الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركة ثقيلة عافها المالكي للعبادي وجميع العراقيين

فرات المحسن

2014 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



دائما ما تذهب المقارنات بين الشخصيات لتبحث عن ما يتمتع به كل منها في المزايا الشخصية سلبا كانت أم إيجابا. فبعد سقوط صنم البعث الفاشي ورئيسه المخبول، ظهرت على الساحة السياسية شخصيات عدة كان وجودها خارج العراق كمعارضة يمنع العراقي من معرفة الميزات الشخصية لأفرادها، وبدت الكثير من الوجوه بعيدة وغريبة في طباعها وأشكالها ورؤاها عن أبن الشارع . حتى شخوص المعارضة، ورغم سنوات المنفى المشترك الطويلة، لم تكن قد تعرفت على بعضها البعض بما يكفي لتشخيص الميزات والطباع الفردية. فالخلافات السياسية والشخصية كانت على أشدها مثلما طابع المهادنات والمجاملات على حساب المبادئ. وكان السؤال عن شخص ما من المعارضة عند بعض الأطراف السياسية، يشوبه الكثير من التسويف والتشويه ويصل في البعض منه لدرجة التخوين والذم.
ظهور السيد علاوي كأول رئيس لوزراء العراق في الحكومة العراقية بعد سقوط الصنم كان مفاجئة من العيار الثقيل للعديد من الناس، فالشارع العراقي من المتعلمين والسياسيين عكس العامة، يعرفه بعثي سابق له تأريخ غير حسن في علاقاته السياسية والإنسانية حين وجوده عضوا في صفوف حزب البعث عندما كان داخل العراق، وتم تسويقه من قبل المخابرات البريطانية كمعارض لصدام بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها على يد المخابرات العراقية، ودائما ما يسبق توصيفه حاله حال السيد أحمد الجلبي، اعترافاته بكونه تعامل مع العديد من مخابرات الدول. ولم يكن مجلس الحكم الذي ألفه الحاكم العام الأمريكي بريمر غير بضع شخصيات مموهة وضبابية لم يسبق للشعب العراقي أن تعرف عليها أو حتى سمع عنها، وذلك بسبب سياسات التغييب والقسوة التي مارسها حزب البعث وأيضا لأسباب شخصية. وحدث ذات الشيء لشخصية السيد الجعفري الذي اختير رئيسا للوزراء كاستحقاق للمكون الشيعي وبقيت شخصيته القلقة المشحونة بالنرجسية الطابع الغالب في التوصيف عند الكثيرين.ومثله السيد المالكي الذي تضاربت عواطف ومشاعر وسلوك الناس في محاولة لمعرفة واكتشاف شخصيته ورؤاه وتوجهاته رغم فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثمان سنوات . وبسبب حاشية كبيرة عريضة التفت حوله طيلة فترة حكمه أنقسم الناس فيه بين مؤيد ومعارض ليرحل هذا الخلاف إلى البيت الشيعي وتوجه الطعون لحزب الدعوة أولا ثم للمكون الشيعي بسبب شخصية المالكي وأداءه وأفعال حاشيته.
ظهر السيد حيدر العبادي كبديل عن المالكي ولم تكن العشر سنوات لتكفي الناس للتعرف على قدراته وطباعه ورؤاه ومنهجيته. فهو في الجانب العملي سبق أن كان وزيرا للمواصلات بعد سقوط الفاشية البعثية، ولم تظهر في عهد استيزاره انجازات يعتد بها، مما يستدعي الناس لتذكرها. ورغم أن السيد العبادي يحمل شهادة الدكتوراه من بريطانيا في مجال الالكترونيات، فقد بقت الوزارة على حالها لا بل أصابها الكثير من العطب والجدب وتحولت إلى مقاول فتح الأبواب لشركات الهاتف النقال للحلول بدلا عن الوزارة في جانب خدمات الهاتف، وأثير وقتها لغط كثير حول المفاوضات مع شركات الهاتف واتهم شخص الوزير بمهادنة وبيع الحقوق وغير ذلك، مما يثلم شخصية السيد العبادي. ومثل ذلك حدث أيضا مع باقي خدمات الوزارة المقدمة للمواطن العراقي. وعندما انتهى استيزاره أصبح عضوا برلمانيا لا يسمع له صوتا منفردا أو فاعلا بقدر علاقته وتبعيته لرئيس الكتلة في البرلمان وتوصيات حزبه، رغم ترؤسه لجنة الاستثمار والأعمار في البرلمان التي ما قدمت لحين حلها ما يشفي غليل المواطن أو يرفع من قيمة المنجز في تلك المجالات. وحتى في خيار ترشيحه لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان العراق أثر نتائج انتخابات العام الحالي 2014 فأن ذلك جاء بناءا على ترشيح حزبي وعلى أساس استحقاق التحالف الشيعي للمنصب.
في التوصيف العام يدخل السيد حيدر العبادي تحت خيمة التكنوقراط ، وهي صفة علمية مهنية يحتاجها العراق في جميع المراحل والأحوال وتبدو حاجته اليوم ملحة لمثل هؤلاء، في الوقت العصيب التي تمر فيه الدولة العراقية وحاجتها لبنات يبذلون الجهد لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة الخدمية بما يجعل المواطن يشعر بالفرق بين الماضي والحاضر وبين ما هو عليه واقع الحال في العراق مقارنة بالتقدم الذي أصاب أمم قريبة كانت تحسده على ما يتمتع به من رقي. ولكن السيد حيدر العبادي جاء بناءا على خيار حزبي، ودائما ما كان ومنذ صباه قريبا من دائرة السياسة والتحزب ولم يمنح الفرصة ليكون رجلا من رجال المهنة التي درس من أجلها سنوات طوال، لا بل أنغمر في الموضوعة السياسية وغرف من مناهل التدين والدعوة وعاش وطرا طويلا مثل رفاقه في أجواء المعارضة التي ألهته تماما عن ما أكتسبه من معرفة في مجال العلوم الالكترونية، وبدلا من ممارسة اختصاصه تعلق بطبيعة السياسي وفق نموذج الناطق الرسمي لحزبه وبقي شوطا طويلا في هذا المجال دون غيره .
في خضم المشاكل السياسية والأمنية التي يواجهها العراق جاء خيار السيد حيدر العبادي ليكون رجل التوافق السياسي والحلول الأمنية وليس رجل التكنوقراط . ومثل هذا الأمر يقصي خيار حاجة العراق للتكنوقراط في شخصه، ويحدد لرئاسة الوزراء المهام الملحة التي عليه أن يباشر بها، وهي مهام سياسية وأمنية عاجلة لا تقبل التأجيل، بعد أن عاف السيد المالكي عبئا ثقيلا على كاهل الجميع وليس فقط السيد العبادي. فالأجواء السياسية والأمنية متوترة وعلى أشدها لا بل تنذر بالدمار.فجبهة الحرب مع بعض العشائر السنية المتمردة الساندة لقوات داعش الوحشية وحزب البعث، باتت قريبة من بغداد وقطعت الكثير من جسد العراق في شماله وغربه، وهناك ضعف وارتخاء وتخبط داخل جيش السلطة، ولم يعد لقيادات قوى الأمن القدرة على منع وصول الإرهاب وسط العاصمة بغداد لا بل تمدد ليطال بعض مدن الجنوب والوسط العراقي. كذلك لم تعد للسلطة في العراق القدرة على لجم تحركات المليشيات الشيعية وإيقاف تجاوزاتها على القوانين وحياة الناس. حتى عصابات النهب والسلب والجرائم الجنائية باتت اليوم تشكل هاجس رعب ليس فقط للمواطن العادي وإنما لمؤسسات السلطة ذاتها.
أما في الجانب السياسي،فما حدث في البيت الشيعي يتطلب عملا كثيرا لإعادة ترميمه بما يضمن رضا الجميع وتوافقهم. ولا يمكن عزل هذا الخلاف الظاهر والمستتر بعيدا عن الواقع والمسببات الحقيقية للخراب الذي يعم مدن الغالبية الشيعية، وهذا لوحده يحتاج لوقفة جادة للخروج من الأوضاع المزرية التي تعانيها تلك المناطق عبر حسم ذلك الصراع الخفي وجعله بعيدا عن احتياجات البشر وتحسين واقعهم المعيشي والبيئي. أيضا فأن سقف المطالب التي يقدمها الشركاء من غير الطرف الشيعي بدت عالية جدا، وفي الكثير منها تقف ومنذ بداية شوط السيد العبادي الأول كمصدات كأداء في وجهه، لا يمكنه القفز فوقها أو تجاوزها وسوف تدخله في دوامة يصعب عليه الخروج منها، وهي أن بقيت على حالها فسوف تكون عصية على الحل مع أي شخص يستلم مهام رئاسة الوزراء، أن أصرت تلك الأطراف على مطالباتها دون أن تكون في جعبتها تنازلات تنظر بعين الحذر والوعي لما يتعرض له العراق من مخاطر مع استمرار الصراع السياسي على ذات المنوال مترافقا مع هجمة الإرهاب الشرسة التي تضع الجميع في خانة ومسؤولية واحدة بدعوى مشاركتهم في العملية السياسية . ومن هذا المشهد الشائك فأن على السيد العبادي أن يضع الشركاء من جميع القوى والفعاليات والأحزاب أمام مسؤولياتهم التاريخية المشتركة ويدعوهم لتشكيل مؤسسة أو هيئة سياسية قيادية عليا لها برنامج وقواعد معرفة وملزمة ، يلتزم بقراراتها الجميع، ويكون خيارها العراق أولا، ويتم فيها مناقشة استحقاقات جميع الأطراف وفق ما جاء به الدستور وتعديلاته . ويبدأ أولا مع الشركاء وفق قرار مشترك وناجز لإعادة هيكلة المحكمة الدستورية العليا لتحظى بمقبولية الجميع، وتكون حكما فصلا في جميع الخلافات الدستورية،على أن يضمن بعد ذلك تعهدات جميع الأطراف بقبول مشورة المحكمة الدستورية وقراراتها في حل القضايا الإشكالية في الدستور بعيدا عن التصرفات الانفرادية والاستباقية. وقبل كل هذا أن يلزم كتلته وباقي الأطراف بترشيح شخصيات ذات خلفية علمية ومهنية لوزارات الدولة بعيدا عن الخيارات الحزبية التي قدمت شخصيات أشاعت الخراب في مؤسسات الدولة ووضعت العراق عند أسفل قوائم الفشل في مختلف المجالات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو