الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الرمز المقدس وما عليه........

ماجد المذحجي

2005 / 8 / 10
الادب والفن


أنجزت هذه المادة نتيجة تفكير أثاره صديق في حوار بأحد المنتديات الثقافية ( لا ادري أن كان يحق لي تسميته بالمحافظ ) حول أسباب استخدام مفردات ذات دلاله دينيه في النص الأدبي مما يتعرض لقدسيتها بالمس، وهو كان يتحدث عن مفردة ( الله ) تحديداً . وكانت فكرتي تتلخص بالتالي:

إن مجموعة الأيقونات والرموز المقدسة التي كُرست هي اختصارات لأشكال السلطة التي تمثلها والتي أنتجتها.. وهذه الأيقونات والرموز بتكرسها في حياتنا كرست نفياً مباشراً للأيقونة المغيبة أو القيمة المهدرة، واقصد هنا الفرد الإنساني.
لقد شكلت هذه الرموز (والله كرمز سلطوي وليس كقيمة مفتوحة الدلالة أحدها) تراثاً ضاغطاً على ثقافتنا ونمط علاقاتنا بشكل هائل. إن تعاقداتنا اليومية وأنماط علاقاتنا وتصوراتنا للحياة والثقافة والمجتمع الذي نعيش فيه مازالت تقرر وفق المنظومة المطلبية و القيمية لكل رمز سلطوي والتي تختصر تاريخ سلطتها وما تريد تكريسه حاضراً ولاحقا من شكل للحياة والمجتمع والتصورات والعلاقات والوظائف الإنسانية.
إن هذه الرموز أنتجت وسائل دفاعية لحماية نفسها في الوعي الجمعي للناس.. حيث سيجت نفسها برعبنا البدائي.وغلفت موقفنا منها بموقف الخشية والاستجابة التلقائية وتعطيل حاسة النقد لمتنها الأيديولوجي.
واعتقد إن الله الرمز كقيمه لا يجب المساس بها هو واحد من هذه الرموز التي يجب تفكيكها، خصوصاً انه غير مستقل أو مكتفي بذاته بل هو الأصل الشرعي والمغذي الحقيقي للكثير من رموز السلطة والديكتاتوريات والتي توسلت به كمرجع. وهو كرمز تأسس في وعي ناس باعتباره القوة الغير منظورة التي يخشونها لأنهم لا يدركونها ففضلوا استرضائها وإقامة هدنة معها عبر جملة من الطقوس التي تطورت لتشكل الظاهرة الدينية، هذا الفزع من القوة الغير منظورة(الله) لدى الإنسان تم استثمارها من قبله أيضاً في صراعاته حيث تم التوسل بها كسند يمنح شرعية للقهر الذي يمارسه الأقوى على الآخر الضعيف باعتبار أن القوي هو امتداد لها ويحظى ببركاتها، وبذلك فهذه القوة الغير منظورة كرست سلطة القوة في البداية لتتحول لاحقاً إلى سلطة كاملة مطلقة ومتعددة الوسائل والأدوات-القوة إحدى مفرداتها فقط- تطورت و أنجزت عقلها الخاص الذي يدير الآن جملة مؤسساتها.
إن التصور البشري المقدس لرمز الله تصور متماسك ينهل من الأيديولوجية الدينية، هذه الأيديولوجية التي أضفت علية حصانة وسطوة هائلة، فهو الناظم الأساسي للحياة والمتصرف بأقدارنا والمقرر لما يجب أن نفعل وما لا يجب. وهو من يقدر نتائج الأعمال التي نقوم بها ويجزي عليها خيراً أو شراً. وهو الذي يمنح وجودنا هدفاً ومعنى يمر فقط عبره. وهو الذي يمنحنا الرزق وييسر لنا النعم ويكافئنا فقط إذا أظهرنا التذلل والخضوع له.
إن هذه الوظائف التي ينهض فيها الله والوسائل التي يروج به سلطته ويديرها كما كرستها الأيديولوجية الدينية وظائف ذات طابع سلطوي مطلق، وحضورها بكامل الفعالية يعني تعطل الحضور الإنساني بالمقابل، وهذا التصور الكامل للوظائف الإيجابية الفعل التي ينتجها رمز مثل الله يجب أن يقابل بموقع مقابل ومشابه تماماً لكنه معكوس، وهو موقع القبول والإقرار الكامل بالطاعة والالتزام بجملة القيم والأوامر التي تنتجها هذه الوظائف، و يعني أن التعرض لها أو إنكارها يعني إنكار شكل سلطتها وجملة القيم التي تتناسل منها وبالتالي فان هذا الفعل يجب أن يعاقب ويردع لأنة فعل يعني تعطيل هذه الوظائف وخروج عن عقد الطاعة وإنكار سلطة يعني إنكارها إن المتمرد ضائع وارتكب الخطيئة تجب إعادة تقويمه فان استعصى فسيحظى بالعقاب(ألا يشبه هذا رد فعل الأنظمة التولتارية الشمولية تجاه معارضيها حين تقرر أن موقعهم موقع مضاد لوظائفها وإنجازاتها وهو موقع خطر أنتج موقف خاطئ يجب أن يردع بشكل آلي باعتبار أن ما تقوم به هو الصواب والخير المطلق الذي يجب تمجيده لا التمرد عليه).
إن الله كرمز رُوِّج هو أول نسق ثقافي متكامل الوظائف والآليات للسلطة المطلقة في التاريخ وتبعاً لذلك فهو يشكل ترويجاً كاملاً لثقافة المطلقات والديكتاتورية وإلغاء الآخر وتكريس الذات كمركز للحقيقية النهائية. ولذلك فان تفكيك الأيديولوجية التي تروجه ومجموعة القيم التي ينتجها ونزع رعبه من الذاكرة هي الخطوة الأولى باتجاه تحرير أنفسنا من تراثه الضاغط والمعطل لفعاليتنا المدنية المعاصرة التي تنهض على ثقافة إقرار الآخر باعتباره شريكاً في الحياة له كامل الحقوق، واعتبار أن الحقيقية نسبية والحوار هو الفعالية المطلوبة في تسوية الخلافات والوصول إلى الحقائق، وان القيمة الإنسانية هي القيمة الأعلى في الحياة والتي يجب تكريسها، وان الدولة تقوم بتنظيم التضارب القائم بين المصالح في المجتمع والحياة ودورها وظيفي محدود يتلخص في إنجاز الخدمات ضمن إطار العقد القائم بينها وبين مواطنيها وهي ليست هدفاً بذاته باعتبار أن الدولة هي أحد تكثيفات ثقافة السلطة الشمولية التي تبتغي الهيمنة المطلقة كنتيجة لازمه لوجودها الذي يجب تقيده (والدولة تأخذ جزء من شرعيتها من الثقافة الدينية وحين تتحول إلى ديكتاتورية شمولية فان رأس سلطتها يبدأ بممارسة وظائف سلطوية مطلقة لها مرجعية-حتى ولو كانت مرجعية غير واعية- في نموذج الله وشكل سلطته).
وتبدأ الخطوة الأولى لتفكيك تراث هذا الرمز (الله) عبر نزع إطار القداسة وإدخاله إلى الشأن اليومي عارياً من الرعب وغير محملاً بتراثه وقيمه وعلاقاته السلطوية.. وإفراغه من دلالته الواحدة لصالح دلالات أخرى أكثر جمالية وتنوعاً (واعتقد أن استعمال مفردة الله في النص الأدبي تأتي ضمن هذا السياق حيث تنزع عنها قشرتها السلطوية وتشحن بدلالات جمالية مفتوحة على الإنساني وتكون غير مغلقه على مقولة واحدة فقط) وأيضاً عبر نقد خطابة الثقافي وتمثلاته الاجتماعية والسياسية وجملة مقولاته الرائجة والمقرة باعتبارها الحقيقية الواحدة.
ويجب أن تكون الخطوة الثانية هي استبدال مؤسساته بمؤسسات بشرية جديدة مدنية الطابع تأخذ شرعيتها من عقد طوعي بين أفراد متساويين لا من السماء أو من أي جملة سلطوية سابقة مؤسسة على الهيمنة والإطلاق، واستبدال الجملة الحضارية السابقة المشبعة بثقافة السلطة والإلغاء بجملة حضارية مختلفة تتناسل منها مسائل مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة وإلغاء العنف والمجتمع المدني وحقوق الأقليات والمهمشين والفرص المتساوية في العمل، أي خلق أمان ارضي جديد راهن يشكل بديلاً حقيقياً عن الأمان المتخيل والمؤجل الذي يقدمه الله ومؤسساته والذي يشكل ملاذاً للفرد المسحوق والمغيب معرفياً وإنسانياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء