الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فدراليات الخوف

مالوم ابو رغيف

2005 / 8 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا احد يستطيع انكار مناخ التشكيك وازمة الثقة السائد في العراق ،ولم يعد بالامكان اخفاء المخاوف والخشية من احتمالات مرتقبة قد تعصف بالعراق ارضا وشعبا .لعل اخطر هذه هذه المخاوف هي احتمال حرب اهلية تحت رايات دينية تضع نهاية لكل احتمالات الوفاق الوطني والسلم الاجتماعي،او حرب قومية ضد الكورد تحت شعار الحفاظ على وحدة العراق وسلامة اراضية.
كل المخاوف مشروعة،فمخاوف الكرد تنطلق من تجارب الماضي غير البعيد حيث أُبيد مئات الالاف في حرب عنصرية قذرة ليس لها من مبرر ولا مسبب ،والشيعة همشوا وشردوا وهجروا وطمروا احياء في مقابر جماعية ،والاديان غير الاسلامية يرتعدون خوفا من سيف الله المسلول الذي لا يرحم،والسنة يخشون التهميش والتجويع وفقدان مراكز احتكار السلطة وسيطرة المذهب.
لا احد بات يتكلم عن الوحدة الوطنية بمعزل عن هذه المخاوف ،فهي اكبر من ان يتم تجاهلها او استبعادها من دائرة الحوارالسياسي والاجتماعي والديني والقومي ،ولا يستطيع طرف تاجيلها الى مرحلة قادمة ،فالقادم المخيف ليس له من ارجل او ايدي سواها..
وفي مثل هذه المناخات المشحونة بالتشكك النوايا والاهداف والمرامي،يناور ويتخاصم ويتهم الواحد الاخر،ويسعى كل طرف الى التبرع من كيس صاحبة ويحرص على ان يبقى كيسه مربوطا لا يخرج منه درهم واحد.
فالكرد لا تهمهم الفدرالية كنظام سياسي يشمل الجميع بقدر ما تهمهم كنظام شبه استقلالي ،ثمرة غير ناضجة لنضال وكفاح لم يصل الى مرحلة تكوين الدولة الكردية.ضمن هذا التصور يناور الكورد،مرة مع السنة ان وافقوا بفدرالية كوردستان دون ان تشمل الفدرالية جميع العراق ومرة اخرى مع الشيعة لارجاع الحدود الادارية كالسابق قبل ان تلعب بها يد البعث المفسدة.
اما الاحزاب الشيعية،فان فدراليتهم دينية اكثر منها سياسية ،يتحكم بها رجل الدين المسيس وتفرض احكام الاسلام اكثر مما يتحكم بها الدستور اوالقانون،فدرالية تساوم الكورد على اقرار حقهم ولكنها تتبرع بكركوك الى السنة العرب لكسب رضاهم وتطمين مخاوف التجويع لديهم.
السنة العرب ،او لنقل السنة الذين يغلبون الفهم القومي على الفهم الديني ،يتفهمون،هكذا يقولون ،مطالبة الكورد بالفدرالية ويقرون بخصوصية كردستان على مضض،دون كركوك بالطبع ،ولكنهم يجدون فدرالية الجنوب غراب ينذر بالتقسيم والتبعثر وانتقام طائفي يهدف الى تجويعهم وافرادهم في صحارى جدباء قاحلة.لكنهم يرفعون راية الاسلام والشريعة مثل ما يرفعها الشيعة،اسلام عام ،يتفق فيه الجميع على الحد من حرية الناس.ليس حبا في الاسلام او اقرارا بضرورته بل لانهم يحاولون ايجاد نقاط التقاء مع المسلمين الشيعة للاتفاق ضد الكورد.
ومن هنا نستطيع القول ان فدرالية تفرضها المخاوف والشكوك وليس محاسن النظام الفدرالي ،وان كان هذا ما يدعيةالبعض ،لا تقود الى التوحد بل الى التفرد والاغتراب.فدرالية ستبنى على المحاصصات في المركز وعلى الاطماع في الاقاليم.فدرالية يكبر فيها الشك الى حدود الاتهام ، وتولد فيها ردة الفعل قبل الفعل نفسه .
يعتقد البعض ان الناس لا تفهم معنى الفدرالية وتقرنها مع الانفصالية او محاولة الانفصال او تهميش الكل وتعظيم الجزء،ان كان هذا هو فهم الناس للفدرالية فمن هو المسؤول عن ذلك.؟ اليس هي مجموعة الاحزاب المتواجدة على الساحة العراقية وحرب الاتهامات بينهم وتثقيفهم الخاطئ .؟من زرع الخوف في قلوب الناس غير من يدعي ان الفدرالية هي منة وفضل وليس شراكة في وطن واحد.؟اليس من يتحدث عن مصلحة فئة او طائفة هو بنفس الوقت يزرع خوفا او حنقا في قلب فئة او طائفة اخرى لا ترى في المستقبل خيرا سيعم الجميع ان كان هذا المستقبل زاهرا.؟اوليس هذا النوع من التثقيف هو تثقيف فرقة وتجزيئ وليس تثقيف وحدة وتجميع.؟
لماذا لا يتحدثون عن النظام الفدرالي نفسه كنظام سياسي للتفاهم والتوحد في العام والمحافظة على الخاص وليس بصفته نظام للتمايز والاختلاف وكسب المغانم والحصص.؟
وماذا عن الواقع السياسي في العراق! نواتات لفدراليات او تجمعات مذهبية ودينية وقومية ما انزل الله بها من سلطان ،فمن كانتونات الصدر الى كانتونات الدعوة وبدر الى ثار الله وحزب الفضيلة ومناطق الذبح والتسليب التابعة الى امارة هيئة علماء المسلمين وامارة الزرقاوي وغيرها وغيرها.. للناس عيون ترى وعقول تعي وتحلل ،فلماذا هذا الاتهام الدائم للناس وهي ترى ما لم يخطر على بالها ولم تحسب له حسابا،الجميع يسرق وينهب ويسلب ويهرب من اصغر موضف الى ارفع رتبة في بلد لم يبقى فيه شيئ سوى الخراب والدمار.حتى بات الاحساس الغالب بين الناس انها تعيش في دولة لصوص وحرامية وقطاع طرق ولو كان للقصاص الاسلامي من منفذ فسوف لن نرى احدا الا بيد واحدة .!
هل هناك دولة فدرالية خرجت للوجود مستندة على شرائع سماوية او اي دولة فدرالية اتخذت من دين الاسلام اساسا لتوافقها وتقسيم الصلاحيات فيما بينها .؟هل توجد دولة فدرالية في العالم تقول ان اي تشريع يجب ان لايتعارض مع احكام الدين.؟ اليس جميع الدول الدينية هي دول شمولية ظالمة ،قوانينها ونظمها تبحث عن مصلحة الله ووكلاءه وتوعد الناس بجنات وهمية عرضها السماوات والارض ان هم رضوا بقسمتهم وصبروا على زريتهم وقنعوا بفقرهم وذلهم وعبوديتهم .؟بعضهم يطرح نظام للولايات لينصب علينا امراء وشيوخ عشائر يتحكمون بمصائر العباد وحرياتهم،والاخر يطرح علينا نظام غير مركزي ،ليعيدنا الى فترة ال عثمان الاتراك فلا نرى بعدها حجرا يتحرك الا بامر الوالي الاكبر.
فالاساس الذي تبنى عليه الفدرالية هو اساس خاطئ ،اساس رخو لا يصلح ان يثبت به عمود خيمة فما بالك ان يكون اساسا لبناء متين.؟فخيمة الدين لا تضلل احدا ولا تتسع للجميع .لا توجد فدرالية من دون نظام علماني ،انساني غير الاهي ،دستور لا يبتدا باسم الله بل باسم الانسان،وقوانين ليس شمولية الطابع والطبيعة بل معبرة عن وعي الانسان وادراكه وتطوره وانسانيته يتساوى امامها الجميع لا فضل احد على احد ان اختلف دينه او مذهبه او اختلفت قوميته وجنسه.
كيف لنا ان نصدق ان بعض من يود ان يبني الفدراليات لا زال يعتقد ان المراة ناقصة عثل ودين وان الرجال قوامون على النساء ،وانها لا تصلح للحكم ولا للقضاء وانها عورة .هل نحن امام فدراليات ذكورية من نوع خاص .؟
لا فدرالية من دون تنازلات ،فهذا هو اساسها،ان تتنازل الاجزاء عن بعض ما تدعية مقابل تنازل المركز على التقليل من ثقله وحجمة ونطاق سلطته وحدودها،ولا فدرالية من دون تفهم وثقة بالمستقبل الذي يجب ان يعمل الجميع على ان يكون مزدهرا انسانيا مدنيا.
اما فدراليات الخوف فسوف تموت وتتفسخ وستزكمنا روائحها بعد وقت قصير على ولادتها القيصرية هذا ان لم تمت وهي في بطن امها !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة كبيرة في إقبال الناخبين بالجولة الثانية من الانتخابات


.. جوردان بارديلا ينتقد -تحالف العار- الذي حرم الفرنسيين من -حك




.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت


.. إسرائيل منقسمة.. ونتنياهو: لن أنهيَ الحرب! | #التاسعة




.. ممثل سعودي يتحدث عن ظروف تصوير مسلسل رشاش | #الصباح_مع_مها