الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة الاقتصادية تعكر صفو انتصار الجمهوريين في امريكا

يعقوب بن افرات

2002 / 12 / 9
الادارة و الاقتصاد


الانتخابات في امريكا
 
رغم فوز الجمهوريين الساحق
 

الازمة الاقتصادية تعكّر صفو الانتصار

فوز بوش الساحق في الانتخابات لا يحل المشاكل الاقتصادية المستعصية، ولا يمنحه هامشا سياسيا كبيرا؛ الحرب ضد الارهاب لا يمكنها ان تبقى للابد المبرر لفشله في المجال الاقتصادي. اما في الشأن العراقي، فيواجه الحلفاء الذين يطالبونه بتوخي الحذر ويرفضون ببساطة الانجرار وراء مغامراته.

 

يعقوب بن افرات

 

ما كاد الحزب الجمهوري الامريكي يفوز باغلبية المقاعد في مجلسي الكونغرس، حتى اعلن الرئيس الامريكي، جورج بوش، عن سياسته الخارجية العامة، والمتمثلة بالحرب ضد العراق، وعن سياسته الاقتصادية الداخلية، المتمثلة بتقليص الضرائب بقيمة 1،35 تريليون دولار لمدة عشر سنوات، في اشارة الى وقوفه التام مع رؤوس الاموال.

وقد بدا بوش واثقا بنفسه، بعد ان تمكّن حزبه ليس فقط من الاحتفاظ بالاغلبية في مجلس النواب وزيادة نوابه فيه، بل نجح بانتزاع الاغلبية من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ ايضا.

وقد أكثرت الصحف من وصف هذا الفوز، واعتبرته انتصارا لم تحققه اية ادارة امريكية منذ عام 1933. وفي العادة تعجز الادارة عن زيادة عدد مقاعد حزبها في الكونغرس في الانتخابات التي تجرى في منتصف الولاية، وذلك بسبب ميل الناخب للمعارضة على ضوء اداء الحزب الحاكم.

وخصصت الصحف مجالا ايضا لكيل المديح لشخصية الرئيس بوش. وقد بدا من الجولة القصيرة جدا التي زار خلالها 15 ولاية، ان الرئيس الامريكي يتمتع بشعبية كبيرة جدا. فقد وضع بوش كل ثقله ومستقبله السياسي لدعم مرشحي حزبه، تحديدا في الولايات التي شهدت منافسة شديدة ولم يكن واضحا من سيفوز فيها بالنيابة. لهذا السبب اعتبر فوز الحزب بالاغلبية المطلقة في مجلس الكونغرس، فوزا شخصيا للرئيس الذي سيتمكن باكثر سهولة من تمرير مخططاته المتعلقة بالحرب على العراق. ولم يكن صدفة ان تم التوصل للتفاهم الامريكي الفرنسي حول مشروع القرار شديد اللهجة بخصوص العراق، بعد ان تبين مدى نجاح بوش في الانتخابات وفوزه بالدعم الكلي من الكونغرس.

 

ضعف الديمقراطيين

ولم يكن هذا الفوز الساحق بفضل مهارة بوش السياسية، بل لان المنافسة كانت ضعيفة جدا. فالحزب الديمقراطي لم يطرح برنامجا بديلا وخطا فاصلا واضحا بينه وبين الادارة الحالية، التي تعتبر من اكثر الادارات تطرفا في توجهاتها الداخلية والخارجية. والسبب في هذا الفشل هو نجاح بوش في تحويل الانتخابات الى استطلاع حول سياسته تجاه العراق وحربه ضد الارهاب، وقطع بذلك الطريق على الديمقراطيين لاستغلال المشاكل الاقتصادية الضخمة التي تواجه امريكا اليوم. وفي هذا المجال صوّت اغلبية الديموقراطيين انفسهم لصالح سياسة بوش الحربية التي تضع امن العالم كله على كف عفريت.

وحول اخفاق الحزب الديموقراطي في استغلال الازمة الاقتصادية لصالحه، علّقت صحيفة "نيويورك تايمز" (7 تشرين ثان) بالقول: "ان البورصة الامريكية هبطت عدة مرات منذ تولي الادارة للحكم، وذلك لاول مرة منذ ادارة الرئيس هوفر (فترة انهيار البورصة الكبير عام 1929). وقد فقد الاقتصاد اكثر من مليوني مكان عمل في القطاع الخاص، كما فقد ثقة المستثمرين بسبب فضائح الشركات، الامر الذي يعيد للاذهان احداث الثلاثينات".

المفارقة ان الوضع الحالي يشبه الوضع في فترة الرئيس الجمهوري هوفر. ولكن، بينما سقط هوفر وصعد روزفيلت الديمقراطي الذي اعتبر منقذ امريكا الحديثة، فاليوم يسقط الديمقراطيون ويفوز بوش بالاغلبية الساحقة، رغم انه يتحمل المسؤولية الكبرى عن الوضع الكارثي.

وقد ارتفعت الاصوات داخل الحزب الديموقراطي في محاولة لتفسير نتائج الانتخابات. امين عام النقابات الامريكية، جون سويني، الذي قال لصحيفة "واشنطن بوست" (7 تشرين ثان) ان معظم النقابيين لم يصدقوا ان للديموقراطيين رسالة اقتصادية واضحة. وساد النقابات الاعتقاد بان كلا الحزبين يفتقدان البرنامج لاعادة تقوية الاقتصاد. ويعتبر هذا الموقف ادانة للديموقراطيين الذين كان عليهم طرح موقف واضح، غير انهم عجزوا عن ذلك".

 

تصدير الازمة لا يحلها

وحتى لو تمكّن بوش من صرف الانظار الى العراق، وتخويف الجمهور الامريكي بافتراءات حول امكانية صدام ضرب امريكا، الا ان الازمة الاقتصادية لن تختفي بل يتوقع ان تتفاقم. وقد اضطر بنك الاحتياط الفيدرالي لخفض نسبة الفائدة الى 1،25%، وهو ادنى مستوى لها منذ ولاية الرئيس كنيدي عام 1961. وتعبر هذه الخطوة عن قلق عميد البنك، آلان غرينسبان، ازاء التطورات الاقتصادية السلبية التي تهدد الاقتصاد الامريكي.

صحيفة "واشنطن بوست" (7 تشرين ثان) اشارت الى هذه الخطوة الاستثنائية بانها محاولة من البنك المركزي لمنع "الانخفاض العام في اسعار البضائع والخدمات، وهي ظاهرة معروفة باسم deflation. دخول الاقتصاد لحالة من هذا النوع، تصعّب على المستهلكين والشركات سداد ديونهم، الامر الذي سيؤدي لانكماش اضافي في الاقتصاد. وتحد هذه الظاهرة من امكانية تدخل البنك المركزي لاعادة الحيوية للاقتصاد، وهو الوضع الذي تعاني منه اليابان".

القصد من هذا التعليق ان البنك المركزي استخدم كل اساليبه لانعاش الاقتصاد، ولم يعد ناجعا مواصلة خفض نسبة الفائدة. ففي اليابان وصلت نسبة الفائدة الى صفر، ومع هذا لا يتوافد المستثمرون لاستغلال الفرصة للاقتراض، وذلك بسبب تراجع الاستهلاك وانخفاض الاسعار الذي يؤثر على مستوى الارباح. الامر الذي يلمّح اليه هذا التقرير عمليا، هو ان الحكومة مطالبة باتخاذ اجراءات حاسمة لاعادة الامور الى نصابها.

ولكن رغم خطورة الوضع، الا ان ادارة بوش غير قادرة على اجراء الاصلاحات المنشودة. فقد تورط بوش في فضيحة جديدة، فبدل التحرك لفرض الرقابة على الشركات واعادة ثقة الجمهور بالبورصة الآيلة للسقوط، فصل مدير هيئة سوق الاوراق المالية التي تراقب البورصة الامريكية. وبالمقابل اقترح بوش منح اعفاءات ضريبية كبيرة للشركات والمستثمرين الكبار في البورصة. ويشير هذا الى ان ما يهم هذه الادارة هو سلامة رؤوس الاموال الذين يموّلون الحزب الجمهوري، وليس مصلحة عشرات الملايين من العمال وابناء الاقليات الذين كانوا اكثر المتضررين من الازمة الاقتصادية الحالية.

ان مخططات بوش العدوانية ضد العراق، لا توفر الحل لهذه المشاكل المستعصية. ورغم ان هذه المخططات مكّنت بوش من حصد اغلبية الاصوات، الا انها لا تزيد الاقتصاديين والمسؤولين في البنك المركزي الا قلقا. وقد اكد هؤلاء لصحيفة "واشنطن بوست" ان ما يمنع الاستثمار والانتاج والتشغيل هو عدم اليقين بشأن المستقبل بسبب الخطر "الجيوسياسي". وقد أوضحت الصحيفة ان قصد الاقتصاديين من هذا الاصطلاح هو "الحرب المحتملة ضد العراق. فقد ادخل هذا الوضع الكثير من ارباب العمل الى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل الاقتصادي، لدرجة انهم يمتنعون عن تشغيل المزيد من العمال، او عن زيادة الانتاج او الاستثمار في منشآت وآليات جديدة".

من هذا يتبين حجم المفارقة. ان فوز بوش الساحق في الانتخابات لا يمنحه هامشا سياسيا كبيرا. بل ان الاغلبية التي حققها في مجلس الكونغرس افقدته الذرائع لتحقيق التغيير وانقاذ الاقتصاد، مما سيزيد الضغط عليه لاظهار نتائج ملموسة. الحرب ضد الارهاب لا يمكنها ان تبقى للابد المبرر لفشله في المجال الاقتصادي. اما في الشأن العراقي، فهو يواجه الحلفاء الذين يطالبونه باتخاذ الحذر، لانهم يرفضون ببساطة الانجرار وراء مغامرته.

ما يمكننا استخلاصه من هذه الانتخابات النيابية الاخيرة، هو ان الولايات المتحدة مريضة. ومرضها الاخطر هو فقدانها القوة السياسية والبرنامج والقيادة القادرة على انقاذها من النظام الرأسمالي المختل ومن مبادئه التي لاجلها تسعى ادارة بوش لتدمير العالم قاطبة.

 

الصبار   تشرين ثان 2002، العدد 158

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية في باريس: ما التغيرات في سوق العقارات الفر


.. عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم الإثنين 1 يوليو 2024 بالصاغة




.. -مشهد اتعودنا عليه من حياة كريمة-حفل تسليم أجهزة كهربائية لـ


.. تقديرات تظهر بأن مدى صواريخ حزب الله يهدد بتعطل إنتاج نحو 90




.. كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد المصري بعد ثورة 30 يونيو؟