الورق اثنين وأربعين بالمائة من القمامة الأمريكية فإنه يمثل عشرة بالمئة فقط من قمامة مصر ! لأنهم هناك يقرءون ويكتبون ويستخدمون الورق أكثر بكثير مما نفعل نحن هنا !
لقد أصبح التصدي للقمامة شأنا ثقافيا ينبغي أن يجتمع لأجله كبار الكتاب وأن يعقد اتحاد الكتاب لأجله مؤتمرا خاصا، وأن تسهم في مناقشته وزارة الثقافة وأن يقدم المجلس الأعلى للثقافة بشأنه أبحاثه، لأن القمامة عدوة كل جهد لتربية المشاعر والمواقف والفكر. وتنظيف الميادين والشوارع في اعتقادي أجدى للشعب المصري من نشر الكتب التي لا يقرأها أحد خاصة من أبناء الشعب، وأجدى من المهرجانات الثقافية التي تنفق عليها الملايين ولا يشارك فيها أحد من أبناء الشعب. في زمن ما كان الشاعر العظيم صلاح جاهين يحلم بأن يرى " تماثيل رخام ع الترعة " وصرنا بدلا من التطلع إلي تلك التماثيل لا نرى إلا " تماثيل سخام " لا ندري كيف نزحزحها بعيدا عن أنوفنا وعن رئات أطفالنا! وإذا لم يكن التقدم مرئيا في تفاصيل الحياة الصغيرة فلا جدوى من البحث عنه في مشاريع كبرى. إذا لم نلمس التقدم على الأقل فيما يتعلق بمشكلة القمامة والزحمة المرورية فلا أتوقع أن نلمسه في شيء آخر. وليس أتعس من أن ترى مدينة عظيمة كالقاهرة وقد أغرقتها القمامة. لا يبقى إلا التمنى والدعاء بأن تنتقل الحكومة بنا من فضلاتها إلي أفضالها. وحتى يتم الإعلان عن تبني مشروع جمع وتدوير القمامة فإننا سنظل في رياض الأطفال نربي أبناءنا، أجيال المستقبل " على الريحة".

***
أحمد الخميسي. كاتب مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوري يقترح على بريطانيا والاتحاد الأوروبي حلا للهجرة غير الن


.. بايدن يرفض إجراء تقييم طبي مستقل.. هل قطع دابر شك الديمقراطي




.. بعد -نصائح- خامنئي لبزشكيان.. هل ينم ذلك عن صراع ومن يمتلك س


.. مطالبة بوقف -نزيف الدم-.. مؤتمر لبحث حرب السودان في القاهرة




.. حماس تقصف سديروت برشقة صاروخية.. ومقتل ضابطين إسرائيليين بمع